بعد سجن مبارك وكل رموز حكمه نحتاج وقفة مع النفس، فاليوم تحقق أكثر بكثير مما طالبنا به فى الميدان، ولمن لا يذكر فإن مطالب الثورة كانت معلقة على عمارة فى الميدان (تنحية مبارك تشكيل حكومة وطنية حل مجلسى الشعب والشورى إلغاء قانون الطوارئ محاكمه الفاسدين) وقد تم تنفيذها كلها. إن جمعة التطهير كانت ضرورة ملحة وسط أحداث يصر الجميع على تفسيرها بأنها ثورة مضادة وأن وراءها رموز النظام القديم.. الحمد لله الآن بعد التخلص من هذه الرموز، ستتوقف هذه الأحداث أو سنتوقف نحن عن تعليق كل مشكلاتنا على شماعة الثورة المضادة ونلتفت للمشكلات الحقيقية.. المهم أنها فرصة سانحة لبداية جديدة. قبل أن أوجه نقدا ذاتيا للثوار، أو لمن يتكلمون باسم الثورة، يجب أن أذكر بحيادية أن تباطؤ الجيش وعدم خبرته الإعلامية والسياسية هى أهم أسباب وصولنا إلى لحظة صدام بين الجيش والشعب. من المؤكد أن الحديث عن تباطؤ الجيش يكون مجحفا إذا تناسينا كم الإصلاحات والقرارات الفاصلة التى تمت فى وقت أقل ما يوصف به أنه قصير، إلا أن الجيش (على الرغم من سرعته) ظل دائما متأخرا بخطوة عن الشارع. خطوة لو سبق بها الجيش لتحول الأمر إلى احتفاء دائم، بدلا من تأخر بسيط يحول إحساس الشارع إلى أنه انتزع حقا لم يرد الجيش أن يعطيه إياه بإرادته. إن الشفافية التى مازلنا نفتقدها فى خطاب الجيش يمكن أن تحل الكثير. إذ إن مشكلة مثل حوادث التعذيب المبلغ عنها ضد بعض أفراد الجيش كان يمكن احتواؤها ببساطة لو تم الاعتراف بها من القيادات مع التأكيد أنها أخطاء فردية وليست منهجية. نفس الكلام ينطبق على تعامل الجيش الإعلامى مع معتصمى التحرير بعد جمعة التطهير، فالجيش أصر على اختراع قصة فلول النظام بدلا من مواجهة الأمر بشفافية وتوضيح موقفه الذى لم يكن يحتاج لشماعة لتحسينه.. وعلى الرغم من ضعف منطق المعتصمين فإن محاولة طمس الحقيقة (ولو لهدف نبيل وهو المحافظة على العلاقة بين الجيش والشعب) أدت لعناد المعتصمين تعللا بأن الجيش لا يقول الحقيقة. وأخيرا فإن المصريين جميعا لا يقبلون أن يتعرض أى مصرى لعنف بسبب تعبيره عن رأيه بسلمية.. أو أن يتعرض ناشط لمحاكمة عسكرية تحت أى ظرف.. انتقدت الجيش قبلا وسأنتقده مرة أخرى لو شعرت بأن نقدى الاستباقى أو بتسمية أخرى نصيحتى يمكن أن تحول دون حدوث مشكلة ولكن أنا أرفض تماما تخوين الجيش، أرفض تماما محاولة التأليب على الجيش أو الوقيعة بين الجيش والشعب، كان يجب أن أبدأ بهذه المقدمة قبل أن أصل للحديث عن الثوار أو عن كثيرين ممن يتكلمون باسمهم. أولا: لا أجد ما يصف شكرى وتقديرى لكل ثائر وكل من شارك فى هذه الثورة ولو بقلبه أو حتى دعائه... ولكن أعتقد أن الوقت قد حان لمحاسبة ذاتية نحتاجها لنكمل على الطريق الصحيح. إن ما يحدث الآن من إدارة إعلامية للثوار والثورة هو أكبر دعاية للثورة المضادة.. إن التعامل غير