للمرة الثانية فى التاريخ، خبير يصدم المصريين بشأن فيضان النيل بسبب التخزين الخامس بسد النهضة    إسعاد يونس تتحدث لأول مرة عن ضرتها شريهان مع أنس بوخش.. ماذا قالت؟    د. محمود حسين: من يتصور أن رابعة انتهت واهمٌ لا يدرك حقائق الأمور ولا يعرف عزائم الشعوب    هجوم صاروخي يستهدف قاعدة أمريكية في دير الزور بسوريا دون إصابات    حزب الله يستهدف موقع "جل الدير" الإسرائيلي برشقة صاروخية وقاعدة "جبل نيريا" الإسرائيلية بصواريخ كاتيوشا    بعد ساعات من تشكيله.. «شبانة» يعتذر عن عضوية نادي مودرن سبورت    ما لحقش يفرح بافتتاحه، حريق يلتهم محل ألبان في ديرب نجم بالشرقية (فيديو)    أزمة نتيجة الثانوية العامة.. تفاصيل المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء ووزير التعليم اليوم    أول تعليق من هيفاء وهبي على منعها من التمثيل والغناء في مصر    بعد طرح أحدث أغانيها.. شقيق شيرين عبد الوهاب: «أيوه كده قومى بقى يا شيخة»    «قفلتها عليكم برامج واعتراضات».. الشحات يكشف كواليس ما دار بينه وبين أفشة خلال مباراة المقاولون    بالفيديو.. خالد الجندي يهاجم الراقصة لوسي بسبب "الرقص كتبه الله علي"    تنسيق المرحلة الثانية 2024 علمي وأدبي .. قائمة بالكليات والمعاهد المتاحة لطلاب الثانوية العامة    بعد التتويج بدوري الأبطال.. حسين الشحات: «إمام عاشور قال لنا أنا عاوز أفرح»    ماذا قدم مابولولو مع الاتحاد قبل الرحيل لأهلي طرابلس؟    سبب توقف عرض نيوم لشراء زيزو.. ورسالة حاسمة من رئيس الزمالك    موعد مباريات اليوم الأربعاء 14 أغسطس 2024.. إنفوجراف    الشحات: أمتلك عروضاً من السعودية والإمارات.. ولا أمانع الرحيل عن الأهلي    وليد عبد الرازق يدير مباراة الزمالك وطلائع الجيش.. وأحمد حمدي يقود لقاء إنبي والأهلي    بعد درجات الفيزياء.. التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن تنسيق الجامعات    موعد إعلان نتيجة تنسيق الكليات 2024 المرحلة الأولى وخطوات الحصول عليها (رابط مباشر)    السيطرة على حريق داخل فيلا فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    إصابة خمسة أشخاص في انقلاب سيارة بترعة بالدقهلية    وسائل إعلام إسرائيلية: انفجارات عنيفة في منطقة ميرون بالجليل جراء صواريخ أطلقت من لبنان    حذر من الحرب العالمية الثالثة.. أبرز 5 تصريحات خلال لقاء ترامب وماسك    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الاحتلال الإسرائيلي لا يهتم ببيانات الإدانة    «المهرجان القومي للمسرح المصري.. الواقع والمأمول» مائدة مستديرة بالأعلى للثقافة    أول تعليق من هيفاء وهبي بعد منعها من التمثيل والغناء في مصر (تفاصيل)    حظك اليوم| الأربعاء 14 أغسطس لمواليد برج السرطان    بايدن قلق بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بسبب الرد الإيراني على إسرائيل    بسبب كلب.. إحالة أفراد النوبتجية وموظفين بمستشفى صدر قنا للتحقيق    كامل الوزير: وضعت خطة صناعية شاملة ب7 محاور لتحويل مصر لمركز صناعي إقليمي    بعد تبكير المرتبات.. موعد صرف معاشات شهر سبتمبر 2024 وحقيقة زيادة ال15% الجديدة    مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة: دعم الاحتلال الإسرائيلي وراء استمرار المجازر في غزة    بعد الزيادة العالمية الكبيرة.