ونحن على مشارف حياة ديموقراطية جديدة ربما لم نمارسها قبلاً بالشكل الصحيح الذي يجب علينا أن نفعله وربما أيضاً يتهمنا بعض المتطرفين ممن لا يريدون لنا استكمال الطريق الذي بدأناه أو المتشائمين الذين أرهقتهم الحروب الصغيرة والكبيرة اليومية التي تعودتها الثورة وأي ثورة في مرحلة مابعد إسقاط الأنظمة بأننا: (لسنا على استعداد كاف بعد لممارسة الديموقراطية) لقد كانت تلك الجملة جملة السيد عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع الذي كانت بدايات الثورة سبباً مباشراً في اعتلائه كرسي نيابة الرئاسة الذي لم يكن يحلم به في ظل وجود الوريث المنتظر الأكيد لحكم مصر ومع ذلك غافل الرجل سيدته الثورة وخرج في قناة الإيه بي سي البريطانية ليدلي بمثل هذا تصريح ليطيح بنفسه وبأي أمل له وللنظام في استكمال جلوسه على سدة الحكم..ركب موجة تلك الجملة كثيرون منهم من أخرسته مفاجأة نجاحات الثورة فى الوصول لكثير من أهدافها ومنهم من لم يزل لديه أمل في العودة بسفينة نوح التي أبحرت في اتجاه شاطيء النجاة إلى دوامات وتسوناميات العهد البائد...لعل ما أجج الشك في أن تلك المقولة ربما تكون حقيقية ماحدث فى الاستفتاء الاخير على التعديلات الدستورية واكتشافنا الهوة العميقة بين من قيل أنهم كانوا سبباً مباشراً في الثورة وهم شباب إنترنت الثورة وبين رجل الشارع العادي فقد دأب مركز دعم القرار طيلة الأيام السابقة للاستفتاء على عمل استفتاءات إلكترونية لأهل النت المصريين على مواضيع مختلفة كانت نتائجها مغايرة تماماً لنتيجة الاستفتاء الذي حدث على الأرض مما أثبت تباعد الفريق العنكبوتي-مهما بدا غير ذلك- عن الحقيقة والواقع على الأرض صحيح أن شباب الإنترنت هذا نجح في تأجيج جذوة الثورة والوصول بها إلى كل فئات الشعب لكن ربما حدث هذا في رأي البعض لأن الكثير من أسبابه تلاقت ورغبة الشعب ومعاناته اليومية والدماء التي رفعت الأمر من حالة احتجاجات عاصفة إلى ثورة حقيقية مصرة على استكمال طريقها..لكن الأمر في الاستفتاء على البناء الجديد كان مختلفاً بالمرة فهدم الفساد الذي يعاينه الجميع بداية من الخبراء السياسيين حتى عامل النظافة في الشارع كان فريضة ثورية أما البناء فطرائقه وسبله تفرعت وأصبح لكل وجهة نظره وطريقته التي لا يرى ماهو أصوب منها ونقاط خلافه الأساسية مع الآخرين إذا أضفنا لهذا الاتهامات المتبادلة بين الاتجاهات المختلفة الدينية والسياسية بالنوايا السيئة ومحاولة القفز على الكرسي الفارغ للحكم واحتكاره لصالحه أو الأمية السياسية والجهل بأبسط المصطلحات والمدارس السياسية المختلفة واستغلال الظروف المادية ربما والفكرية في توجيه عامة الشعب لاتجاه بعينه وغيرها من الاتهامات التي لاتنتهي اكتشفنا أن السؤال الذي أثاره السيد عمر سليمان مازال يصرخ: هل نحن بالفعل مستعدون للديموقراطية الآن؟ في الحقيقة لعلي أرى كل ماحدث ويحدث هو من صميم الديموقراطية حتى اتهامات شراء الأصوات باللعب على فقر وحاجات وظروف الناس المعيشية ففي الخارج يقف رجال أعمال ومؤسسات كاملة وراء الحملات الانتخابية للرؤساء ومن شابه ..