«وزير التموين» يستعرض خطة تحقيق الأمن الغذائي طبقا لتوجيهات الرئيس    محافظ أسيوط يؤكد استمرار عقد ندوات التوعية للحد من الزيادة السكانية    بعد أزمة كهربا| رسالة شديدة اللهجة من «الدماطي» للاعبي الأهلي    وزير الرياضة يفتتح بطولة العالم للبادل بالمتحف المصري الكبير    حملات ترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 124 محضرًا للمحال المخالفة    المشدد 7 سنوات لفكهاني قتل زميله فى شبين القناطر    التعليم : سعر الحصة لمعلمي سد العجز 50 جنيها شاملة كافة الاستقطاعات    أبرزها تعديلات قانون الطفل.. النواب يحيل 5 مشروعات قوانين للجان المختصة    محافظ أسيوط لطلاب «جمال عبد الناصر»: عليكم بالحوار والنقاش مع المعلمين    وزير الإسكان: الطرح الجديد ل"سكن لكل المصريين 5" يغطي جميع مناطق الجمهورية    الكهرباء : إعادة بطاقة التموين ل500 ألف مواطن .. لهذا السبب    محافظ الجيزة يواصل اللقاءات مع المواطنين لبحث الطلبات والشكاوى والتوجيه بحلها.. صور    تنفيذ أعمال المرحلة الثالثة من برنامج التوعية الشامل بالمخلفات الصلبة بالدقهلية    وزير التموين يستعرض خطط الوزارة أمام البرلمان: دمغ المصوغات بالليزر    لهذا السبب..محافظ الدقهلية يستقبل السفير كريستيان برجر ووفد الاتحاد الاوربى    أول رد إيراني على اتهام التدخل في لبنان.. وعراقجي يزور اليوم البحرين والكويت    «بيسكوف»: روسيا ستواصل تعزيز التعاون مع كوريا الشمالية    وزير الخارجية والهجرة يدين التصعيد الإسرائيلي مع نظيرته السويدية    هاريس: لن نسمح لترامب بقيادة البلاد مرة أخرى    رغم الانتهاكات الإسرائيلية| «اليونيفيل» تؤكد إصرارها على البقاء في لبنان    وزيرة التضامن الاجتماعي تبحث مع سفير قطر بالقاهرة تعزيز سبل التعاون    سلوت: صلاح سينافس أرنولد على مركز الظهير الأيمن    محفوظ مرزوق: أول هجوم بالصواريخ المضادة لسفن الصد كان من لانش صواريخ مصري    بدء فعاليات مبادرة 100 يوم رياضة بكلية تجارة جامعة جنوب الوادي    بينيا: قدمنا مباراة رائعة أمام إشبيلية.. وخبرة تشيزني كبيرة    ناصر ماهر: نتطلع لحصد لقب السوبر المحلي لإسعاد جماهير الزمالك    شوبير يكشف حجم إصابة كمال عبد الواحد ويحيى عطية    قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل نهائي السوبر.. شوبير يكشف التفاصيل    مواعيد مباريات اليوم الإثنين 21 أكتوبر في البطولات العالمية    جامعة بن سعود بالسعودية تكرم أعضاء هيئة تدريس ببنها    رئيس النواب يحيل 5 مشروعات قوانين إلى اللجان المختصة    مصرع طفل وإصابة 4 في حادثين بالشرقية    «الأرصاد»: سرعات الرياح تصل إلى 40 كيلومترا على بعض المناطق    خلافات تدفع عاملا لحرق تروسيكل بالمنوفية    إصابة خمسيني صدمه قطار أثناء عبوره مزلقان بقنا    حدثوا التابلت ضروري.. تنبيه عاجل من المدارس لطلاب 2 ثانوي    سقوط عصابة سرقة الهواتف ب«الشرابية»    أسرار جديدة للمصريين القدماء تكشفها نقوش موجودة على جدران معبد إسنا    الاحتلال يعتقل 18 فلسطينيا بالضفة الغربية بينهم طفلان وأسرى سابقون    محافظ أسوان يتابع توافد الأفواج السياحية والزائرين لمشاهدة ظاهرة تعامد الشمس    الأمريكي صاحب فيديو كلب الهرم: تجربة الطائرة الشراعية في مصر مبهرة    أبرز لقطات حفل عمر خيرت بمهرجان الموسيقي العربية.. تقديم الصوليست أميرة علي    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة تنفيذ "حديقة تلال الفسطاط" بقلب القاهرة التاريخية    في ذكرى ميلاد حسن الأسمر أيقونة الطرب الشعبي.. تعرف على أبرز المحطات في حياته    الإفتاء تجيب على سؤال: هل للواهب الرجوع في المال الذي وهبه لصديقه؟    