بعد أكثر من 20 عاما من التهميش المتعمد لحساب آليات السوق الحرة التى سخرها عشرات من كبار رجال الأعمال لخدمة مصالحهم الخاصة بدأت حكومة الثورة أولى خطوات إحياء قطاع التعاونيات والذى يضم فى عضويته 12 مليون مصرى، أعضاء فى نحو 18 ألف جمعية تعاونية، تعمل فى خمسة مجالات، ويبلغ حجم أعمالها السنوية 70 مليار جنيه وفقا لتقديرات الاتحاد العام للتعاونيات. التحرك الحكومى نحو استغلال امكانيات هذا القطاع الضخم الذى يمكن ان يصبح الصيغة الاقتصادية المثلى لمرحلة ما بعد الثورة جاء من خلال اجتماع عقده الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء مع الدكتور أحمد عبدالظاهر رئيس الاتحاد العام للتعاونيات ورئيس الاتحاد التعاونى الاستهلاكى وشارك فى الاجتماع الدكتور حسن البرعى وزير القوى العاملة ورؤساء اتحادات الانتاج والزراعة والإسكان والثروة المائية ليتم الاتفاق على تشكيل لجنة عليا للحركة التعاونية برئاسة الدكتور عصام شرف وعضوية وزراء التضامن والحكم المحلى والزراعة والإسكان والقوى العاملة ورئيس الاتحاد العام للتعاونيات ورؤساء الاتحادت التعاونية المركزية النوعية الخمسة وتعقد اللجنة اجتماعاتها وفقا لمشروع قرار انشائها الذى يوقعه شرف خلال ساعات، بصفة دورية كل شهرين ويجوز لرئيس اللجنة دعوتها للاجتماع عند الضرورة وتختص اللجنة بدراسة المشاكل التى تعانى منها الحركة التعاونية واقتراح الحلول الفورية لها وتصدر توصياتها التى يعتمدها رئيس الوزراء أو الوزير المختص على أن تتولى الوزارات والجهات المختصة تنفيذ القرار. مرحلة التعاونيات «هذه هى مرحلة التعاونيات» هذا ما قاله «شرف» فى بداية اجتماعه مع مسئولى التعاونيات، وذلك بحسب الدكتور أحمد عبدالظاهر، رئيس الاتحاد العام ورئيس الاتحاد التعاونى الاستهلاكى، الذى أكد ان لقاء رئيس الوزراء تحول مهم وخطير لصالح الحركة التعاونية المصرية وقال انه متفائل بهذه الخطوة.. ولكن هل تتبع الخطوة الحكومية خطوات اوسع من جانب قطاع التعاونيات بصفة عامة و«الاستهلاكى» خاصة بهدف تحقيق التوازن والاستقرار فى الاسعار فى ظل موجات الغلاء المتلاحقة فى السلع الغذائية الأساسية؟ طرحنا السؤال على الدكتور «عبدالظاهر» وفتحنا معه ملف التعاونيات ولكن لأن جيلا من الشباب ربما لم يسمع بالقطاع ودوره الاقتصادى كان لابد أن نتعرف فى البداية على نشأة التعاونيات وفلسفتها. جمعية شبرا النملة البداية كانت فى بريطانيا وبالتحديد فى قرية «روتشيدل» الواقعة فى مقاطعة لانكشير عام 1844 ولأن التعاون وليد الحاجة كما يقول الدكتور عبدالظاهر فإن عمال مصنع صغير للغزل والنسيج بالقرية «27 عاملا» تدهورت احوالهم الاقتصادية فطلبوا من زميلتهم الوحيدة بالمصنع أن تشترى لهم بعض الاحتياجات نظير أجر ثم تطور الأمر إلى إنشاء محل ثم قاموا بتوفير احتياجات القرية باكملها وأطلقوا على هذا التصرف اسم «تعاون» ثم وضعوا دستورا ينظمه ونشأت اول جمعية فى إنجلترا عام 1895 تحت مسمى الحلف التعاونى الدولى فى مصر النشأة كانت مختلفة لتتم فى اطار الحركة الوطنية وفقا لما يقوله د. عبدالظاهر وذلك عندما أدرك الزعيم الوطنى محمد فريد أن الأزمة المالية وظروف الفلاحين المصريين تتطلب حلولا مبتكرة فارسل عمر لطفى احد اقطاب الحركة إلى ايطاليا وألمانيا لدراسة التعاونيات