الذى يجعل الفتوة يتوقف عن «فتونته» هو أن يظهر له فتوة جديد، أو أن يكون هناك نظام حكم يمنع ظهوره أصلا. مع فارق المثال فالأمر لا يختلف كثيرا فى العلاقات بين الدول...اغراء القوة يدفع بلدانا كثيرة إلى البلطجة ضد جيرانها خصوصا إذا كانوا ضعفاء وأفضل مثال هو ألمانيا النازية التى كانت دائمة التجبر على النمسا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا،.. ولماذا نذهب بعيدا ولدينا العدو الصهيونى الذى يمارس بلطجة غير مسبوقة ضد كل العرب منذ عام 1948. ومع فارق التشبيه أيضا فيمكن أن يتكرر اغراء القوة فى العلاقات بين الأحزاب والمنظمات المختلفة داخل الدولة الواحدة. بعد هذه المقدمة الطويلة، هل يمكن أن يتكرر ذلك فى مصر خصوصا بعد «جمعة تفريق الشمل» يوم 29 يوليو الماضى؟!. الإجابة للأسف الشديد هى نعم. الخريطة السياسية الراهنة تقول إن لدينا قوة سياسية منظمة هى التيار الإسلامى، وبجانبها تيار لا يمكن قياس حجمه هو المستقلين وبقايا نظام مبارك ثم أحزاب تقليدية عاجزة، واخيرا قوى شبابية اشعلت الثورة، لكنها قليلة الخبرة والإمكانيات وتحتاج وقتا حتى تصل للناس والبرلمان. بعد مشهد الجمعة صار البعض يخشى أن يسعى «الإسلاميون» لتحويل مصر إلى إمارة طالبانية، لكن هل ذلك قابل للحدوث؟!. اذا صدقنا تصريحات الإخوان بإنهم يريدون «المشاركة لا المغالبة» وانهم لن ينافسوا على أكثر من 40٪ من المقاعد ..فهل أحدكم يعرف على كم مقعد سينافس التيار السلفى أو الجماعة الإسلامية؟. ولو افترضنا أن التيار الإسلامى باكمله لم يفز مجتمعا بأكثر من 40٪ فما الذى يمنع تحالفه مع المستقلين ومعظمهم قوى تقليدية. الفكرة الاساسية أنه حتى لو كانت نوايا التيار الدينى طيبة ولا يسعى للانقلاب على مدنية الدولة، فإن عدم وجود أى قوة سياسية كبيرة أخرى فى الساحة تغريه بالتفرد والسعى إلى تطبيق كل ما يريد من برامج حتى لو كانت ظلامية. إذن من مصلحة مصر، ومن مصلحة « الإخوان» أن يكون هناك تيار سياسى ليبرالى كبير يضم الوفد وسائر القوى الليبرالية وتيار يسارى عريض، إضافة للتيار الدينى او المحافظ. دولة المؤسسات ليست شعارا يرفع كى نتغنى به بل هى تحتاج إلى قوى حقيقية موجودة على الأرض تجعل كل من يفكر فى الانفراد بالساحة أو «الفتونة» يعيد النظر فى تفكيره حتى لو كان سلوكه بلطجيا، فى حين أن خلو الساحة تماما يجعل أى تيار أو حزب أو جماعة مهما كانت نواياه طيبة وأفكاره ديمقراطية «تتفرعن وتستأسد». قد يقول البعض ان هناك قوات المسلحة موجودة وفاعلة ويمكن ان تكون الضامنة لمدنية الدولة. ورغم أن الإجابة صحيحة فإن دور القوات المسلحة هو الدفاع عن الحدود، هى ليست حزبا سياسيا وليست مدربة أو مؤهلة كى تسد الفراغ الحزبى. جرائم نظام مبارك كثيرة وأخطرها أنه مارس تجريفا منظما ضد تطور القوى السياسية الطبيعية وحارب بعضها وأفسد البعض الآخر وكانت النتيجة أنه وبعد سقوطه وجدنا انفسنا وجها لوجه مع التيار الدينى فقط. الآن وحتى يكون لدينا أحزاب مدنية حقيقية فلا نملك إلا الرهان على نوايا التيار الدينى وأمامهم خياران: الأول أن يكون نصب أعينهم نموذج أربكان وتلاميذه أردوغان وجول وحزب العدالة والتنمية فى تركيا، أو نموذج الملا عمر وأسامة بن لادن والظواهرى فى أفغانستان ونموذج حركة شباب المجاهدين فى الصومال. ولذلك يصبح السؤال هو: أى النموذجين أقرب إلى الواقع؟!. الاجابة متروكة لكم.