الحكيم مع الكثير من المطالب خصوصا توقيتها وطريقة الضغط المتواصل مع عدم الاكتراث على الإطلاق بالرأى العام هو سذاجة سياسية تصل لحد الغباء أحيانا. إن الاعتصام الذى لم تدع اليه أى قوى سياسية وحماية الضباط الشباب المنشقين منع القبض عليهم بالقوة رغم مخالفتهم القوانين العسكرية، ثم إغلاق ميدان التحرير لهو نقطة سوداء فى ثوب الثورة بالنسبة للمواطن العادى.. وبدلا من أن يراعى ائتلاف الثورة الوسطية فى توجيه اللوم للجيش وللمتظاهرين على السواء، آثر الائتلاف أن يرضى الثوار على حساب الثورة.. وصب جام غضبه على الجيش فقط. والسؤال الآن: هل استبدلنا بالديكتاتورية ديكتاتورية أخرى؟ أتكلم عن الثوار وليس الجيش... هذا ما يتداوله العامة الآن. إن كنتم لا تعلمون فهناك غضب شعبى رهيب على الثوار... نعم كسبنا الكثير ولكن فى قواعد اللعبة السياسية فى بعض الأحيان تكون طريقة المكسب أهم من المكسب ذاته. إن الرأى العام الذى لا يكترث له الكثير من الثوار هو الذى سيحدد لاحقا فى البرلمان الوزن السياسى الحقيقى لكل فصيل، وأخشى ما أخشاه أن يتحول الأمر لعداء بينهم وبين الثوار.. بل أخشى أن يحول هذا العداء الكثيرين ممن يريدون الاستقرار لمطالبة الجيش بالاستمرار فى حكم البلاد، أو على الأقل تمرير قوانين تقيد الحريات بحجة الأمن والاستقرار. إن نبرة الاستعلاء على المثقفين والأكبر سنا لهى شكوى أسمعها الآن كثيرا... فأصبح الكثيرون يتعاملون وكأن الحياة بدأت يوم 25 يناير.. وفى هذا تناسٍ لمناضلين حقيقيين ناضلوا لسنوات قبلنا لكى يعدوا لنا الطريق ويؤهلوا المجتمع لهذا اليوم. شخصيا قبل أن أحدد موقفى من أى أمر أقرأ لأهل الثقة والخبرة وإذا وجدت إجماعا على أمر ما أراجع نفسى.. بمجرد أن أذكر هذا لبعض الثوار أفاجأ بتعليقات من نوعية (انت معندكش مخ ولا إيه) لأ عندى مخ إنما معنديش الغرور بتاع إنى عشان شاركت فى ثورة بقى عندى صك الحقيقة المطلقة. لو خسر الثوار المثقفين والرأى العام فأضمن لكم أن يشاهد الثوار تطورات الثورة من مقاعد المشاهدين لا الفاعلين. لا أشكك للحظة فى وطنية كل من يقع تحت طائلة انتقادى، بل أرجو أن يتقبل أسفى الجميع لو كنت وقعت فى أى خطأ مما ذكرت أو أى خطأ آخر لم أتنبه إليه بعد.. ولكن أؤكد أن صوت غالبية من شاركوا فى الثورة الآن غير مسموع، وهو صوت التعقل والتهدئة ومراجعة الأولويات. إن الثورة للثورة فقط أصبحت خطرا على الثورة. ونفاق الثورة الذى أصبح مهنة للبعض الآن، أسوأ بكثير من نفاق النظام القديم.. فالنفاق فى مرحلة التشكيل يؤدى بنا إلى هيكل مشوه ويدفعنا فى اتجاه خاطئ. أدعو كل ثائر، أن يتذكر وصف الشيخ الشعراوى (للثائر الحق) بأنه الذى يتوقف فى مرحلة ما، بعد أن يحقق هدفه، وأدعو الجميع لنقد ذاتى هدفه التقويم الآن وإلى أن يظهر جديد، أرى أن يتم تعليق المظاهرات لمدة طويلة، ولتبدأ مرحلة البناء