على يد روادها ثم عاد إلى مصر ليتم اصدار قانون خاص بها لتنشأ أول جمعية زراعية تعاونية فى قرية «شبرا النملة» القريبة من طنطا عام 1908 تلتها أول جمعية استهلاكية فى الإسكندرية والمعروفة حتى الآن بمركز تعاونيات الإسكندرية واستمرت تطور الحركة وكانت ازهى عصورها مع ثورة 23 يوليو وحتى أواخر السبعينيات وكان لها دور حيوى فى تأمين الجبهة الداخلية اثناء حرب 73 ثم تراجع اهتمام الدولة بها نسبيا إلى ان نشطت نشاطا كبيرا اثناء حكومة الدكتور فؤاد محيى الدين فى اواخر الثمانينيات الذى أصدر قرارا بانشاء جمعية تعاونية فى جميع المصانع والهيئات والمؤسسات وقدم لها الدعم والتمويل الميسر، ولكن مع بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى والخصخصة والتحول لاقتصاد السوق بصورته الفجة أهملت الدولة التعاونيات تماما. استبعاد متعمد ● قلت لرئيس الاتحاد العام للتعاونيات لماذا أهملت الدولة هذا القطاع على الرغم من نشأته فى حضن الرأسمالية؟ النظم الرأسمالية هى المناخ الطبيعى لحركة التعاونيات بهدف تخفيف سلبيات هذا النظام على الفئات الضعيفة اقتصاديا وهى منتشرة حاليا فى العديد من هذه الدول مثل الولاياتالمتحدة وألمانيا والسويد وبريطانيا ومن الدول العربية التى تنتعش فيها التعاونيات الكويت والإمارات وسوريا، اما فى مصر فقد تم اهمال دورها مع بدء تراجع دور الدولة وتخليها عن غالبية الادوات التى تمكنها من التدخل فى السوق لصالح محدودى الدخل مثل قطاع الاعمال العام وذلك لحساب عشرات من رجال الاعمال الذين اهتمت بهم على حساب الفقراء فاحتكروا النشاط الاقتصادى ورأينا الدولة تبيع الاراضى لهم بأسعار زهيدة فى الوقت الذى حرمت فيه التعاونيات العاملة فى مجال الإسكان من اية تيسيرات تمكنها من تقديم وحدات الاسكان لأعضائها بأسعار مناسبة، وحتى عندما عرضنا على وزارة التضامن والتجارة والصناعة منذ عامين مساعدتهما فى حل مشكلة رغيف الخبز عن طريق الجمعيات التعاونية الاستهلاكية التى يتجاوز عددها 3400 جمعية تمتلك نحو 10 آلاف منفذ فى جميع أنحاء الجمهورية وقلنا لهم لا نريد منكم شيئا سوى الخبز لم يردوا علينا وقاموا بإنشاء اكشاك لبيع الخبز أنفقوا عليها 25 مليون جنيه والآن الأكشاك مغلقة والمشكلة مستمرة. مشاكل التعاونيات ● هذه مرحلة التعاونيات كما قال الدكتور عصام شرف ما هى خططكم لتطوير هذا القطاع باعتباره أهم آليات تحقيق العدالة الاجتماعية وماذا طلبتم من «شرف» لمساندة القطاع؟ حل مشاكل التعاونيات يمكن ان يزيد من حجم انتاجها من 70 مليار جنيه إلى 100 مليار كما يمكن أن يزيد من فرص العمل التى توفرها حاليا وتبلغ نحو 1.5 مليون فرصة عمل فى المجالات الخمس فالقطاع الزراعى مصدر اساسى للتشغيل حيث ان استصلاح 500 ألف فدان يوفر 750 ألف فرصة عمل وقد طالبنا رئيس الوزراء بأن تعود الجمعيات الزراعية لدورها الريادى السابق كمصدر اشعاع فى القرية وان تتسلم مستلزمات الإنتاج مثل البذور والمبيدات بدلا من بنك القرية الذى اتجه لانشطة بعيدة عن خدمة الفلاحين، وعرضنا مساهمة المنظومة التعاونية فى المشروعات القومية وعلى رأسها تنمية سيناء من خلال زراعة النخيل والزيتون واقامة الصناعات عليها وتنمية بحيرة البردويل بشمال سيناء وتسويق هذه المنتجات من خلال القطاع الانتاجى، ثمة مشروع