أبدى خبراء تفاؤلهم حيال اتفاق المصالحة المبرم بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين، لإنهاء حالة الانقسام برعاية مصرية رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر والمنطقة‘ وقال: إنه "لو لم يتم التوصل لهذا الاتفاق الآن فمن العسير التوصل إليه مستقبلا". واعتبر الخبراء أن مساندة معظم الدول الأعضاء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار إنشاء الدولة الفلسطينية -وإن كان غير ملزم- يصب في مصلحة القضية ولن يمثل أية خسارة للفلسطينيين. وقال الدكتور عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية -في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط- "إن صمود اتفاق المصالحة يتوقف على مدى استمرار الإرادة الفلسطينية لتحقيق الاستقرار وعدم قلب الأوضاع حتى لا تكون هذه فرصة وذريعة لإسرائيل تستغلها ضد الفلسطينيين". وأشار إلى أن احتمالات صمود الاتفاق قائمة وإلى حد كبير، خصوصا فى ظل الأجواء الراهنة المتغيرة فى منطقة الشرق الأوسط، بما فى ذلك الثورات الشعبية والمسيرات وتغير بعض الأنظمة الحاكمة. وأضاف: "أن مساعي إسرائيل لتضييق الخناق على الفلسطينيين خصوصا من الناحية المالية ترتبط بكون إسرائيل قوة احتلال، لكن فى المقابل فإن اتفاق المصالحة الذى يتجه نحو إنشاء الدولة الفلسطينية يفتح المجال نحو مفاوضات جديدة مع إسرائيل ومساع دولية من الأممالمتحدة، للضغط على إسرائيل، لإنهاء تعنتها حيال الفلسطينيين لا سيما فى ظل توقعات بأن يصل عدد الدول التى ستعترف بفلسطين أكثر من 95% من عدد الدول أعضاء الأممالمتحدة". ونوه إلى أن عدم صدور قرار من مجلس الأمن بشأن الدولة الفلسطينية لا يقلل من مثل هذا القرار، نظرا لأن الدول لم تقم كلها بقرار من مجلس الأمن، وإنما هناك اعتراف الدول ببعضها، وفى حالة الخضوع للاحتلال فإن هناك المفاوضات أو المقاومة وليس بالضرورة انتظار صدور قرار من مجلس الأمن. ومن جانبه، قال المستشار الثقافى فى سفارة فلسطين بالقاهرة، الدكتور خالد الأزعر: "إن الرعاية المصرية للمصالحة ليست وليدة اليوم، لكن استمرار هذه الرعاية فى ظل ما تمر به مصر والمنطقة من ظروف استثنائية يؤكد أهمية المناخ الفلسطينى فى خريطة السياسة المصرية، كما أنه يتفق مع تاريخ العلاقات الممتدة والمتميزة بين مصر وفلسطين". وأضاف "أن فلسطين تعتمد على الظهير المصرى، وأى لقاء أو خطوة فلسطينية نحو المصالحة بدون وجود ضمانة مصرية فإنها تواجه صعوبات". وأشار إلى أنه من الضمانات الأخرى التى من المفترض أن تكون مطمئنة نحو تحقيق الصمود للاتفاق الجديد هو الضغوط الشعبية الجبارة بشأن المصالحة وإنهاء الانقسام، والتى تتوازى مع وجود ضغوط إسرائيلية لإبقاء التفتت والتشرذم فى الكيان الفلسطينى، لكن هناك استشعارا شعبيا فلسطينيا لمزيد من الضغط من أجل تحقيق الاتحاد المطلوب. وأوضح أن الوضع الإقليمى أيضا تغير بما يوجب ضرورة وجود هذه الوحدة الوطنية الفلسطينية بعد أن بلغ التعنت الإسرائيلى مداه، وتجلى ذلك فى مواقف كثيرة، من بينها الاستيطان، فضلا عن قضايا أخرى أكبر أثبتت تعنت الجانب الإسرائيلى، الأمر الذى يحتاج فى نهاية المطاف إلى تماسك ووعى فلسطينيين. وقال الدكتور عبد العليم محمد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، "إنه لو لم يتم اتفاق المصالحة الفلسطينية الآن فإنه كان لن يتم، لأن الأوضاع تغيرت، ما يدعو كلا من فتح وحماس للتعجيل بالاتفاق والتمسك به". وأضاف: أن "فتح" من ناحية خسرت مساندة الرئيس السابق حسنى مبارك الذى كانت تجاريه فى مواقفه فى الحملة