مديرية أمن الأقصر تنظم حملة للتبرع بالدم لصالح المرضى    خبير يوضح أهداف المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    7 أطعمة تساعدك في تحسين كثافة العظام بشكل طبيعي    كم مرة تقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين في اليوم والليلة    منها مواليد برج العقرب والقوس والجوزاء.. الأبراج الأكثر حظًا في 2025 على الصعيد المالي    وزير العمل: الحكومة حريصة على صدور قانون العمل في أسرع وقت ممكن    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    محمود كهربا.. موهوب في الملعب وأستاذ "مشاكل وغرامات" (بروفايل)    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    6 أطعمة تزيد من خطر الإصابة ب التهاب المفاصل وتفاقم الألم.. ما هي؟    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواطنة وقوانين الأحوال الشخصية
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 07 - 2011

لقد برزت العلاقة ما بين الدين والسياسة كأحد أهم شواغل القوى الوطنية السياسية وهى تتلمس طريقها فى بناء المستقبل واختيار طريق التغيير انطلاقا من ثورة 25 يناير. ولا نبتعد كثيرا عن الصواب إذا قلنا إن المشهد السياسى الذى لعبت فيه الكتلة الصامتة دور الحاضر الغائب انتهى إلى طرف يطالب بدولة مدنية يقر بهويتها الثقافية الإسلامية ويقبل راضيا أو مضطرا بنص الدستور على ديانتها، مقابل طرف يرفع شعار دولة مدنية ذات مرجعية دينية إسلامية. وتجلت قيم الحرية والعدالة والمساواة كأرضية مشتركة اتفق عليها نظريا أو خطابيا طرفا الصراع السياسى الدائر فى مصر، بصفتها أساس مفهوم المواطنة فى الدولة المدنية وفى نفس الوقت أساس مبادئ الشريعة الإسلامية. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال يفرض نفسه بقوة: ما هى حقيقة الفروق بين الشعارين على أرض الواقع؟
ثمة قضايا تسلط الضوء بقوة على بعض إشكاليات بناء الدولة المدنية، خصوصا فى ظل المرجعيات المتداخلة فى تشكيل معنى المواطنة بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية، مثل «المرأة» والأقباط». وتنبغى هنا الإشارة إلى أن هذه فئات تُقام بإبراز أحد محددات الهوية على حساب غيره (الدين أو النوع على حساب الطبقة مثلا)، ومن هنا فهى فئات تحليلية أكثر من كونها اجتماعية.
لا يوجد أبلغ من قانون الأحوال الشخصية كمثال يبرز جوانب معينة من إشكاليات المواطنة فى مصر على مر تاريخها الحديث. ففى حين تتمتع النساء فى المجال العام بالحقوق المرتبطة بتعريف المواطنة، يضع هذا القانون للنساء تعريفا فى «المجال الخاص» بصفتهن رعايا يقعن تحت قوامة الرجال ولا يتمتعن بنفس حقوق الذكور فى الزواج والطلاق، والميراث، والولاية على الأطفال.
إن عملية ترجمة الشريعة الإسلامية إلى نصوص قانونية سارية مسألة اقتصرت تاريخيا على مجال الأحوال الشخصية، أى ما يمس حقوق النساء فى المجال الخاص، وفيما عدا ذلك كان بوسع الدولة «علمنة» سائر سياساتها وقوانينها. وهى مسألة نشأت واستمرت أشبه ما تكون بصفقة أبدية فى موازين القوى بين الدولة واحتياجاتها العصرية والتيارات التحديثية فى المجتمع من جهة، وبين جبهة التيارات المحافظة والدينية من جهة أخرى، شكل فيها قانون الأحوال الشخصية الخط الأحمر أمام الدولة التى فيما عدا ذلك كان بوسعها فرض قدر كبير من المساواة بين النساء والرجال فى المجال العام، أى فى الحقوق السياسية وقوانين العمل، لتلبية احتياجات الدولة الحديثة. وعلى مر عدة عقود اختلفت فيها توجهات الدولة السياسية والاقتصادية ومرجعيات المجتمع المدنى، ظل هذا الوضع قائما بدون تغيير يذكر.
