بينما كان الكثير من المواطنين مشغولين بمتابعة موقف المادة الثانية من دستور 1971 الخاصة بالدين الرسمى للدولة، والتى أثارت جدلا ساهم فى خلق مناخ طائفى يتناقض مع روح الثورة، رغم أنها لم تكن مطروحة من الأصل فى إطار التعديلات الدستورية المقترحة، لم يلفت النظر تعديل المادة الرابعة من ذات الدستور والخاصة بطبيعة السياسة الاقتصادية لمصر، رغم أنه قد تم تعديلها فى الإعلان الدستورى الذى أعلن عنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأسبوع الماضى، والذى صار بديلا مؤقتا للدستور الذى سقط بعد ثورة يناير. وكانت المادة الرابعة فى الدستور السابق تنص على أن الاقتصاد الوطنى يقوم على «حرية النشاط الاقتصادى»، فتم تعديل نصها إلى «تنمية النشاط الاقتصادى»، وحذفت كلمة «حرية»، كما جاء فى المادة الخامسة من الإعلان الدستورى الجديد. ويذكر أن تلك المادة كانت قد عدلت عام 2007 عندما أدخل النظام السابق حزمة تعديلات دستورية من بينها حذف الإشارة ل«الاشتراكية»، ليتسق الدستور مع سياسات حكومة رجال الأعمال السابقة وتوجهاتها الليبرالية من الناحية القانونية، بعد أن كان النظام قد اتجه بالفعل منذ سنوات طويلة إلى تطبيق مبادئ الحرية الاقتصادية وسياسات الخصخصة. وهذا التناقض الكبير بين الاتجاه الاشتراكى والتحررى فى الدستور، كان هو السبب الرئيسى، برأى مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم الاقتصادية فى جامعة القاهرة، ومدير مركز شركاء التنمية، وراء الصياغة العامة التى جاءت فى المادة الخامسة للإعلان الدستورى الجديد معتبرا أنها كانت تحتاج الى المزيد من التوضيح للرؤية الاقتصادية المقصودة من ورائها بشكل أعمق. وتنص المادة الخامسة فى ثوبها الجديد بعد الثورة على أن الاقتصاد فى جمهورية مصر العربية يقوم على تنمية النشاط الاقتصادى والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية والحفاظ على حقوق العمال. «كان من الأدق القول بأن الاقتصاد يقوم على الجمع بين الملكية الخاصة والعامة، ثم النص على أن الدولة تحرص على الإسراع بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ولكن الصياغة التى خرجت بها المادة تدل على رغبة السلطة الحالية فى امساك العصا من الوسط لطمأنة الشعب بأن الدولة ستراعى العدالة الاجتماعية، وإن كان الاقتصاد سيقوم على دور القطاع الخاص». ويرى سامر سليمان، أستاذ الاقتصاد فى الجامعة الأمريكية، وعضو مؤسس فى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، أن تعديل المادة الخامسة لن يغير الاتجاهات الاقتصادية فى الدولة، حيث إن «الاقتصاد سيستمر حرا» مستنداً فى ذلك إلى أن «الحكومة الانتقالية أعلنت صراحة أنها لن تقترب من الاتجاهات الاقتصادية، ولكنها تحاول بما أشارت إليه فى هذه المادة إثبات جديتها فى الالتزام بالعدالة الاجتماعية»، مشيرا إلى أن غياب هذه العدالة كان سببا أساسيا وراء انهيار النظام السابق. ويرى سليمان أن هذه المادة ببنودها المختلفة تستهدف توصيل رسالة واضحة مفادها أن «مرحلة لوبى رجال الاعمال سينتهى، وإن كان هذا لا يعنى غياب دورهم فى دفع عجلة الاقتصاد»، بحسب قوله، مؤكدا أن رجال الاعمال حاليا، بجميع طوائفهم، يتفقون على ضرورة الربط بين النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية. وإن كان هناك مجموعة من رجال الأعمال «المتوحشة» التى لا تعترف بذلك، وهؤلاء لن يقبلهم المجتمع بكل أطيافه ولن يحميهم الدستور أو السلطة بعد ذلك، بحسب العضو المؤسس للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى. ف«من يريد أن يعمل بيزنس فى مصر يجب أن يدفع ضرائب تصب فى صالح الطبقات التى طالما عانت من المزايا التى استفاد منها رجال الأعمال على مدار الثلاثين السنة الأخيرة»، يقول سليمان. فيما يرى طارق توفيق، رئيس مجلس إدارة شركة فارم فريتس، وعضو غرفة الصناعات الغذائية، أن الاتجاه الاقتصادى فى مصر بعد الثورة لا يزال غير واضح، مشيرا الى أن العدالة الاجتماعية التى نص عليها الاعلان الدستورى الجديد يجب ألا تتحول الى شعار لاسترضاء الشعب وان يتم صياغة منظومة اقتصادية سليمة قادرة على تحقيق هذا الهدف. «العدالة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الحر، ولكنها حلقة لكل مساهم فيها دور وليس فقط القطاع الخاص. فالعدالة لا تتحق فقط بزيادة الضرائب المفروضة على رجال الاعمال، بل إيجاد بيئة تشجعهم على ضمان استثماراتهم وأرباحهم. وحينئذ لن يبالوا بدفع ضرائب أكثر»، بحسب توفيق. ويدلل رئيس مجلس إدارة فارم فريتس على كلامه باتجاه المستثمرين الى الصين والهند برغم ارتفاع تكلفة الاستثمارات نتيجة تدهور البنية الأساسية، و«لكنهم يشترون المستقبل، ففى هذه الدول، كلما زادت تكلفة الاستثمار، زادت الاعفاءات، ومن ثم فهم يضمنون مستقبل اعمالهم، وأرباحهم، ولا يبالون بما يدفعونه لأنهم واثقون من تحقيق فائدة أكبر، وهذا ما تفتقده مصر»، بحسب توفيق، مشيرا إلى أن إعداد بنية سياسية واقتصادية مستقرة وواضحة سيشجع رجال الأعمال والقطاع الخاص على ضمان أوضاع اعمالهم فى مصر، ليضخوا مزيدا من الاستثمارات. «هذه هى الاداة الأصح لزيادة موارد الدولة»، بحسب قوله، موضحا ان هذا لا يعنى اعتراضه على ضرورة تحمل القطاع الخاص فاتورة عادلة من الضرائب. و«لكننا نحتاج إلى دور رقابى جيد لضمان هذا، فحين كان مطبقا نظام الضرائب التصاعدية، كانت حصيلة الضرائب ضعيفة جدا لتهرب العديد منها».