امتطى المطرب اللبناني عاصي الحلاني فرسه على مدارج بعلبك الرومانية في افتتاح مهرجاناتها الدولية متقمصا شخصية صلاح الدين الأيوبي في دفاعه عن القدس مدينة الأديان والسلام في مسرحية غنائية حية بعنوان "من أيام صلاح الدين". ما بين التاريخ والواقع الراهن تجرنا حكاية الدفاع عن القدس إلى مدارج بعلبك الرومانية، حيث القائد صلاح الدين الأيوبي يفتح القدس مرورا بالسنوات الخمس التالية حين واجه ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد ومحاولات المجموعات السرية في العالم الساعية للتحكم بالمنطقة العربية. تسرد المسرحية -التي كتبها وأخرجها الأخوان فريد وماهر صباغ- الحالة الدقيقة لأبناء القدس عام 1187 في مرحلة ما بعد الحصار والاحتلال وطريقة تعامل صلاح الدين مع الفقراء وتكريم النصارى العرب من أهل القدس ورفض هدم كنيسة القيامة قائلا: "من يهدم حجرا من كنيسة القيامة كأنما يهدم المسجد الأقصى". وللربط بين التاريخ والوقت الحاضر جلس في أسفل مسرح عليه كتاب أبيض مفتوح: عجوزان في مأوى أحدهما، والذي يقدم نفسه على أنه كاتب المسرحية، ليرويان قصة تاريخية من باب الواقع المؤلم. وهنا يطل الحلاني من على التلال الأثرية خلف الجمهور مع عديد من أفراد جيشه مناديا: "يا جيوش الغرب.. افتحي؛ أنا صلاح الدين حامل بيدي سيف العرب". وتبدأ عروض المفرقعات وأصوات المدافع واندلاع النيران، لكن النار التي كان من المفترض أن تكون جزءا من العرض أحرقت أعلى سور قلعة القدس عن طريق الخطأ نتيجة هبوب الرياح. ويتوافد الممثلون من خلف الجمهور ومن أمامه ومن على الأطراف قبل أن يصل الحلاني على فرسه الأسود مرتديا خوذة صلاح الدين ليغني على ظهر فرسه "يا مهد الأديان.. يا أرض الإيمان.. يا شمعة وحيدة بهالفضا البردان.. هايدا الحلم يللي كان مرافقنا بصغرنا.. علي الراية انتصرنا ليوم بهالزمان... يا قدس العتيقة يا وردة بصحرا يا قبة الصخرة ارجعي يا مدينة السلام". ويبرز صلاح الدين في المسرحية مدافعا عن الفقراء ومفسحا المجال أمام الأديان "أحب إليّ أن أخطئ في العفو من أن أصيب في العقاب"، كما يبرز إصرار صلاح الدين على الدفاع عن مدينة السلام قائلا: "لا تخافوا يا رجال؛ المقاوم ما بيخسر.. يا بيربح بالحياة، يا بيربح بالشهادة". وفي محاكاة للانقسام العربي يخاطب الحلاني الحكام في إحدى الأغنيات "كل الشهدا راحوا وانتو حاكمين. تاريخ بالذل انكتب بكرا راح ينقال ما عدنا تلاقينا ما عدنا توحدنا من أيام صلاح الدين". وحلت الأسلحة الرشاشة بدلا عن أسلحة زمان صلاح الدين، حيث غنى الحلاني، وهو يطلق النار في الهواء، أغنية "من بعد ما يتوحدوا سيوف العرب ما في نصر في الكون مثلك نصرنا". تميز الحلاني بخفة ورشاقة الحركة وهو يمتطي فرسه على مدارج القلعة الأثرية التي ينتمي إليها لأنه ابن مدينة بعلبك. ويقول الحلاني: "ولد حبي لهذه الشخصية المتفانية في حب الأرض العربية والمؤمنة بها والمرتبطة بها والمدافعة عن أهل فلسطين، وأعتقد أن أعمالا كهذه تتماهى مع واقعنا العربي بشكل كبير لأننا منذ ولدنا ونحن في حالة دفاع عن القدسوفلسطين وغزة وجنوب لبنان والجولان، وفي ظل ما نشهده من تغيرات عربية بتنا في حاجة إلى شخصية عربية تمتلك مميزات صلاح الدين الأيوبي". وقدمت الممثلة اللبنانية كارمن لبس شخصية راحيل، وهي رئيسة أخوات (الكف الأسود) الذين كانوا يسيطرون على السياسة في العالم. كما أبدع الفنان القدير انطوان كرباج في دور الكاتب، وأدى الممثل نبيل أبو مراد دور صديق الكاتب في المأوى، والمغنية كارين راميا أدت دور سلمى. وقالت رئيسة لجنة المهرجانات مي عريض إن هذه هي المرة الأولى منذ 55 عاما تشهد خلاله هذه المهرجانات مسرحية غنائية تقدم بشكل حي بالكامل وبدون تسجيل للأغنيات. وقدمت الموسيقى فرقة تتكون من 45 عازفا بقيادة المايسترو هاروت فازليان بصحبة كورس الجامعة الأنطونية، وعلى رأسه الأب توفيق معتوق. وستقدم المسرحية التي افتتحت ليل أمس الخميس في بعلبك عرضين آخرين اليوم وغدا. وقالت الموظفة آمنة مروة لرويترز "صناع المسرحية يبدو أنهم أرادوا تقديم إسقاطات تاريخية ذات مغزى سياسي آني على ما يجري في العالم العربي من صراعات على السلطة وانتفاضات شعوب، وقد نجحوا في المزج بين التاريخ والحاضر، وفي محاكاة الراهن". وقالت الطالبة نور عوض: "عاصي الحلاني كان خفيفا كنسمات بعلبك رغم كل المشكلات التي واكبت العرض؛ كونه عرضا مباشرا، وخصوصا مشكلات الصوت".