«الأزهر منذ ثلاثين عاما أو تزيد ينحدر من الناحية العلمية والتوجيهية ولذلك خلا الطريق لكل ناعق، وشرع أنصاف وأعشار المتعلمين يتصدرون القافلة ويثيرون الفتن بدل إطفائها، وانتشر الفقه البدوى»...تلك كانت الكلمات التى قدم بها الشيخ محمد الغزالى، كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، الصادر عن دار الشروق، والذى فند العديد من الآراء الدينية التى شاعت منذ حقبة السبعينيات، وأصبحت عنوانا للتدين، ليقدم فهما بديلا للدين بمثابة «جرعة قد تكون مرة للفتيان الذين يتناولون كتب الأحاديث النبوية ثم يحسبون أنهم أحاطوا بالإسلام علما بعد قراءة عابرة أو عميقة». ويعد هذا الكتاب من الأكثر الكتب جدلا فى قائمة مؤلفات الغزالى. بحسه السياسى أدرك الغزالى منذ وقت مبكر الارتباط بين الديكتاتورية وشيوع الآراء السطحية عن الدين، حيث يقول إن الحكام الجور يتمنون لو غرق الجمهور فى قضايا مثل إن كان الشك ينقض الوضوء، لكنهم يشعرون بضرر بالغ عندما يقال هل الدولة لخدمة فرد أم مبدأ، ولماذا يكون المال دولة بين بعض الناس؟، لذا يتحسر الغزالى فى مفتتح كتابه المهم على اهتمام الشباب بمثل تلك القضايا بشكل أشد من قضايا كتزوير الانتخابات، وهو ما قد يبرر اهتمام الغزالى بتفنيد قضايا مثل حكم النقاب والجلباب والعمامة فى الإسلام، بالرغم من إلحاحه الدائم على ضرورة اهتمام المسلمين بقضاياهم الكبرى كالاستقلال والحريات. معركة النقاب بجرأة شديدة، ينتهى الشيخ الغزالى فى البحث الذى نشره فى كتابه إلى أن النقاب عادة عربية كانت حاضرة بين النساء فى عهدى الجاهلية والإسلام ولكنه ليس من العبادات «فلا عبادة إلا بنص»، ويدلل من النصوص المروية عن عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على صحة رأيه، حيث يشير إلى أن الرسول الكريم رأى الوجوه سافرة فى المواسم والمساجد والأسواق فما روى عنه قط انه أمر بتغطيتها، ويضيف أن الراوى لإحدى خطب النبى فى احد الأعياد، وصف امرأة تحدثت إلى الرسول بأنها سعفاء الخدين، تجمع بين الحمرة والسمرة، وهو ما يعنى انكشاف وجهها فى حضرة النبى. ويضيف أنه لو كانت الآية الكريمة «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» تأمر بتغطية الوجه لقالت «وليضربن بخمرهن على وجوههن مادامت تغطية الوجه هى شعار المجتمع الإسلامى ومادامت للنقاب هذه المنزلة الهائلة التى تنسب إليه»، وفى حديثه عن الجلباب يقول الغزالى «توهم بعض الشباب أن الجلباب هو زى الإسلام، وأن البدلة زى الكفار، وهذا خطأ». ويحذر الغزالى من أن يأخذ البعض كلامه على محمل الدعوة للتفريط فى الهوية الدينية ف«المجتمع الإسلامى بما شرع الله له من آداب اللباس والسلوك العام هو شىء آخر غير المجتمع الأوروبى.. فإن هذا المجتمع أدنى إلى الفكر المادى البحت واقرب إلى الحيوانية المسعورة.. إن الملابس هناك تفصل للإثارة لا للستر». حرية المرأة ويفتح الحديث عن النقاب الباب للحديث عن حريات المرأة فى نظر تيار الفقه البدوى، وهى الرؤية التى طعن الغزالى فى العديد من أوجهها، حيث يقول «إننا قدمنا للإسلام صورا تثير الاشمئزاز وفى خطاب لأحد الدعاة المشاهير قال إن المرأة تخرج من بيتها للزوج أو للقبر.. أكذلك يعرض ديننا سجنا للمرأة تقطع فيه ما أمر الله به أن يوصل؟»، ثم يصف حديثا شائعا آنذاك بين بعض الدعاة «طلب من المرأة إذا أرادت الصلاة فى بيتها أن تختار المكان الموحش المعزول» واصفا هذا الحديث بالغريب، وأن راوى هذا الحديث «يطوح بالسنن العملية المتواترة عن صاحب الرسالة وينظر إلى المرأة المصلية وكأنها أذى يجب حصره فى أضيق نطاق وأبعده». ويدافع الغزالى عن حرية المرأة فى العمل «إذا كان هناك مائة ألف طبيب أو مائة ألف مدرس فلا بأس أن يكون نصف هذا العدد من النساء، والمهم فى المجتمع المسلم قيام الآداب التى أوصت بها الشريعة، وصانت بها حدود الله، فلا تبرج ولا خلاعة، ولا مكان لاختلاط ماجن هابط، ولا مكان لخلوة بأجنبى»، ويذهب إلى ما هو ابعد من ذلك بدفاعه عن حق المرأة فى رئاسة الدولة «لسنا من عشاق جعل النساء رئيسات للدول أو رئيسات للحكومات، إننا نعشق شيئا واحدا، أن يرأس الدولة أو الحكومة أكفأ إنسان فى الأمة»، وأوضح أن هناك التباسا كبيرا فى فهم الحديث الشهير عن الرسول صلى الله على وسلم «خاب قوم ولوا أمرهم امرأة» معتبرا أن الحديث كان تعليقا من الرسول الكريم على الوضع الاستبدادى فى مملكة الفرس «الوثنية السياسية جعلت الأمة والدولة ميراثا لفتاة لا تدرى شيئا، فكان ذلك إيذانا بأن الدولة كلها إلى ذهاب.. وفى التعليق على هذا كله قال النبى الحكيم كلمته الصادقة». الحديث الشريف ويطرح الغزالى العديد من القضايا المهمة حول حرية الاعتقاد وغيرها من القضايا التى ترددت بشأنها العديد من الآراء المغلوطة على السنة بعض الدعاة لأسباب تتعلق بعدم دراية هؤلاء الدعاة بكيفية التعامل مع نصوص الأحاديث النبوية الشريفة كإحدى أسس الفتوى الدينية، حيث يقول «إن الحكم الدينى لا يؤخذ من حديث واحد مفصول عن غيره، وإنما يضم الحديث إلى الحديث. ثم تقارن الأحاديث المجموعة بما دل عليه القران الكريم، فإن القران هو الإطار الذى تعمل الأحاديث فى نطاقه لا تعدوه، ومن زعم أن السنة تقضى على الكتاب، أو تنسخ أحكامه فهو مغرور»، محذرا من «طفولة عقلية تجمع فى غمارها أرباب لحى وأصحاب هامات وقامات يقعون على أحاديث لا يفهمونها ثم يقدمون صورة للإسلام تثير الانقباض والخوف».