نشر هذا المقال بتاريخ : 4 مايو 2009 انتهت المفاوضات بين الحكومة المركزية (الفدرالية) فى بغداد وبين حكومة اقليم كردستان Kurdistan Regional Government (KRG) فى اربل الى اقرار صيغة توافقية لقانون النفط العراقى بعد ان تم الاتفاق على اسلوب تقسيم العائدات النفطية. ومن ثم قامت الحكومة المركزية فى 2007 بتقديم مشروع القانون لمجلس النواب للتصديق عليه بعد ان أضافت له عدة ملاحق تحدد تبعية الحقول المكتشفة والحقول المرشحة للتنقيب وهى: الملحق (1): ويضم 27 حقلا منتجا حاليا وتتبع شركة النفط الوطنية العراقية INOC. الملحق (2): وبضم 25 حقلا تم اكتشافها قرب التسهيلات الإنتاجية ولم تطور وتتبع شركة INOC. الملحق (3): وبضم 26 حقلا تم اكتشافها بعيدا عن التسهيلات الإنتاجية ولم تطور ولا تتبع .INOC الملحق (4): ويضم المناطق الاستكشافية القابلة للتنقيب ويبلغ عددها 65 قطاعا ولكن لم يتم بعد اكتشاف ما تحتويه من النفط والغاز. وهنا تفجر الخلاف مرة ثانية بين الحكومتين اذ ترى كردستان ان الملاحق تضع اكثر من 90% من الثروة النفطية تحت سيطرة الحكومة المركزية بينما ترغب حكومة كردستان فى السيطرة على الحقول التى تقع فى الاقليم وتنفرد بالتعاقد عليها مع الشركات العالمية دون الرجوع الى السلطات المركزية فى بغداد. وسوف نعالج هذا الخلاف فى مقال قادم، ولذلك نكتفى هنا بمناقشة مشروع قانون النفط: وأول ما يسترعى النظر فى المشروع وجود عيوب شكلية فى صياغته ومن أمثلتها: (1) ان لغة القانون تسهب فى الوصف باستخدام ألفاظ غير محددة بدقة، فنيا وقانونيا، مما يفسح المجال لالتقاط ما يحمل منها معان مختلفة ويطلق الخلاف حول تفسيرها، وذلك على خلاف اللغة الفنية المستخدمة فى قوانين النفط فى مختلف الدول والتى تتسم بالدقة واستخدام تعريفات فنية محددة المعنى ومتفق على استخدامها مما لا يسمح بالاختلاف حول تفسيرها. (2) ان الموضوع الواحد جرى معالجته بالتجزئة فى أكثر من مادة واستخدمت فى كل موضع لغة قد تفتح المجال للاختلاف حول تفسيرها. ومن أمثلة ذلك تناول وزارة النفط تحت المادة (5 ث) ثم تفصيلا تحت المادة (7). كذلك توزعت معالجة شركة نفط العراق الوطنية INOC بين المادة (5 ج) والمادة (6). أما من الناحية الموضوعية فيلاحظ على مشروع القانون ما يلى : (1) ان أهم النقاط السلبية عدم النص على سلطة مجلس النواب فى التصديق على الاتفاقيات التى تبرم مع الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط وتطويره وانتاجه، وذلك خلافا للقاعدة العامة المستخدمة تقريبا فى جميع الدول النفطية وهى ضرورة صدور كل اتفاقية بقانون - سواء كانت اتفاقية اتحادية أم اتفاقية اقليمية – وذلك لضمان موافقة ممثلى الشعب على الاستثمار الأمثل لثروة الشعب الأساسية والتى تمثل عائداتها نحو 90% من موارد الدولة. ولا يكفى فى ذلك ان يعهد بهذه المسئولية الى "المجلس الاتحادى للنفط والغاز" كما تقضى بذلك المادة (5 ت)، اذ لا يعدو هذا المجلس ان يكون جزءا من السلطة التنفيذية، والتى تخضع لرقابة الهيئة التشريعية وفقا للمبادئ الدستورية الثابتة. (2) أما النص فى المادة (5 أولا) على مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات النفطية الدولية التى تعقد مع الدول فانه لا يشمل العقود التى تبرم مع الشركات للتنقيب عن النفط والتى ينبغى صدورها بقانون. (3) تقضى المادة الثانية من مشروع القانون على ان يستثنى من الخضوع له تكرير البترول وتصنيع الغاز واستخداماتهما الصناعية وكذلك خزن ونقل وتوزيع المنتجات النفطية. ونحن لا نرى مبررا لاستثناء هذه الأنشطة من الخضوع للقانون. واذا كان لابد من معالجتها بطرق تتفق مع طبيعتها فلا مانع من استصدار قانون خاص بها يلحق بالمنظومة القانونية المتكاملة التى يخضع لها قطاع النفط. (4) يلاحظ ان مسئوليات ووظائف وزارة النفط قد تم تحجيمها فى نطاق أقل مما يمنح عادة فى دول نفطية مماثلة، كما سلخ من إشراف الوزارة شركة نفط العراق الوطنية التى صارت تتبع المجلس الاتحادى للنفط والغاز. وهذه نقطة ايجابية ورؤية سليمة بعدم إخضاع الشركات التنفيذية للوزارة وقصر مسئوليات الوزارة على تمثيل سلطة الدولة ومن ثم تضيق الفرص المتاحة لنمو الفساد. (5) كذاك يدخل فى نطاق الايجابيات فصل نشاط شركة نفط العراق الوطنية واقتصاره على عمليات التنقيب والإنتاج دون تسويق هذا الإنتاج. فكما تقضى المادة (5 ج أولا) تلتزم تلك الشركة ببيع حصتها من النفط الخام الى شركة تسويق النفط SOMO بسعر التسليم الذى يغطى التكلفة بالإضافة الى ربح معقول يمكن الشركة من تطوير خبراتها فى مجال التنقيب والإنتاج. ذاك لأن توزيع العمل بين شركتين تتخصص كل منهما فى مجالها من شأنه رفع الكفاءة الإنتاجية ووضع الخبرات البشرية المتخصصة حيثما ينبغى ان تكون تحت إدارة مستقلة، بينما يؤدى دمج النشاطين تحت ادارة واحدة الى انخفاض الكفاءة وتهيئة الفرص لانتشار الفساد كما يحدث فى الدول التى اختارت دمج النشاطين. (6) يجب ان تتضمن المادة (6 ثالثا) نصا يتيح إعطاء الأولوية للشركة الوطنية فى الحصول على ترخيص للتنقيب والإنتاج فى مناطق جديدة خارج المناطق الخاضعة لعملياتها متى تعادلت شروطها مع شروط الشركات الأجنبية المنافسة. (7) ولا مانع من اقرار مبدأ تثبيت الحقوق والواجبات عند مستواها وقت ابرام العقود وهو ما تطلبه الشركات بالحاح خشية ان يصدر العراق بعد توقيع العقد تشريعات تضر بحقوقها. ومن أمثلة ذلك ما تتضمنه عقود اقتسام الانتاج المصرية التى يصدر كل منها بقانون وتنص على انه "اذا حدث بعد تاريخ سريان الاتفاقية تغيير فى التشريعات او اللوائح القائمة والمطبقة فى الدولة مما يكون له تأثير هام على المصالح الاقتصادية فى غير صالح الشريك الأجنبى، حينئذ يتفاوض الطرفان لتعديل الاتفاقية بما يعيد التوازن الاقتصادى الذى كان موجودا فى تاريخ بدء السريان. ولا يجوز بأى حال من الأحوال ان تؤدى هذه التعديلات الى انتقاص او زيادة فى حقوق والتزامات الشريك الأجنبى عما تم الاتفاق عليه عند تاريخ بدء السريان". (8) غير ان هذا النص لا يخل بحق الدولة فى افتسام ما يطرأ من ارباح جزافية نتيجة لتغيرات غير متوقعة فى أسواق النفط والغاز، وهو ما فعلته دول كثيرة ومنها الجزائر لاقتناص جانب من الارباح الاستثنائية التى جنتها الشركات العاملة فى اراضيها نتيجة للارتفاع غير المتوقع فى أسعار النفط خلال الفترة 2004-2008. وهذا ما نادينا بتطبيقه وتبنته توصية للجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب (تقرير لجنة الرد على بيان الحكومة – يناير 2008) وان كان قطاع البترول المصرى لم يقم بتنفيذه للآن.