فى الوقت الذى يبدو فيه نظام الرئيس السورى بشار الأسد مترنحا، يترقب شخص كان يوما من أقوى رجال النظام سقوط الأسد بعدما انضم الشعب إلى نادى الثوار العرب، متطلعا إلى تغيير ديمقراطى ينهى عقودا من القمع والانغلاق السياسى. إنه عبدالحليم خدام، نائب الرئيس الراحل حافظ الأسد حتى وفاته، ونائب الأسد الابن حتى انشقاقه عن النظام عام 2005، ليصبح واحدا من ألد أعداء هذا النظام. ويقول خدام فى حوار خاص مع «الشروق» إنه لم يشارك أبدا فى مخطط توريث الحكم لبشار، إذ يعتبر ذلك بمثابة خطيئة سياسية ووطنية يتحملها الأسد الأب. خدام يسرد أيضا فى هذا الحوار محاولاته لتمرير أجندة إصلاحية شاملة، لكنها قوبلت بمماطلة من الرئيس الشاب الذى وضعها فى درج مكتبه، ولذا يعتبر خدام أنه لا أمل فى إصلاح هذا النظام، ويرى أن سقوطه سيريح البلاد، ويحل الكثير من الأزمات فى المنطقة. وإلى نص الحوار: السيد عبدالحليم خدام.. هل اشتركت فى مخطط توريث بشار الحكم بعد موت أبيه؟ وما الذى كنت تراهن عليه بالنسبة لبشار؟ لم أشترك مطلقا فى عملية التوريث وكنت ومازلت اعتبر أن الرئيس حافظ ارتكب خطيئة وطنية وسياسية باتخاذ هذا القرار. فعند وفاة الأسد الأب كنت فى إجازتى خارج دمشق، ولم أكن اعرف، وعندما عدت أعلمنى أحد أعضاء القيادة بأن الرئيس توفى، وبأن قيادة حزب البعث قد اجتمعت وقررت ترشيح الدكتور بشار وتعديل الدستور، وبالتالى لم يكن هناك مجال للمناقشة. لقد أعد الرئيس حافظ كل الظروف للتوريث فى كل من قيادة الحزب وفى القوات المسلحة وفى أجهزة الأمن. ●متى فكرت فى الانشقاق وما الأسباب التى دفعتك لذلك؟ حاولت مساعدة الرئيس الجديد أملا فى أن ينهض بالبلاد بتنفيذ ما كان يتحدث به حول ضرورة تحقيق الإصلاح السياسى والاقتصادى والإدارى وبعد قسمه اليمين الدستورية بأسبوع بعثت له بحزمة إصلاحات سياسية واقتصادية وإدارية. وفى اليوم التالى استقبلنى وناقشنى فيها وكان متحمسا لها، لكنه عاد وقال إذا أجرينا الإصلاح السياسى وأوضاع البلد فى هذا السوء ستنشأ أحزاب وهذا يشكل خطرا على الحزب والنظام لذلك أقترح أن نبدأ بالإصلاح الاقتصادى وإصلاح أحوال الناس فوافقنا. وجمعت خبراء اقتصاديين ووضعنا مشروعا للإصلاح الاقتصادى وناقشته القيادة وأقرته. وعندما سألت الرئيس فى اجتماع القيادة عن أسباب تأخير التنفيذ، أجاب: تعرفون حجم الفساد فى الدولة لذلك أقترح أن نبدأ بالإصلاح الإدارى. وفى اجتماع آخر للقيادة ناقشنا الموضوع وكان رده أن الحزبيين يمسكون بمفاصل الدولة ولإصلاح الدولة لابد من إصلاح الحزب. وبالفعل فقد وضعت مشروعا لإصلاح الحزب ورفعته للقيادة القومية فأقرت المشروع. وبذلك أسقطت جميع الذرائع. لكن بعدها قال الأسد إن تنفيذ هذا المشروع يحتاج إلى قرارات من المؤتمر القومى والظروف غير ملائمة لعقد هذا المؤتمر. عندئذ ترسخت القناعة لدى بأن هذا النظام غير قابل للإصلاح، فانتظرت انعقاد المؤتمر القطرى فى الخامس من يونيو عام 2005 لأعلن استقالتى من منصبى ومن الحزب . ●حديثك يعنى أن الأسد كان ينفرد بالقرار بينما تتردد أحاديث عن مجموعة مقربة تدير الأوضاع.. فمن يحكم سوريا فعليا؟ يحكمها الشقيقان الشقيان بشار وماهر اللذان ملأ صدورهما العداء للشعب عامة وللسوريين الذين يطالبون بالحرية خاصة دون أن يردعهم رادع، فأقدما على تأسيس فرق الموت من عناصر بالحرس الجمهورى والفرقة الرابعة التى يقودها ماهر وأجهزة الأمن وجميعهم من لون طائفى واحد (يقصد الطائفة العلوية الشيعية) مشبعون بالحقد الطائفى، ويظهر ذلك من خلال ما بثته وسائل الإعلام. والسلطة متركزة عموما فى أيد أولئك المنتمين إلى الأسرة الحاكمة. ●ألقت قوات الأمن القبض على شخص يدعى محمد على بياسى فى مدينة بانياس وقالت إنه الذراع المالية لك وأنك كلفته بتنفيذ عمليات إرهابية.. فما ردك؟ النظام يخدع نفسه ويحاول خداع الناس فالسيد محمد على بياسى وأسرته أصدقاء لى وتربطنى بهم المودة كما هو الحال بالنسبة لجميع العائلات فى بانياس ونحن نعيش فى مجتمع صغير ومتداخل. والرجل ليس الذراع المالية لى وليس بيننا علاقات مالية. لقد تم اتهامه بتلقى باخرة مشحونة بالأسلحة والمخدرات وثلاثة ملايين دولار مرسلة من قبلى للقيام بعمليات إرهابية، ولكن هؤلاء المجرمين الذين تحركهم النوازع الطائفية لم يقولوا أين الباخرة وكيف وصلت إلى بانياس وأين الأسلحة. وهل الباخرة علبة كبريت يمكن تهريبها فى جيب مسافر؟ ●صرحت مؤخرا بأنك تتوقع تنحى الأسد. على ماذا تبنى هذا التوقع؟ لقد كشف الأسد حقيقته كاملة أمام الشعب من خلال الجرائم التى ترتكبها أدواته الأمنية وهذا الأمر أيقظ وعيا عميقا لدى السوريين بأن استمرار النظام سيكون كارثة كبرى على سوريا، ولذلك فإن طبيعة المرحلة وعمق الهوة التى لا يمكن ردمها بين النظام ومجموعته وبين الأكثرية الساحقة من الشعب، ستؤدى إلى انهيار النظام، فهو يصارع الوقت فى محاولة يائسة للبقاء. ●إذا كان النظام يصارع الوقت، فما هو دور الجيش؟ وهل تتوقع انشقاقا داخله تحت وطأة الاحتجاجات والعنف الأمنى؟ دعنى أقول لك إن الرئيس حافظ الأسد ارتكب خطيئة كبرى عندما استبعد من الجيش معظم الضباط الذين لا ينتمون إلى الطائفة العلوية، إضافة إلى أن القبول فى الكليات العسكرية والأمنية كان محصورا فى غالبيته الساحقة من طائفة واحدة تحت ذريعة الولاء للحزب، وهذا مما أدى إلى أن تكون البنية الأساسية والفاعلة فى الجيش من لون طائفى واحد. وأتوقع أن يتخذ العقلاء فى الطائفة العلوية مواقف وطنية تضغط على الضباط الذين ينتمون إلى طائفتهم لوقف الفتنة الطائفية التى ينفذها الأسد وشقيقه وزمرة أسرتى الأسد ومخلوف. ●فى مواجهة الاحتجاجات يردد النظام أنه الوحيد فى المنطقة الذى يقف امام اسرائيل ويحمى ثوابت الأمة.. فلماذا لم يحرر الجولان طيلة أربعين سنة؟ لا شك ان النظام يتحمل المسئولية عن استمرار الاحتلال الإسرائيلى للجولان فهو يعيش حالة اللاسلم واللاحرب. وتتحمل سوريا كل أعباء الحرب فى ظل حالة اللاحرب وحرمها. بعد حرب «أكتوبر 1973» انشغل النظام فى سوريا بجملة مشاكل كبرى إقليمية، منها الخلافات مع النظام فى مصر، والوضع فى لبنان، والصراع مع النظام فى العراق، وبالتالى كان يخوض صراعات جانبية لحماية نفسه. ●يقودنا ذلك إلى تساؤل: هل إسرائيل قلقة بالفعل من احتمال سقوط الأسد؟ الإسرائيليون هم الذين يقولون ذلك ويعبرون عنه بشكل واضح سواء فى تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو فيما ينشر فى الصحف الإسرائيلية. ●العلاقة بين الاسد والرئيس المخلوع حسنى مبارك كانت سلبية وسيئة فى الأعوام الأخيرة. فما أسباب ذلك؟ هذه العلاقة كانت تحكمها عوامل متباينة وأبرزها هو الاختلاف فى الخلفية بين الرجلين، ففى الوقت الذى تقوم فيه سياسة مبارك على الالتزام بالاتفاقات مع إسرائيل والروابط مع الغرب، كانت خلفية الأسد تقوم على مبدأ يرفض النهج الذى سارت عليه مصر. وبالتالى فاللقاءات التى كانت تجرى وتناقش فيها القضايا ذات العلاقة بالموضوع الفلسطينى كان يسودها التوتر، خاصة أن الأسد لكى يغطى على صمته بشأن احتلال الجولان كان يرفع شعارات لا صلة لها بالواقع السياسى الذى يمارسه، وبالتالى كان يتصرف فى النقاش وكأنه المدعى العام ومبارك المتهم. هذا الأمر شكل حساسية بينهما، ولم يمارس الرئيس حافظ مثل هذا السلوك، وبالتالى كانت العلاقات ودية ومحترمة. الأمر الثانى اختلاف الخطاب السياسى لكليهما فبينما اتسم خطاب الرئيس المصرى السابق بالاعتدال كان خطاب الرئيس السورى وكأنه طالب فى مظاهرة. والثالث هو أن العلاقات بين سوريا وإيران وانعكاسها على الموقف من قضايا أساسية، ومن بينها قضية غزة، كانت تثير حساسية الجانب المصرى، كالحساسية التى كانت تثار لدى الجانب السورى حول الوضع فى لبنان. السبب الرابع هو فارق السن بينهما، فالرئيس السابق كان يتصرف بهدوء ويتجنب الانفعال أما الأسد فيتصرف بانفعال. ●محاولة التوريث فى مصر استندت على النموذج السورى.. فهل كان هناك علاقة بين جمال مبارك وبشار الأسد؟ على ما أذكر فقد زار جمال سوريا مرة واحدة والتقى فقط مع الأسد، وبالتالى ليس لدى معلومات عن طبيعة العلاقات بينهما؛ لأنه كان من الواضح أن اهتمامات جمال متوجهة باتجاه ترتيب أوضاعه فى مصر، وليس إقامة علاقات مع مسئولى الدول العربية الأخرى. ●كيف ترى الخريطة الإقليمية إذا سقط النظام؟ وما رؤيتك لكل من إيران ولبنان وفلسطين بعد الأسد؟ لا أشك أن سقوط النظام فى سوريا سيؤدى إلى تغييرات إيجابية كبرى فى المنطقة، ولنقل أولا أن البلد سيرتاح ويتحرر من الضغوط الأمنية التى لاتزال تمارس حتى الآن، وسيسقط نفوذ إيران فى سوريا، وهذا الأمر ستكون له تداعيات إقليمية فى لبنان والعراق ومنطقة الخليج. كما أن العراق سيصبح أكثر قابلية للتعاضد الوطنى بعد سقوط النفوذ الإيرانى فى سوريا. وبالنسبة لفلسطين، فبالتأكيد أى نظام جديد يقوم فى سوريا سيتبنى القضية الفلسطينية. ●نعود إلى المعارضة السورية.. كيف علاقتك بمعارضى الداخل وخاصة الإخوان المسلمين؟ دعنى أقول لك إن علاقاتى غير مبنية على أساس تصنيف المواطنين، وإنما على أساس الرؤية المشتركة لمواجهة الأخطار التى يتعرض لها الشعب السورى، ولا أريد أن أتحدث عن فئات أو مجموعات لأن ذلك قد يؤذيها ولا يفيد العمل من أجل إنقاذ سوريا. كنت بعد خروجى من سوريا قد اتفقت مع جماعة الاخوان المسلمين على تشكيل جبهة الخلاص الوطنى وتعاونا بضع سنوات فى إطار هذه الجبهة، ولكن حدث خلاف بيننا حول بيان صدر عن الجماعة بتجميد نشاطها المعارض، ما أدى إلى انسحابهم من الجبهة. ولكن بقيت الأجواء ودية وبعيدة عن المهاترات، وبقى كل منا يعمل فى إطار ظروفه، ولكن من حيث النتيجة يصب فى إنقاذ سوريا وتحريرها من النظام. ●لكن بعض الأطراف فى المعارضة حاليا تتهمك بمحاولة ركوب الموجة على أكتاف ثورة الشباب.. فما ردكم؟ وهل تطلع إلى الرئاسة؟ كلى قناعة بأن الدور ليس دور الآباء وإنما هو دور هذه الأجيال الصاعدة، وليس فى ذهنى تطلعات إلى ممارسة أى دور فى أى نظام سياسى.. لا رئيس ولا غير رئيس. كل ما أستطيع عمله من أجل سوريا ومن أجل أمتى سأقوم به خارج أى إطار حزبى أو حكومى.