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 14 أغسطس 2024 بالصاغة    تضاعف مبيعات مدينة مصر 4 مرات لتسجل 20.9 مليار جنيه في النصف الأول من العام    مسؤول بالاتحاد الإفريقي: تأجيل مباريات الدوري المصري أمرا مزعجا    خبير تغذية يصدم عشاق «محشي الباذنجان»: «بيتعمل غلط وبنضيع فايدته» (فيديو)    لمشروب منعش في الأيام الحارة.. أسهل طريقة لعمل موس القهوة    هنهدمها لو منفذوش، كامل الوزير يحدد مهلة لتقنين أوضاع المصانع المخالفة    وزير السياحة يبحث مع الرئيس التنفيذي لمجموعة طيران ناس سبل تعزيز التعاون المشترك    محافظ المنيا يناقش مع مسئولي التنظيم بالوحدات القروية إجراءات رصد مخالفات البناء ويوجه بعقد ندوات تثقيفية    عصام صاصا يتقدم باستئناف على حكم حبسه 6 أشهر    ديانا حداد: العلمين بها طاقة إيجابية ولم أتوقع هذا التفاعل من جمهور المهرجان    مصرع 3 أشخاص وإصابة 5 أخرين بحادث سيارة ميكروباص في طريق الخانكة-السلام    "مرض السرطان رجع للمرة التانية".. تطورات الحالة الصحية للفنانة جميلة عزيز    علماء أوقاف وأزهر الفيوم يوصلون رسالتهم عبر برنامج «المنبر الثابت» حول «آداب التعامل مع ذوي الأرحام»    عميد كلية الدعوة يكشف حكم الزكاة على شهادات الاستثمار    المحامي محمد رشوان: موقف أحمد فتوح صعب ويوجد اتهامان لنجم الزمالك    استقرار سعر الفراخ البيضاء وكرتونة البيض (الأبيض والأحمر) بالأسواق الأربعاء 14 أغسطس 2024    ختام الأسبوع الثقافي لأوقاف الفيوم حول "دور المرأة في الحفاظ على الأسرة"    صور ل أبو الليف من مسرحية "سامبو جنن رامبو" وعرضها فى الإسكندرية    "الأعلى للجامعات" يوافق على بدء الدراسة ببرنامج القاهرة بجامعة حلوان الأهلية    25 نوفمبر.. نظر أولى جلسات استئناف متهم على حبسه ب«حريق استديو الأهرام»    بعد ارتباطه بالأهلي.. بن رمضان يودع دوري أبطال أوروبا    استشاري تغذية يكشف مفاجأة صادمة: «اللبان بيجيب السكر» (فيديو)    رائحة كيميائية غريبة تظهر في المدينة.. مرض مجهول يتفشى في نيكولاييف بجنوب أوكرانيا    خالد الجندى: سيدنا النبى محمد كان يمارس الرياضة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشققت فى الكيان الأوروبى
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 06 - 2011

كنا، قبل عقد أو عقدين، شهودا على أوروبا الموحدة وهى تتوسع، وأخشى أن نكون الآن شهودا عليها وهى تنكمش. تابعناها تنشأ ولم يتجاوز عدد مؤسسيها ست دول وتابعناها وهى تتعمق رأسيا تقيم مؤسسات قوية ويدعم بعضها البعض الآخر ثم رأيناها تتوسع أفقيا مساحة وسكانا ودولا حتى بلغ عدد أعضائها سبعة وعشرين. الآن نتأملها وهى تنكمش قيما ورسالة واقتصادا ونفوذا دوليا. نتأمل خوفها على هويتها وترددها فى استكمال مسارها الاندماجى وانقلابها على أحلام اندماجها ووحدتها.
مرت عشرون سنة على سقوط حائط برلين. وقتها كان الظن لدينا والحلم لديهم أن عشرين عاما ستكون فترة كافية ليكتمل البناء الأوروبى الموحد. وخلال هذه الفترة وقعت اصلاحات مؤسسية وتم توقيع اتفاقية لشبونة التى صيغت وأقرت لتكون الجسر الذى تعبر منه أوروبا إلى القرن الحادى والعشرين. ورغم ذلك توقف البناء الأوروبى بل انتكست مسارات وظهرت علامات تعب وإنهاك. كنا شهودا بل لعلنا كنا أقرب الشهود فبحكم طبيعة الجوار الجغرافى والتقارب الحضارى ونسائم الربيع العربى، كنا نراقب المدى الذى يمكن أن تصل إليه الوحدة الأوروبية فى التأثير على مسيرة ربيعنا فى عالم تجتاح معظم أركانه عواصف الأزمة المالية العالمية وتعقيدات الخروج الأمريكى من مستنقعات الاحتلال فى أفغانستان وباكستان والعراق.
