بقدر ما تتصدر التحقيقات والمحاكمات لرموز نظام الحكم السابق اهتمامات رجل الشارع المصري، فإنها تشد اهتمام العالم، وتشغل حيزا لافتا في أولويات الصحافة العالمية ووسائل الإعلام الدولية، فيما بدا العالم عينه على مصر.. ومصر عينها على العدالة. وذهبت مجلة (تايم) الأمريكية إلى أنه منذ نجاح الثورة الشعبية المصرية في الإطاحة بنظام الحكم الفاسد، باتت التحقيقات الجارية مع رموز هذا النظام أحد أبرز اهتمامات رجل الشارع المصري. وأجرت المجلة الشهيرة سلسلة من المقابلات مع مواطنين مصريين، للتعرف على آرائهم حيال مساءلة نظام الحكم السابق بأركانه ورموزه، فيما أبدى بعض من التقتهم المجلة دهشة تمتزج بالفرحة، لأنهم لم يصدقوا من قبل أن يأتي اليوم الذي يمثل فيه رموز هذا النظام الاستبدادي أمام العدالة. ومن المقرر أن يمثل وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، و4 من كبار مساعديه، الثلاثاء المقبل، أمام هيئة محكمة جنايات القاهرة في مستهل محاكمة وصفت بأنها "تاريخية"، للنظر في عدة اتهامات، من بينها: الاعتداء على المتظاهرين، وقتل العديد منهم، وإصابة الكثيرين من الذين شاركوا في المظاهرات السلمية. وكانت لجنة التحقيق وتقصي الحقائق في الأحداث الدامية التي واكبت ثورة 25 يناير قد اتهمت في تقريرها النهائي العادلي بالضلوع في قتل المتظاهرين، فيما كشف تقرير اللجنة، برئاسة المستشار عادل قورة، عن أن العدد الصحيح لحالات القتل هو 846 حالة على الأقل. مؤكدة أن المظاهرات كانت سلمية غير أن القيادة السابقة لوزارة الداخلية حولتها إلى دموية، بإصدار الأوامر المباشرة لرجال الشرطة، باستخدام الذخيرة الحية والرصاص المطاطي لتفريق المظاهرات السلمية. ويرى معلقون في الصحف المصرية أن جرائم الفساد المالي التي تخضع الآن لتحقيقات ليست على خطورتها وجسامتها، إلا نتيجة لجرائم سياسية أكثر خطورة، فيما يكاد المعلقون يجمعون على أهمية توافر كل الضمانات للعدالة. وإذا كانت مجلة "فورين بوليسى" قد اعتبرت أن أركان ورموز نظام الحكم السابق يستحقون المحاكمة، "ولكن المصريين لا يمكن أن يأكلوا عدالة"، وذلك في سياق تأكيدها على الهموم الاقتصادية التي تعاني منها مصر، فإن المواطن المصري أسامة النجار يؤكد في المقابل أن إقرار العدالة أمر جوهري حتى لتحقيق إنجازات اقتصادية ملموسة تخفف من معاناة محدودي الدخل. ديون مصر 1.2 تريليون جنيه وكشفت دراسة صدرت مؤخرا عن مركز الدراسات الاقتصادية بالقاهرة أن قيمة المديونية المصرية حاليا تصل إلى نحو 1.2 تريليون جنيه، ما يعادل نسبة قدرها 700% من قيمة المديونية التي كانت مستحقة على مصر عام 1981. وتحدثت هذه الدراسة بصورة مستفيضة عن تجريف الثروات المصرية في ظل نظام الفساد السياسي الذي كان يعبر عنه الحزب الوطني المنحل، فيما رأى سيون أسيدون، عضو مجلس منظمة الشفافية الدولية، أن "مصر كانت مختطفة من جانب عصابة ونظام ظل يمارس الفساد الممنهج" على مدى نحو ثلاثة عقود. وتعكس تعليقات رجل الشارع المصري جنبا إلى جنب مع المعلقين في الصحف ووسائل الإعلام حالة ارتياح حيال القرار القضائي للمحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني، الذي وصف بأنه أفسد الحياة السياسية في مصر، بقدر ما كان ركيزة لنظام الحكم الاستبدادي، وبؤرة أساسية في عمليات تجريف ثروات البلاد ومقدرات شعبها، وبيع أصول الدولة المصرية، والسعي لتمرير مشروع توريث الحكم على خلاف إرادة الشعب وروح الديمقراطية وقواعدها الجوهرية. وكان النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود قد أصدر قرارا، أمس الجمعة، بتجديد حبس الرئيس السابق حسني مبارك لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات، فيما توالي النيابة العامة استكمال تحقيقاتها في الوقائع المنسوبة لمبارك، ومن بينها الوقائع المتصلة بالاعتداء على المتظاهرين أثناء مظاهرات 25 يناير السلمية. وفي محاولة للبحث في وسط الحدث المصري الكبير ووراء الكواليس تنشط الصحافة العالمية ووسائل الإعلام الدولية.. فمن جانبها لاحظت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية، أن العديد من المصريين يتطلعون لمحاكمة أركان ورموز نظام الحكم السابق، فيما نوهت بأن هذه الرغبة جاءت بعيدة عن روح التشفي وتعكس إلى حد كبير اهتماما بالمستقبل. نموذج المصالحة غير أن الصحيفة الأمريكية اعتبرت أن المصريين لم يحسموا أمرهم بعد وما إذا كان عليهم أن ينتهجوا نموذج جنوب إفريقيا، وهو ما يسمى بنموذج المصالحة بعد إسقاط نظام الفصل العنصري أو النموذج الأوروبي الشرقي، بعد سقوط الأنظمة الشيوعية الشمولية والمتمثل في مطاردة قادة هذه الأنظمة ورموزها أم أن عليهم نسيان كل ما حدث في الماضي وتركيز كل الاهتمام على المستقبل؟. ودخلت الصحف ووسائل الإعلام المصرية في سباق مثير حول نشر أخبار وتقارير تتعلق بوقائع الفساد ومحاولات بعض رموز النظام السابق غسل أموال تقدر بالمليارات وتهريبها للخارج، وذلك في سياق ما وصف "بعملية النهب المنظم لثروات مصر". وتضمنت هذه التقارير اعترافات ضباط بوزارة الداخلية، بأن العادلي أمر بتسليح الشرطة بالذخيرة الحية وإطلاق النار على المشاركين في ثورة 25 يناير الشعبية السلمية. وها هي فيكتوريا بريتين كاتبة وناشطة تدافع عن سجناء الرأي والتي عملت من قبل كمراسلة للشؤون الخارجية بجريدة (الجارديان) البريطانية، تنوه بحراك العدالة المصرية، وتقول "يشهد النظام القضائي المصري هذه الأيام نشاطا وحيوية وسعيا لتصحيح أخطاء الماضي". ونوه وزير العدل، المستشار محمد عبد العزيز الجندي، بأن "من يتم اختياره لإعداد أي قانون لا بد ألا يكون هناك هدف أمامه غير ابتغاء وجه الله، والمصلحة العامة لبلاده، والشعب الذي ينتمى إليه، وليس إرضاء النظام وترويج سياساته". وكانت محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة قد قضت، أمس الأول الخميس، برفع اسم مبارك وزوجته وصورهما من جميع الشوارع والميادين وكل منشآت الدولة".