ولأن الحديث عن المواطنة والدولة المدنية هو حديث الساعة، لابد من ثمة مكان لهذا الملف الشائك فى الجدل السياسى والمجتمعى حول الديمقراطية. إذا كانت الديمقراطية تعنى سيادة رأى الأغلبية السياسية، فهذا الحق مشروط بأن تلتزم الأغلبية بمبدأ المساواة بين الأفراد فى الحقوق. أمام هذه المخالفة الصريحة فى حق النساء لأحد مبادئ الديمقراطية، هل نجد مبدأ آخر يعيننا على الخروج من هذا المأزق بشكل أو آخر؟ إذا اتفقت الأغلبية على انتقاص حقوق المواطنة للنساء، فهل يجب استفتاء فئة النساء نفسها بصفتها الفئة (الاجتماعية) المعنية بهذا التمييز الذى اختصتها به الأغلبية (السياسية)؟ وإذا وافقت أغلبية النساء، فماذا عن حقوق الأقلية من النساء التى تطالب بحق المواطنة غير منقوصا؟ وأخيرا، ما هى الشرعية التى تستند إليها الدولة المدنية الديمقراطية فى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فى مسائل الميراث على المواطنات المصريات المسيحيات؟
هذه قضية لم تدخل حيز الجدل السياسى، لا من قبل ثورة 25 يناير ولا بعدها. وإذا كانت التيارات المحافظة والدينية والإسلامية قد حسمت موقفها تاريخيا، فما هو موقف التيار الليبرالى أو العلمانى أو المدنى؟ تنص مبادئ الأحزاب الليبرالية على ضرورة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، فما هى الترجمة العملية لهذا الشعار؟ هل تعتزم هذه الأحزاب المطالبة بحقوق قانونية متساوية للنساء من منطلق مبدأ المواطنة؟ وإذا ثبت أن أرض النساء تقع خارج الحدود الشرعية للمواطنة، فهل من الممكن أن تقوم القوى «الأكثر انفتاحا» علمانية كانت أم دينية باستدعاء قيم الحرية والعدالة والمساواة، للمطالبة بتغيير من منطلق المبادئ المشتركة بين مرجعية المواطنة ومرجعية الدين؟ «إذا كان من المباح شرعا ولتحقيق العدالة الحقيقية ألا يقام حد قطع اليد على سارق فى مجتمع لم ينجح فى أن يحمى كل فرد من الجوع، فهل يمكن مناقشة معنى العدالة فى أن ترث المرأة نصف نصيب الرجل فى مجتمع يفرض فيه واقع الحياة على ملايين النساء أن يقمن بأشق أنواع العمل بأدنى الأجور ليعلن أطفالهن، بل ليعلن أنفسهن بدون مساعدة من أحد»
هذا التوتر بين حقوق الفرد والجماعة، بين القانون المدنى والشريعة الدينية، يفرض وجوده أيضا فى حالة المواطنين المسيحيين. ولعلنا نجد مثالا قويا فى القضية التى تفجرت فى أواخر عام 2008 بسبب التعارض ما بين شرعية الدولة وشرعية الكنيسة. فقد حكمت المحكمة الإدارية العليا لصالح رجل من الطائفة الأرثوذكسية مؤيدة حقه فى الزواج مرة أخرى، ولكن الكنيسة أصرت على الرفض من منطلق عدم اعترافها بطلاق لغير علة الزنا. وأثارت هذه القضية ضجة اجتماعية كبيرة، وارتفعت الأصوات تطالب الكنيسة باحترام الدولة وقضائها. وفى حين جاء موقف عدد كبير من الأقباط مساندا لموقف الكنيسة القائل بأنه لا شرع فوق شرع الله وكلام الإنجيل، تبلورت مواقف أخرى، منها رأى يدعو إلى إلزام الدولة بالسماح لمواطنيها بالزواج من خلال الشهر العقارى، وبذلك لا تضطر الكنيسة إلى مخالفة التعاليم الدينية ولا يضطر المواطن إلى التنازل عن حقه فى الزواج.
يتفق أغلب المواطنين مسلمين ومسيحيين على رفض فكرة الزواج المدنى، فهل يجوز أن تتمسك الدولة بإتاحته كإمكانية أمام من يشاء من الأقلية الاجتماعية التى تجد فيه الحل الوحيد لحماية حقوق الفرد وحرياته؟ إن الدولة المدنية تحمى حق الأفراد (الملتزمين) فى ممارسة الدين، وليس من مهمتها أن تحمى الدين من الأفراد (غير الملتزمين). من حقوق المواطنة أن يتمكن الفرد من طاعة الله وممارسة شعائر دينه والالتزام بما يراه من تعاليمه، ولكن ليس من مسئوليات المواطنة أن يحاول الفرد أو الجماعة فرض الالتزام الدينى بقوة القانون، وإن ظل لهم حق الدعوة والتبشير عن طريق المؤسسات الاجتماعية الدينية. مرة أخرى هذه إشكالية لا تأخذ حقها من النقاش العام، وإن كان موقف التيار الدينى معروف، فما هو موقف التيارات الأخرى، هل تجد فى المواطنة بمفهومها الليبرالى شرعيتها؟ إن العدالة قيمة مطلقة ولكن معايير العدل والظلم تتشكل فى سياقات، فهل «الثقافة المصرية السائدة» شىء لا يخضع للزمن والظروف التاريخية، أم ينبغى النظر إليها كمرجعية قابلة للتطوير من داخلها؟
إن هذه التساؤلات لا تعبر عن اعتقاد بأن التغيير القانونى كفيل وحده بتغيير الأفكار والممارسات وتحقيق المساواة على أرض الواقع، بقدر ما ترمى إلى إعادة صياغة قضايا قديمة بمفردات ما بعد ثورة 25 يناير، وبقدر ما ترى فى فتح باب النقاش ورفع سقفه شوط هام على طريق ممارسة الديمقراطية وتعلم المواطنة وبناء مجتمع جديد يتمتع بالحرية ويواجه مسئولياتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.