●●●
نعرف أن أوروبا، الموحدة، أو غالبا أوروبا الدول، كانت تؤيد وتدعم حكومات عربية مستبدة، كانت تلمع صورهم وتشدو بحكاياتهم وحسناتهم وتعتم على فسادهم، وبعضها مشارك فيه. وعندما هلت بشائر ربيع العرب وازدانت مدن عربية عديدة بألوان الثورات الخلابة وارتفعت فى صخب وحماسة توقعات الشعوب العربية كافة جاء رد أوروبا الموحدة خفيفا وبطيئا وخجولا وكسولا وأكاد أقول كسيحا. هذا الرد كان فى رأيى القشة التى قصمت ظهر السمعة الدولية لأوروبا.
لا أكون أبالغ إن قلت إن الثورات العربية لو كانت قد انتهت بالفشل مبكرا لما كنا اليوم نقف شهودا على إعلان الفشل الأوروبى فى وضع سياسة خارجية موحدة. أضيف أنه لو واصلت الثورات العربية مسيرتها على الطريق الشاقة التى اختارتها لتصل بشعوبها إلى الديمقراطية، صاعدة حينا وهابطة حينا آخر، منتصرة تارة ومنكسرة قليلا تارة أخرى، متأكدة وواثقة مرة ومترددة ومتشككة مرات، ففى الغالب ستزداد أوروبا انقساما حول صيغة للتعامل مع هذه الثورات. لن تكون أوروبا الموحدة مؤثرة إن أرادت التأثير. إن الفشل الأوروبى الراهن فى الاستفادة من ربيع العرب، سيؤكد لكل الشعوب أن أوروبا قوة دولية فاقدة النفوذ ولا يجب أن يحسب لها حساب. أوروبا التى لم تفلح فى أن يكون لها دور فى الشرق الأوسط، حين واتتها الفرصة الذهبية، سبق لها أن أضاعت فرصة ذهبية أخرى حين كان متاحا لها ضم تركيا للاتحاد الأوروبى.
هناك شعور بالاحباط لا شك فى وجوده فى أوساط النخب الأوروبية وكذلك بين الشعوب. كان المتوقع مثلا أن تعود الاصلاحات المؤسسية التى أدخلت خلال العقد الأخير بالفائدة على السياسات الخارجية الأوروبية. وهو ما لم يحدث. إن اختيار هرمان فان رومبييى رئيسا للمجلس الأوروبى وكاثرين آشتون ممثلا أعلى للسياسة الخارجية وإنشاء إدارة متخصصة للعمل الخارجى الأوروبى لم يغير شيئا فى حالة الشلل والتخبط السياسى. إلا أننا ربما نكون من الظالمين إذا ركزنا على مسئولية أفراد ومؤسسات عن الشلل والفشل وأهملنا تطورات أشمل وأعمق حدثت فى أوروبا فى السنوات الأخيرة، أهمها على الإطلاق الميل المتزايد فى أوروبا نحو العودة إلى التقوقع القطرى والتعصب القومى.
●●●
لا يمكن إنكار أن التعصب القومى آفة أوروبية أصيلة، بل لعلها الآفة التى تخصصت أوروبا دون غيرها من قارات العالم فى صنعها وممارستها وتصديرها إلى العالم الخارجى على امتداد قرون. ولا يمكن إنكار أننا حبسنا أنفاسنا فى انتظار أن تقضى أوروبا الموحدة على هذه الآفة وتستأصلها. ولكننا فوجئنا بالعكس يحدث. بعضنا لا شك يذكر أن إيطاليين قاموا بإشعال النيران فى معسكرات يسكنها الغجر قبل 3 سنوات، ونذكر الحملة التى شنتها حكومة فرنسا لترحيل الغجر المهاجرين إليها من دول فى أوروبا الموحدة. ومنذ ذلك الحين وبالرغم من الضجة العالمية التى أثارتها حملة الكراهية ضد الغجر ورغم موقف المفوضية الأوروبية استمرت مشاعر التطرف القومى تتصاعد وتكسب أراضى جديدة لم يسبق أن عرف عن أهلها التطرف والتعصب مثل فنلندة والسويد وبريطانيا والمجر، واشتد عود التعصب فى دول كان حاضرا فيها مثل إيطاليا وفرنسا وهولندا والدنمارك.
