لا يحق لأحد أن يطالب الجماعات والتيارات الدينية التى تدعو للتظاهر الجمعة القادمة بألا لا تتظاهر، طالما التزمت بسلمية التظاهر وامتنعت عن طرح شعارات تقصى وتستبعد وتخون فصائل وطنية أخرى. وهنا تحديدا يكمن خطر الجمعة القادمة. نعم يشدد بعض الجماعات السلفية والدينية على الطبيعة السلمية لتظاهرهم، إلا أن البعض الآخر يتحدث علنا عن «تطهير التحرير» وعن إخراج المجرمين ومرتكبى المعاصى ومتعاطى المخدرات والمرتزقة منه. فهل يهيئ مثل هذا الخطاب لضمان سلمية الجمعة أم يفتح الباب على مصراعيه لمواجهات عنيفة بين أتباع التيارات الدينية وبين المعتصمين فى التحرير وغيره من الميادين؟ نعم يرفع البعض من الجماعات الداعية للجمعة القادمة شعارات هادئة كجمعة الاستقرار وجمعة الإرادة الشعبية، إلا أن البعض الآخر يتحدث عن جمعة الدولة الإسلامية (ومن لا تعجبه فليرحل) وجمعة لا للعلمانيين والليبراليين وللدولة المدنية وغير ذلك من شعارات حدية تقصى وتستبعد فصائل وشخصيات هى فى صلب الثورة والحركة الوطنية المصرية. فهل بمثل هذه الشعارات نصون الطبيعة السلمية للتظاهر أم نعرض مصر لخطر مواجهات عنيفة بين مصريين ومصريين ولخطر عودة لغة الانقسام إلى الواجهة فى لحظة، بعد مجمل تطورات الأيام الماضية وأحداث العباسية المؤسفة، نحن أحوج ما نكون بها للتوحد ونبذ العنف والإقصاء والتخوين؟. لست مع دعوة الجماعات السلفية والتيارات الدينية للامتناع عن التظاهر، ولا مطالبة القوى المدنية للمرة الأولى منذ الثورة بجمعة هدنة أو التقاط أنفاس حين قرر الدينيون الخروج إلى الشارع. إلا أننى أتخوف كثيرا من خطاب تطهير التحرير ومن الشعارات الحدية التى قد ترتب مواجهات عنيفة مع معتصمين لا يحق لأحد أن يخرجهم عنوة من الميدان ولا يحق لأحد أن يتهمهم بالخيانة. وأتحفظ على استعلاء يمارس باسم الدولة الإسلامية ضد حلم الدولة ذات الطبيعة المدنية والديمقراطية الذى حمله ملايين المصريين أيام الثورة ولايزالون، وكذلك على التأليب ضد التوافق حول المبادئ الحاكمة للدستور الجديد والتى لها أن تضمن الوجهة المدنية والديمقراطية لدولة ثورة 25 يناير دون مصادرة للعمل التفصيلى للجمعية التأسيسية لوضع الدستور. مصر لا تحتاج لا جمعة تطهير ولا جمعة هدنة، بل لجمعة لا للتخوين إن بين الفصائل الوطنية بعضها وبعض أو من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة باتجاه بعضها أو من قبل البعض باتجاه المجلس الأعلى. مصر لا تحتاج لا جمعة تطهير ولا جمعة هدنة، بل لجمعة وحدة الصف والأهداف المشتركة بين التيارات المدنية والدينية وجوهرها بناء دولة مواطنة الحقوق المتساوية لكل المصريات والمصريين ودولة القانون والعدالة الاجتماعية والحريات وتداول السلطة. مصر لا تحتاج لا جمعة تطهير ولا جمعة هدنة، بل لجمعة خروج وحضور مشترك فى ميادين الحرية على امتداد الوطن لرفض التخوين واستعادة الطبيعة السلمية للثورة المصرية والتشديد على رفض العنف المنظم الذى مورس ضد المشاركين فى مسيرة السبت الماضى ورفض أى تهديد لتماسك مؤسسات الدولة المصرية. دعونا نستَعِدْ لميدان التحرير رونق التوحد والمطالبة السلمية بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. تنادَوا إلى جمعة لا للتخوين ووحدة الصف.