ضد إيران والجفاء مع سوريا، ومن ثم فهذا الغطاء لم يعد موجودا، أما بالنسبة لحماس فإن الأوضاع باتت غير مستقرة فى سوريا التى تساندها، كما أن هناك اتجاها لإعادة النظر فى وجود حماس ذاته. وأشار إلى أن الاتفاق بهذا الفهم يكون مناسبا للطرفين فتح وحماس وللقضية الفلسطينية بصورة عامة، حيث تسمح للرئيس محمود عباس "أبو مازن" بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل، للتحدث باسم كل الفلسطينيين وليس باسم فتح فقط، وفى ظل استعداد حماس للاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف، حسب الشروط التى وضعتها الولاياتالمتحدة، وهو ما يعزز القضية الفلسطينية. وقال: إن الكرة الآن فى ملعب إسرائيل والولاياتالمتحدة". مشيرا إلى أنهما اندهشا من قدرة النظام الجديد فى مصر على إنجاز الاتفاق دون التنسيق مع إسرائيل وأمريكا ودون حتى إبلاغهم. وأكد أن المجتمع الدولي إذا كان متعاطفا تجاه القضية الفلسطينية، فعليه أن يتخذ موقفا إيجابيا تجاه فلسطين وعدم تأييد تعنت نيتانياهو. ونوه إلى أنه حتى لو وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الدولة الفلسطينية فى سبتمبر المقبل، فسيكون القرار فى صورة توصية غير ملزمة، وليس صادرا بموجب الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، حتى برغم حصول هذه الدولة على أصوات غالبية أعضاء الجمعية العامة، بما فى ذلك ما يعرف بالأغلبية الأوتوماتيكية لأصوات الدول العربية والإسلامية والإفريقية المؤيدة لفلسطين. ولفت إلى أن المشكلة ستكون بعد صدور مثل هذا القرار الذى سبق وتجاهلت إسرائيل قرارات مماثلة له، فالمطلوب بحث وجود قوة ملزمة على غرار ما حدث بالنسبة لمساعي الولاياتالمتحدة للتدخل فى كوريا فى الخمسينيات دون موافقة الاتحاد السوفيتى، وصدر القرار وكانت له قوة إلزامية حملت اسم "الاتحاد من أجل السلام"، مشيرا إلى أنه فى النهاية ليس لدى الفلسطينيين ما يخسرونه فى حالة المضى قدما نحو إعلان الدولة الفلسطينية من خلال الجمعية العامة. واعتبر الخبير بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، الدكتور طارق فهمى، أن رد الفعل الإسرائيلى والتعامل مع الاتفاق اتضح من موقفين أولهما: موقف الحكومة الإسرائيلية ووزارة خارجيتها، والذى ألمح إلى أنه لا خوف من الاتفاق والمشكلة فى المراحل التالية عليه، حيث "يكمن الشيطان فى التفاصيل"والتى تؤثر عادة بعد الاتفاقيات المتعلقة بمثل هذا المشروع. وأضاف: أن الموقف الثانى من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو وبعض مراكز الأبحاث الإستراتيجية الإسرائيلية وزيارة نيتانياهو المرتقبة لأوروبا والولاياتالمتحدة، بهدف تنسيق موقف إسرائيلي أمريكى أوروبى حول القضية الفلسطينية، وبما فى ذلك ما يتعلق بالمساعدات الأوروبية والأمريكية للسلطة الفلسطينية، ومحاولة التهديد بإيقافها فيما لو استمرت حماس فى موقفها المضاد للشروط الأمريكية والإسرائيلية وممارسة الضغوط عندئذ على السلطة الفلسطينية. بينما يستمر وضع حماس كمنظمة إرهابية من وجهتى النظر الأمريكية والأوروبية. وأوضح أن الفترة الراهنة تتضمن اختبارات لصمود مثل هذا الاتفاق، ومن بينها ما يتخذ من إجراءات أمنية استباقية من جانب إسرائيل مع قرب الاحتفال الإسرائيلى، بذكرى إنشاء دولة إسرائيل يوم 15 مايو الجارى، وهى إجراءات أمنية قد تكون غير مسبوقة، فضلا عن الإجراءات الدبلوماسية، وهذه كلها ستكون اختبارات لاستمرار الوضع وصمود اتفاق المصالحة. معربا عن أمله فى العمل على إبعاد الذرائع التى يمكن أن تبنى عليها إسرائيل مواقف متعنتة أخرى.