فى أماكن أخرى عديدة اشتد ساعد اليمين المتطرف فاستولى على منابر سياسية كثيرة وقامت حكومات عديدة بتشديد الاجراءات على حدودها ووضعت قيودا جديدة على الهجرة والمهاجرين وأرجأت تنفيذ برامج ضم العائلات، وأضافت تعقيدات إلى اجراءات الاستفادة من الخدمات الصحية والاجتماعية، حتى وصل الأمر بزعماء سياسيين فى النمسا وألمانيا وهولندا بالتجاسر على اتهام المسلمين صراحة بأنهم أقل ذكاء.
●●●
يوجد بين المعلقين والمحللين الأوروبيين من يبالغ فى توصيف الانتكاسة الأوروبية وحصر أبعادها. يوجد من يعتبر الموقف الألمانى من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التى تعتصر شعوب البرتغال وأيرلندا وإسبانيا واليونان بأنها تعيد إلى الأذهان سلوكيات التعالى البروتستانتى على الكاثوليك والأرثوذكس. المبالغة هنا واضحة ومثيرة ولكنها تعكس طبيعة رد الفعل لدى شعوب جنوب أوروبا للموقف «الأبوى» الذى اتخذته حكومة أنجيلا ميركل من الأزمة الناشبة فى منطقة اليورو. تعكس أيضا مشاعر لا يخفيها الرأى العام الألمانى تجاه الدول الأوروبية التى لم تحقق استقرارا اقتصاديا مناسبا أو التى أساءت فى نظره توزيع أوجه الانفاق فى موازناتها ولم تتحكم فى حجم الديون التى استدانتها لتسوية العجز. هذه الدول تطالبها ألمانيا بالتوقف عن ممارسة سياسات مالية غير مسئولة وبالتقشف فى الإنفاق، وهو الطلب الذى تعتبره شعوب هذه الدول أسلوب إفقار، وتطبيقه يعنى مزيدا من تفكيك المجتمعات والعائلات الأوروبية لما سيجره من هجرات جماعية للشباب للعمل فى الخارج.
●●●
يقع الشبان فى قلب هذه الأزمة الأوروبية، ليس فقط لأنهم فى العديد من الدول الأوروبية صاروا الفئة العمرية التى تتحمل عبء تمويل جانب كبير من تكلفة الرعاية الاجتماعية لفئة كبار السن وهؤلاء يزدادون عددا، ولكن أيضا لأن أكثر من نصفهم صار فى بعض الدول عاطلا عن العمل. كان الشبان يشكلون النسبة الأكبر بين المتظاهرين الذى خرجوا فى 11 مدينة من مدن البرتغال، وكانوا أغلبية بين المعتصمين فى طريق الحرية Avenida da Liberdade فى لشبونة على امتداد أسابيع بدأت فى مارس الماضى.
كانوا أيضا أكثرية بين المتظاهرين فى مدن عديدة من اسبانيا وبخاصة بين المعتصمين لأيام عديدة فى ميدان بوابة الشمس فى العاصمة مدريد. هؤلاء رفعوا الشعار الثورى الرائع الذى رددته حناجر مئات الالوف فى مدن أوروبية وعربية عديدة «إذا لم تتركونا نحلم لن نترككم تنامون».
●●●
شقوق هنا فى الكيان العربى وشقوق هناك فى الكيان الأوروبى. تقع مسئولية هذه الشقوق وما يستجد عليها على عاتق الطبقة السياسية التى صنعت الأزمة هناك والطبقة السياسية التى تسببت فى صنع أزمة هنا واستوردت من أوروبا مقومات أزمة بل أزمات أخرى كثيرة.
هنا وهناك يقف بالمرصاد جيل جديد من رجال ونساء وشباب وكهول يحلمون ويتبادلون أحلامهم. والخطر كل الخطر فى أن يجرب أحد أو جهة أو تيار أن يحرم هذا الجيل المتربص والمسيس من الاستمتاع بهذه النعمة وممارستها، نعمة الحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.