آخر عرضناه على شرف وهو إنشاء اتحاد تعاونى لدول حوض النيل يهدف إلى دعم وتوثيق العلاقات معها وكنا قد عرضنا المشروع على الوزراء المعنيين منذ عام 2009 ولم يهتم به احد وقد رحب رئيس الوزراء بالمشروعين. طالبنا ايضا بحل مشاكل الاتحادات الأخرى مثل «الثروة المائية» الذى ينتج 97% من الإنتاج السمكى ويمتلك اسطول الصيد البحرى ومشكلة هذا القطاع ان بعض المحافظات تقوم بتجفيف البحيرات لصالح المستثمرين كما طرحنا مشكلة التعاونيات الاسكانية التى حرمتها الدولة شراء من الاراضى المرفقة باسعار تمكنها من توفير وحدات بأسعار معتدلة كما حرمتها من القروض والمنح الدولية الميسرة أو التمثيل فى رسم السياسات السكانية وطالب الاتحاد التعاونى الإسكانى بالمشاركة فى المشروع القومى للاسكان الذى يستهدف بناء 200 ألف وحدة سنويا لمدة 5 سنوات ووافق «شرف» مطالبا بألا يزيد سعر الوحدة فى المشروع على 40 أو 50 ألف جنيه ب«التقسيط» شريطة ألا يتم التصرف فيها بالبيع أو التنازل وطالبنا بانشاء وزارة للتعاونيات لما لهذا القطاع من أهمية كبيرة. شراء المجمعات ● الجمعيات التعاونية الاستهلاكية يمكن أن يكون لها دور كبير فى مواجهة مشكلة الغذاء بالتنسيق مع المجمعات الاستهلاكية ماذا عن هذا الدور؟ طلبنا دعم هذه الجمعيات التى تضم 5 ملايين عضو للقيام بدورها فى ضبط السوق وموازنة الأسعار خاصة بالنسبة للسلع الأساسية المرتبطة بالأمن الغذائى مثل سلع البطاقات التموينية والدقيق البلدى والخبز والسكر والزيت وأنابيب الغاز ويمكن للجمعيات أن تكون أداة فاعلة فى توزيع هذه السلع بحكم انتشارها فى جميع أنحاء البلاد ويمكن تسهيل إنشاء جمعيات تعاونية فى المجتمعات الجديدة والمناطق النائية من خلال توفير المكان ومدها بتمويل ميسر عن طريق الصندوق الاجتماعى لتوفير فرص عمل. فى هذا الإطار أيضا عرضنا على رئيس الوزراء دراسة حول تفعيل المادة 4 من قانون التعاون الاستهلاكى والتى تنص على انه «يجوز بقرار من رئيس الجمهورية تحويل احد المشروعات او الاموال العامة إلى الملكية التعاونية بمقابل مقسط بغير فوائد او بدون مقابل ويتولى الاتحاد توجيه المشروع او المال فى انشاء جمعيات تعاونية»، واستنادا لهذه المادة يمكن بيع فروع المجمعات الاستهلاكية إلى الجمعيات التعاونية بدلا من البيع للقطاع الخاص كما كان يحدث من قبل ● ولكن التعاونيات لم تسلم أيضا من الفساد وقد سمعنا عن العديد من حالات الفساد فى القطاع؟ التعاونيات شأنها شأن باقى منظمات المجتمع لكن الفساد بها لا يمثل 10% من فساد المؤسسات الأخرى ونحن نحاول بكل الطرق مواجهة هذا الفساد والحد منه وفى مرحلة ما بعد الثورة التى تسودها الشفافية لا أتوقع ان يكون هناك فساد بأى درجة خاصة مع الرقابة الشعبية من جانب أعضاء التعاونيات. كيف تكون تعاونيا ● كيف يشارك المواطن فى جمعية استهلاكية وما أشهر الأمثلة فى هذا المجال؟ القانون يسمح لكل 10 أفراد أن ينشئوا جمعية أساسية لكن القانون يسمح للاتحاد أن يضع حدا أدنى للعضوية ورأس المال وآخر قرار للاتحاد أن تكون العضوية 200 كحد أدنى ورأس المال 20 ألف جنيه لضمان مقومات نجاح الجمعية على أن يكون لكل عضو صوت واحد مهما كان حجم مساهمته، وتعد جمعية غزل المحلة أكبر جمعية تعاونية استهلاكية فى مصر والشرق الأوسط وتضم 30 ألف عضو.