لا يزيد عمر الطفلة الفلسطينية جومانا أبو جزار عن عشرة أعوام، لكنها مرت خلال عمرها بالعديد من التجارب. في عام 2000 عندما كانت والدة جومانا حبلى بها اعتقل جنود إسرائيليون والدها. وبعد أربعة أشهر من مولد الطفلة مرضت الأم وتوفيت. وانتقلت جومانا إلى كنف عمها، لكنّ الجنود الإسرائيليين قتلوه بعد بضعة أعوام في مدينة رفح. وتعيش جومانا حاليا مع جدتها المسنة، ورغم الصعوبات التي عانت منها ما زالت تحلم بأن تصبح طبيبة أو محامية. وتقول جومانا إنها تريد أن تصير طبيبة لأن أمها توفيت نتيجة فشل كلوي، ولذا فهي تريد أن تساعد مرضى الكلى الآخرين. ثم تريد أن تصير محامية لتدافع عن الأسرى، ومنهم والدها. ولم تر جومانا والدها في حياتها سوى مرتين خاطفتين كانت آخرهما في عام 2006. وفي يونيو عام 2007 أعلنت السلطات الإسرائيلية وقف الزيارات العائلية للأسرى الفلسطينيين المحتجزين لديها من أهالي غزة. وجاء القرار بعد عام من نجاح جماعات فلسطينية مسلحة في أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تساعد المتضررين في الصراعات وأعمال العنف المسلح إن القرار الإسرائيلي يحرم الأسرى وأقاربهم من شريان أساسي للحياة ويعزل الأسرى عن العالم الخارجي. ويقول الصليب الأحمر إن أكثر من 700 أسرة في غزة منعت من زيارة أقاربها الأسرى في إسرائيل طوال الأعوام الأربعة الماضية. وتشارك جومانا كل أسبوع في مظاهرة بمقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة احتجاجا على القرار الإسرائيلي بمنع الزيارات العائلية. وخلال أحد تلك الاحتجاجات دعت جومانا العالم لمساعدتها على رؤية والدها. وقالت الطفلة ابنة السنوات العشر خلال أحد تلك الاحتجاجات "أبي حبيبي اثبت.. حتما نكسر القيد.. حتما نكسر القيد. أين أبي.. أين ابي.. أين العالم.. أين العالم يسمعني.. أريد أن ارى أبي.. أريد أن أعيش مثل الأطفال." وقالت جومانا في منزل جدتها متحدثة عن لقائها بالرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر "لما جاء جيمي كارتر على غزة أنا قابلته وقلت له إن أنا بابا انحبس وماما ماتت وجدو مات وكمان عمو أيمن اللي باقول له يا بابا استشهد. أنا البنت الوحيدة لبابا. ماليش إلا ربنا ثم بابا. سألته انت بتقدر عشر سنين ما تشوفش بنتك الوحيدة.. صار يحكي.. لا..لا.. صار يعيط". ويقول المسؤولون في الصليب الأحمر في غزة إن القرار الإسرائيلي يؤثر بصفة خاصة على الأطفال الذين تتراجع صلاتهم بآبائهم الأسرى أو تنفصم تماما. ناجية مصلح فلسطينية أخرى لا تستطيع زيارة زوجها الأسير في إسرائيل. تغيرت حياة ناجية تماما قبل ثماني سنوات عندما داهم جنود إسرائيليون منزلها ذات ليلة واعتقلوا زوجها. كان ذلك قبل اسبوعين من عيد زواجها الأول وكانت حينذاك حبلى. واستمرت المرأة تعيش مع عائلة زوجها بعد أسره إلى أن دمر المنزل خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة في آخر عام 2008 ومطلع عام 2009. وتعيش ناجية حاليا مع والدتها المسنة في مسكن صغير في خان يونس بجنوب القطاع. وفقدت ناجية الجنين الذي كانت تحمله بعد أسر زوجها. وسمح لناجية في الأعوام الأولى التالية لأسر زوجها بأن تلمس أصابعه من خلال شبكة من السلك كانت تفصلهما خلال الزيارات العائلية في السجن. ثم قررت سلطات السجون الإسرائيلية إبدال السلك بألواح سميكة من الزجاج. وقالت ناجية "يعني إحنا من 2003 فوجئنا بوجود ألواح زجاجية خلف الشبك اللي بنطل منه. هذا الحاجز عمل حاجز نفسي بيننا وبين الأسير. يعني إحنا في البداية كنا نتمتع.. على الأقل نمسك يده.. نمسك أصابعه.. نقدر نلمسها. هذا منعنا... حرمنا منها. اللي كانت تقدر انها تقبل ابنها من وراء الشبك. الإبن.. الطفل الصغير كان يقدر يقبل والده." ثم أوقفت السلطات الإسرائيلية زيارات ناجية متعللة بأسباب أمنية قبل أن تمنع جميع الزيارات العائلية لأقارب الأسرى من أهالي غزة في عام 2007. وقررت ناجية انتظار زوجها الذي حرمت حتى من زيارته لكن الزوج محكوم عليه بالسجن 99 عاما في إسرائيل. وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن قرار إسرائيل منع أقارب الأسرى من أهالي غزة من زيارة ذويهم مخالف للقانون الإنساني الدولي. وقال جان بدرو شيرر رئيس وفد الصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي المحتلة "موقفنا واضح. إسرائيل عليها التزام بالسماح للأسر بزيارة الذين تحتجزهم القادمين من غزة. القانون الإنساني الدولي شديد الوضوح. العائلات.. الآباء والأمهات والأطفال.. لهم الحق في الاتصال بأقاربهم الذين تحتجزهم قوات الأمن الإسرائيلية. ليس مقبولا أن يظل أِشخاص مسنون يحتمل أن توافيهم المنية بدون أن يروا أبناءهم المحتجزين مرة أخيرة. بخصوص جلعاد شاليط الوضع غير مقبول أيضا في ضوء القانون الإنساني الدولي. ظل محتجزا طوال السنوات الخمس الأخيرة بدون أن تتاح له فرصة الاتصال بأسرته. لم تزره اللجنة الدولية للصليب الأحمر قط ولم يتسنى لها الاطلاع على ظروف احتجازه". وذكر شيرر أيضا أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مطالبة بتقديم دليل على أن الجندي الإسرائيلي شاليط ما زال على قيد الحياة بعد خمس سنوات من أسره. وأضاف "نطالب حماس بصفة عاجلة بالسماح له بتبادل الأخبار مع أسرته". وتتولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر تسهيل زيارات أقارب الأسرى الفلسطينيين لذويهم في سجون إسرائيل منذ أكثر من 40 عاما. وحثت اللجنة إسرائيل على السماح لأقارب الأسرى من غزة بزيارتهم. وتقول اللجنة إن ثمة زهاء 8000 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية.