تعددت القضايا البيئية التي سعى القانون الدولي إلى تقنينها ووضع القواعد الكفيلة بالتعامل معها، وفي هذا الإطار، برزت قضية "نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود"، والتي بدأ الاهتمام الدولي بها، في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي؛ حيث أسفرت الثورة الصناعية والتكنولوجية، عن نتائج مبهرة أفادت البشرية جمعاء، إلا أنها خلفت وراءها أخطر المشاكل البيئية التي تواجه الإنسانية في الوقت الراهن، ألا وهي مشكلة "النفايات الخطرة". وقد تضاعف الإنتاج السنوي العالمي من النفايات الخطرة مائة مرة خلال النصف الأخير من القرن الماضي، حيث ارتفع الإنتاج من خمسة ملايين طن عام 1945، إلى نحو 450 مليون طنا في أوائل القرن الحالي، وتقدر تكلفة التخلص منه بطريقة سليمة بيئيا بنحو 900 مليار دولار سنوياً. تصدير الصناعات القذرة وأشار تقرير أعده برنامج الأممالمتحدة لحماية البيئة إلى أن كافة الدلائل تشير إلى أن إنتاج الدول العربية السنوي من النفايات الخطرة قد تضاعف أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، لعدة أسباب من أهمها: قيام العديد من الدول الصناعية بنقل صناعاتها واستثماراتها المولدة لهذه النفايات إلى أقاليم الدول العربية، وهو ما يعرف بظاهرة "تصدير الصناعات القذرة"، التي ترجع أسبابها إلى فرض حظر دولي على تصدير النفايات الخطرة من الدول الصناعية المتقدمة إلى الدول النامية، وانعدام أو ضعف التشريعات البيئية في الدول العربية، وحاجة الدول الأخيرة إلى الاستثمارات الأجنبية لتحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي للتغلب على مشاكلها ذات الصلة، كالبطالة، والإرهاب، ورفع الحد الأدنى اللازم للمعيشة. وأوضح تقرير برنامج الأممالمتحدة لحماية البيئة أن ما يضاعف من خطورة هذه المشكلة، أن غالبية الدول العربية لا تملك الإمكانيات الاقتصادية والتقنية والخبرات اللازمة للتعامل مع تلك النفايات بطريقة سليمة بيئيا. التخلص من النفايات في البحر وأشار التقرير إلى أن البحار والمحيطات كانت منذ القدم، المستودع العام لجميع النفايات التي خلفتها الحضارة الإنسانية، إلى أن ظهر الفساد في البحر، حينئذ، فرض المجتمع الدولي حظراً دولياً على التخلص من النفايات والمواد الضارة الأخرى في البيئة البحرية. دفن النفايات الخطرة في أقاليم الدول النامية ولما أقفلت البحار أبوابها في وجه النفايات الخطرة، بدأ دفن النفايات الخطرة في البر لاسيما في أقاليم الدول النامية باعتباره الوسيلة الأرخص، حيث تتراوح تكلفة التخلص من الطن الواحد من النفايات الخطرة بطريقة سليمة بيئيا في الدول المتقدمة ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار أمريكي، في حين أن تكلفة دفنها في أقاليم الدول النامية لا تتعدى العشرة دولارات، والفرق في التكلفة تدفعها الدول النامية من صحة شعوبها وسلامة بيئتها. وأوضح تقرير برنامج الأممالمتحدة لحماية البيئة، انه عندما ظهر الفساد في البر، لقيام الدول الصناعية -على مدار عدة عقود- بالتخلص من نفاياتها المشعة والخطرة في أقاليم الدول النامية بطريقة غير سليمة بيئيا، أصدرت العديد من المنظمات الدولية العالمية والإقليمية العديد من القرارات، التي تحظر وتجرم بمقتضاها عمليات تصدير النفايات الخطرة للدول النامية لغرض التخلص النهائي منها. وأشار إلى أنه تم إبرام اتفاقية بازل لعام 1989، بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، كأول اتفاقية جماعية وعالمية في هذا الشأن، والتي أجازت المادة 11 منها، للدول الأطراف الدخول في اتفاقيات، أو ترتيبات ثنائية، أو متعددة الأطراف، أو إقليمية بشأن نقل النفايات الخطرة والنفايات الأخرى عبر الحدود، شريطة أن تنص تلك الاتفاقيات على أحكام لا تقل من حيث سلامتها البيئية عن الأحكام التي نصت عليها اتفاقية بازل، وإخطار أمانة اتفاقية بازل بتلك الاتفاقيات. تجدر الإشارة أنه في إطار المادة 11 من اتفاقية بازل، تم إبرام العديد من الاتفاقيات والترتيبات المتعددة الأطراف والإقليمية، التي تحظر نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، ومن بينها اتفاقية "لومي" الرابعة لعام 1989، واتفاقية باماكو لعام 1991، كذلك الاتفاق الإقليمي لأمريكا الوسطى لعام 1992. وتناول التقرير الاهتمام الدولي بحماية الصحة البشرية والبيئة الإنسانية، من الآثار الناجمة عن توليد ونقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، نظرا لزيادة معدلاتها. وأكد أنه في السبعينيات من القرن الماضي، تم فرض حظر دولي على عمليات التخلص من النفايات الخطرة والمشعة في البيئة البحرية، وفى أوائل التسعينيات، تم فرض حظر دولي على تصدير النفايات الخطرة والمشعة سواء لغرض التخلص النهائي منها، أو لإعادة تدويرها، من الدول المتقدمة إلى النامية، فضلا عن تعديل اتفاقية بازل لعام 1995، واستخدام أكثر من 120 دولة لحقها السيادي في حظر استيراد النفايات الخطرة.