فى مشهد يبدو غريبا على مجلس الدولة، انتقلت الأزمات التى كانت تدور فى كواليسه داخل الغرف المغلقة إلى ساحات المحاكم، حيث تحولت 3 مشكلات شغلت قضاة المجلس طوال الشهرين الماضيين إلى دعاوى قضائية فصلت المحكمة الإدارية العليا فى اثنتين منها، أمس الأول، بحكمين نهائيين. حيث قضت المحكمة برئاسة المستشار يحيى دكرورى بإلغاء قرار المستشار محمد عبدالغنى، رئيس المجلس، بنقل المستشار محمد رمضان الطرامسى من موقعه رئيسا لإدارة فتوى محافظة الإسكندرية إلى محكمة القضاء الإدارى خلال السنة القضائية، بعدما ثبت للمحكمة مخالفة هذا القرار لقواعد النقل والتحقيق والتأديب المنصوص عليها بقانون مجلس الدولة. وكان الطرامسى قد اعتصم أمام مكتب رئيس المجلس فى أبريل الماضى، وتضامن معه عشرات من القضاة احتجاجا على نقله تعسفيا دون أسباب قانونية، وطالبت الجمعية العمومية لنادى قضاة مجلس الدولة بإعادته لاسيما أنه سيبلغ سن التقاعد نهاية يونيو الجارى. وتبين أن عبدالغنى أحال الطرامسى للتفتيش للتحقيق فى مخالفات نسبتها إليه الأمانة العامة، فبرأه التفتيش منها، وصدر قرار بإعادته لعمله رئيسا لإدارة فتوى الإسكندرية، ثم صدر قرار آخر بإلغاء القرار السابق ونقله من جديد بدون مبررات قانونية. كما قضت المحكمة بوقف تنفيذ قرار المستشار محمد عبدالغنى بإحالة 7 قضاة من أعضاء المجلس إلى التأديب بسبب آراء نشروها على صفحة خاصة مغلقة بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك». بدأت القصة بإحالة القضاة السبعة بالإضافة لستة آخرين إلى التفتيش القضائى ثم إلى مجلسى التأديب والصلاحية تمهيدا لمعاقبتهم، بسبب اتهامهم بالهجوم على بعض أعضاء الأمانة العامة الحالية للمجلس وانتقاد سياسات إدارة المجلس خلال أزمة تمرير اللائحة الداخلية الجديدة، وذلك على صفحة مجموعة خاصة مغلقة غير مرئية للعامة على «فيس بوك» بعنوان «فلنبدأ بأنفسنا يا قضاة مجلس الدولة». أثارت هذه الصفحة غضب بعض مسئولى المجلس الذين تقدموا لرئيسه بشكوى رسمية مرفق بها تقارير وصور ضوئية من محادثات نقاشية دارت بين القضاة فى «مجموعة إلكترونية مغلقة» تضم أعضاء المجلس فقط، وغير مسموح للآخرين بمشاهدتها. ونسبت التقارير للمستشارين التعدى بالقول على عدد من أعضاء الأمانة العامة والمطالبة بنقلهم إلى وظائف أخرى وكيل الاتهامات إليهم، وهو ما نفاه المستشارون المحالون للتفتيش وأكدوا أن النقاش كان يصب فى المصلحة العامة ولا يهدف لتشويه سمعة زملائهم حيث اقتصر على سرد الحقائق وبيان السير الذاتية لبعض أعضاء الأمانة العامة، وأن النقاش كان سريا لأن «المجموعة مغلقة» ولا يجوز طباعة المحادثات أو إفشائها قانونا من قبل أحد المندسين على المجموعة. ورفضت الجمعية العمومية لنادى قضاة المجلس إحالة المستشارين إلى التفتيش، وطالبت بالتحاور معهم بدلا من إرهابهم، خاصة أن الوقائع المنسوبة لهم لا تتنافى مع الأعراف القضائية ولم تعلن على العامة، بل دارت فى حلقات نقاشية قضائية خالصة. إلا أن إدارة المجلس مضت قدما فى محاكمة القضاة تأديبيا، وشكل رئيس المجلس مجلسا للتأديب والصلاحية برئاسة سابع أقدم نوابه وهو المستشار السيد الطحان، واستبعد جميع أعضاء المجلس الخاص، أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة، الأمر الذى تضرر منه سبعة من القضاة المحالين للتأديب فأقاموا دعوى مستعجلة أمام المحكمة الإدارية العليا فصلت فيها أمس الأول. وقالت المحكمة برئاسة المستشار يحيى دكرورى إن قرار إحالة القضاة السبعة (بواقع 6 إلى مجلس التأديب وواحد إلى مجلس الصلاحية) هو قرار مخالف للإجراءات التى نصت عليها المادة 113 من قانون مجلس الدولة بشأن مسألة القضاة تأديبيا. وأضافت المحكمة أن تشكيل مجلسى التأديب والصلاحية الذى يحاكم القضاة السبعة هو تشكيل باطل بسبب استبعاده جميع أعضاء المجلس الخاص رغم صلاحيتهم جميعا لنظر الدعوى التأديبية فيما عدا رئيس المجلس ورئيس التفتيش القضائى، استنادا إلى مذكرة أرسلها المستشار على فكرى، رئيس هيئة المفوضين، أكد فيها استبعاده وعدم تنحيه من عضوية مجلسى التأديب والصلاحية، مما يصبح معه تشكيل المجلسين برئاسة باطلا وغير صالح لمباشرة الدعوى التأديبية. صدر الحكم بعضوية المستشارين السيد الزغبى وفوزى عبدالراضى وعليوة فتح الباب وأحمد خليل نواب رئيس مجلس الدولة، بحضور المستشار سامح حرب، مفوض الدولة. أما الأزمة الثالثة فتتعلق باللائحة الداخلية الجديدة للمجلس، والتى ما لبثت أن وضعت أوزارها بإصدارها رسميا بعد شد وجذب بين القضاة ورئيس المجلس، إلا وتفجرت مرة أخرى بإقامة 3 من أعضاء إدارة التفتيش الفنى دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى لإلغائها، حيث ستنظرها المحكمة برئاسة المستشار كمال اللمعى غدا الثلاثاء. وطعن المستشارون الثلاثة سلامة عبدالفتاح وهشام عزب وإسلام صفوت على إصدار اللائحة بالوقائع المصرية عدد 2 مايو الماضى، مؤكدين أن اللائحة يشوبها البطلان وبها نصوص مخالفة لقانون مجلس الدولة ومشوبة بعدم الدستورية، منها النص الذى يحظر بقاء القاضى فى موقعه لأكثر من 3 سنوات متتالية، مع اعتبار الأمانة العامة والمكتب الفنى لرئيس المجلس موقع عمل واحد. وتلوح فى الأفق أزمة رابعة قد يسمع صداها فى المحاكم أيضا، تتمثل فى تأخر اعتماد حركة التعيينات الجديدة فى المجلس من دفعتى 2008 و2009، حيث أبلغ المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم بصلاحيات رئيس الجمهورية، أبلغ وزير العدل برفضه التصديق على هذه الحركة بسبب شكاوى من تخطيها بعض الخريجين دون وجه حق. وأعاد المجلس الخاص دراسة الحركة وأرسلها الأسبوع الماضى، مرة أخرى، إلى وزارة العدل تمهيدا للتصديق عليها، لكن المجلس العسكرى لم يرد حتى الآن، مما يهدد بوقف إجراءات تعيين خريجى الدفعتين لحين إعادة اختبارهم شفهيا مرة أخرى وتقييمهم بأسلوب جديد غير ما كان متبعا سلفا.