لأول مرة أشعر بالخطر الحقيقى على مستقبل الثورة المصرية بعد مرور أكثر من 9 شهور على قيامها.. ولأول مرة أجد أننا فى حاجة الى ثورة جديدة بعد أن كنت أظن أن ما يجرى مجرد ظواهر صحية تعقب الثورات فى كل الدنيا من صراع على السلطة وقطف للثمار الثورية واختلاف فى الآراء ووجهات النظر.. لكننى أثق الآن أن حالة الضبابية التى تفرض نفسها على كل ما يدرو حولنا تنذر بما هو خطير لأن هناك من يتحرك لإعادة النظام السابق للحياة.. ليس بشكله وأفراده.. ولكن بمضمونه القائم على صناعة الدكتاتور وتقديس الحاكم! وعندما نسمع ونتابع كل ما يجرى الآن نتأكد أن هناك تدابير وخططا تحاك فى السر والعلن من أجل احتواء الثورة بعد إجراء عملية تبريد متعمد لها بإطالة أمد الفترة الانتقالية.. تارة بإحداث الفتن الطائفية التى فهمها الناس سريعا وتعاملوا معها.. وتارة أخرى بشغل الرأى العام بأحداث فرعية كإثارة ما يسمى بالبلطجة وسرقة السيارات.. واقتحام سفارة هنا وحصار سفارة هناك.. أو بخلق شد وجذب وإغضاب الناس بالتمهيد لإحياء قانون الطوارى ثم إلغائه لنيل رضاهم.. ومن قبل كل هذا وذاك الترويج لفرض أسماء وشخصيات على المشهد السياسى من خلال تشكيل أحزاب تمثل فلول النظام السابق والمنتفعين منه.. فضلا عن تعمد تغييب قانون الغدر الذى أصبح تطبيقه ضرورة حتمية لا يمكن التنازل عنها لمنع فلول النظام السابق من التسلل لباقى الأحزاب الأخرى عبر ممرات سطوة المال والعصبيات العائلية التى تضمن لهم النجاح.
أضف إلى ذلك عملية البيع والشراء السريع والشره لوسائل الإعلام الخاصة من (فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية) بأموال مجهولة الهوية والمصدر وتدور حولها الشبهات بأنها قادمة من منطقة الخليج التى تخشى على نفسها من المد الثورى.. أو أنها من خزائن سكان مزرعة طرة وبعثوا بها (أمين أموالهم) من أجل غلق منابر الهجوم عليهم والترويج وتمهيد الطريق امامهم.. وفوق كل ذلك ما خرج علينا أخيرا من بنود دستورية أقل ما يمكن وصفها بأنها سرية وما سمع بها أحد من قبل وستكون سببا فى وجود فراغ سياسى حتى بعد انتخاب مجلس للشعب وقد تكون سببا رئيسيا فى اتساع المجال لتشكيل ائتلافات من فلول الحزب المنحل وتشكيل تكتلات أغلبية تعيد الوضع كما هو عليه بأسماء وأشخاص آخرين.. ومن يدرى فقد يأتى يوم ويتم العفو عن كل الفاسدين.. وبدلا من أن يطبق قانون الغدر يحل مكانه قانون العفو.
ومن بين كل هذه الأحداث تنفرد لعبة كرة القدم بدور مثير للجدل فى الأسبوع الماضى بعد عرض فيلم تسجيلى كامل أعاد للأذهان صورة مجلس الشعب المنحل ورئيسه المحبوس وطريقة إصدار القرارات والقوانين والموافقة عليها.. هذا الفيلم تم عرضه فى يومين متتالين فى منطقة الجبلاية.. مرة على شاشة عرض اتحاد الكرة والمرة الثانية بمسرح النادى الأهلى من خلال اجتماع الجمعية العمومية لكل منهما وفى لمح البصر وبقدرة قادر تم اعتماد ميزانيات عمومية بالملايين فى أربع كلمات.. (الموافق يتفضل برفع يده).. وبدون النظر الى الجالسين وعددهم يتم إعلان اعتماد الميزانية دون مناقشة أى بند فيها.. وبلا تحديد لهوية من رفع يده بالموافقة إذا كان موظفا أو عاملا بالنادى أو حتى أشخاص تمت دعوتهم للعب دور الأعضاء الغائبين.
وهذا المشهد الغريب والمثير الذى تم طبخه والترويج له على أنه انتصار للشرعية من خلال وسائل إعلام مملوكة للاتحاد والنادى (نفس الدور الذى كان يلعبه التليفزيون الحكومى مع النظام السابق) كشف الحقيقة كاملة من أن اللعبة الشعبية الأولى كانت ومازالت أداة من أدوات الحكم فى البلاد وانعكاسا طبيعيا للوضع السياسى فيها بدليل بقاء القائمين عليها حتى الآن رغم أنهم كانوا رموزا للنظام السابق سواء بعضوية مجلسى الشعب والشورى على قائمة الحزب المنحل أو داعمين له بالأموال والهبات والهدايا السنوية من مؤسسات الدولة.. ولا أرى فى بقائهم أو الاحتفاظ بهم رغم سجلهم الأسود وحمايتهم من المساءلة القانونية إلا تحديا لإرادة الثورة والثوار بل وتمكينهم من مواصلة إفساد الحياة السياسة والكروية فى آن واحد.. فإلى متى يظل هؤلاء.. وكيف يعتمدون ميزانية بها عجز بالملايين فى دولة القانون.. أليست ميزانيات الأندية والاتحادات الرياضية أموالا عامة تستحق عناء الدفاع والمحافظة عليها.. أم انها تركة يرثها من يشاء؟!