وحتى حملات التشويه لمرشح بعينه موجودة وبقوة ويعتمد عليها موجهو الحملات الانتخابية والإعلام في توجيه الرأي العام ناحية اتجاه أو شخص بعينه أو صرفه عنه..ربما بالفعل يكون هذا مرفوضاً أخلاقياً لكن هذا ماحدث ويحدث وعلينا ألا نصاب بصدمات ليس لها أي داع مطلقاً في مسيرتنا نحو مااخترناه لأنفسنا.. علينا أيضاً أن نكف عن الخوف من الفزاعات التي يتم برمجتنا على الخوف منها كل يوم مثل السلفيين والإخوان والليبراليين والعلمانيين وحتى الشيوعيين فالذي سينجح سينجح بناءً على اختيار شعب لا وساطة شخص..وعلى الجميع الانصياع للنتيجة النهائية للانتخابات مهما كانت طالما أن الانتخابات نفسها فوق مستوى الشبهات وتتم تحت إشراف نزيه..وبدلاًً من تبادل الاتهامات غير المجد علينا أن نعرف كيف نتعامل مع الديموقراطية كيف نكسب الأصوات أياً كانت توجهاتنا..إن الشارع هو المكان الصحيح لكسب الأصوات وليست الشاشات العنكبوتية التي لا أريد التقليل من أهميتها أو نجاحاتها لكن الحقيقة أن الشارع له البعد الأقوى والأمضى..إن الثورة نجحت نعم في إسقاط النظام البائد لكن متى؟ عندما نزلت إلى الشارع وأوصلت صوتها لكل الطبقات والفئات ..عندما تحدث الناس إلى بعضهم البعض في المحلات التجارية وفي المقاهي وفي البيوت..عندما علت الهتافات حتى وصلت إلى أقصى وأبعد ركن من أركان قرى مصر..والذي يريد أن يصل فلينزل إلى الناس وليكلمهم بلغتهم وعليه أن يستمع إلى وجهة نظرهم (استماعاً عاطفياً)ً كما سماه (ستيفن كوفي) في كتابه ( العادات السبع للناس الأكثر فعالية) حين أفهمنا أن هناك فرقاً كبيراً بين من يستمع ليهاجم ويرد ومن يستمع ليفهم الطرف الآخر ويعرف كيف يفكر وماذا يريد أن يقول حتى ولو كان غاضباً أو ثائراً أو غير مبال...إن الجميع بحاجة لتنمية مواهبهم في الاقتراب من الناس وقراءتهم ولن يتم تنمية تلك المواهب إلا بالتنازل عن علياء الكثيرين ممن يرون أنهم أعلى ثقافة سياسية ودينية وأكثر فهماً لمجريات الأمور من غيرهم..ثم النزول أو الصعود إلى كافة طيقات المجتمع بقلب وفكر مختلف على استعداد للاستيعاب والفهم والتفهم لأنه من يدري؟ فقد يتغير فكرنا وتوجهاتنا عندما نستمع ونرى ونعيش ونتعايش مع تجارب وحياة الآخرين..إن نفسية النزول إلى الشارع لا تعني فقط أن من سينزل سيغير بل عليه أن يتقبل أيضاً أنه هو نفسه من الممكن جداً أن يتغير عندما يرى مالم يكن يراه ويفهم مالم يفهمه من قبل.. حتى الذين يجلسون على الإنترنت وفي مواجهة الشاشات الفضائية والإعلامية عليهم أن يفكروا من هذا المنطلق وألا يتوقفوا كثيراً عند محاولات الهجوم عليهم وتشويههم أو من يوالونه بل عليهم أن يبذلوا أقصى مافي وسعهم في فهم لماذا يتم هذا الهجوم وكيف يراهم الناس وماهي أخطاؤهم التي يجيب أن يواجهوها ويعترفوا بهم فليس هناك منزه عن نقص إلا الله وليس هناك إنسان بيده الجنة والنار أو ممتلكاً لناصية الحق والباطل والرؤية السياسية الثاقبة كاملة..فدائماً وأبداً هناك الجديد الذي يمكن أن نتعلمه حتى لو تخيلنا أننا وضعنا أيدينا على نواصي الحقيقة..