نعيش اليوم لحظات تاريخية مميزة تبشر بولادة الامة من جديد لتعود للفعل في العالم وتكون شهيدة على الناس. الثورات المتواصلة والملتحمة مع بعضها البعض والمشكلة لثورة كبرى تبشر بتحول كبير يلوح في الافق لصالح القيم العليا التي يمثل الله منبعها جميعا. ثورة كبرى تقوم بدور النجم الثاقب الذي يبدد ظلاما قد طال، ويمنح الامة ما تحتاجه من طاقة تمكنها من العودة الى الفعل في العالم من جديد، ومنح ما يحتاجه ذلك الفعل من وجهة تمكن الاجتماع البشري ان يقترب من الله، منبع القيم العليا جميعا وقبلة الوجود كله. انها لحظات تذكر بما ذهب اليه العلامة عبد الرحمن بن خلدون عليه رحمة الله وهو يحاول ان يصف التحولات الكبرى الخارجة عن المقدمة: "و إذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله و تحول العالم بأسره و كأنه خلق جديد و نشأة مستأنفة و عالم محدث." تقدم سورة الطارق نظرة عن تحرك الإنسان نحو تحققه. وذلك في لحظات يخيم شبح الموت فيها على الاجتماع البشري وقد صار لا يرى إمكانية لمواصلة حركته. ترمز السماء إلى عالم متعالي يمد الإنسان بالمعنى – النور الذي يحتاج وهو يتحرك داخل المجهول ليؤمن رحلته وسيره المشترك نحو الأعلى. ويرمز الطارق كذلك الى بشرى انتهاء ليل قد عسعس. كما أن هناك إيحاء أن التحولات الكبرى في المجال البشري ، الباحثة عن عودة الحياة والحركة للاجتماع البشري تحتاج إلى طاقة هائلة حتى تبدد الظلام الحالك الذي افقد الوجهة. هنا النجم الثاقب هو تلك الطاقة، والتي تذكر كذلك بالشمس وضحاها، وكذلك تذكر بالصبح إذا تنفس. هنا رمزية عالية تمكن تعطي فكرة عن دور الوحي في حركة الوجود الكبرى. هي لحظة تعطل للحركة ناتج عن عجز ما هو متوفر من مرجع للمعنى لمنع فساد ظهر بالبر والبحر. الظهور هنا يعكس الغلبة كذلك -فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (الصف ، آية 14)-. هي لحظة تبلى فيها السرائر حيث اليأس القاتل وقد أحاط بالإنسان من كل جانب. يقدم القرآن صورة كونية أخرى حتى يعود الأمل للإنسان فالسماء هنا هي ذات رجع والأرض ذات صدع. السماء والرجع يجعل الأرض حية بعد موتها. يحافظ القرآن على نفس المصطلح وهو يتوجه إلى الإنسان وقد تدخلت السماء لتمكينه من مرجع الوجهة لمرحلة الختم: انه على رجعه لقادر. ليس هناك نهاية للتاريخ إذا ما دام هناك إنسان. ذلك ان الموت الذي يصيب مجتمعا بشريا ما عند أزمات التحقق ليس حجة تعتمد على عدم تمكن الاجتماع من جديد من مواصلة سيره عندما يتم مده بما يحتاج من السماء من مرجع للوجهة تجعل حركته داخل عالم الفعل ممكنة ومحافظة على الحياة. وكما تتمكن الامة اليوم رويدا رويدا من الانهاء مع الفساد العربي جميعا، فإنها بعودتها الفاعلة في العالم ومنحها الفعل ما يحتاج من وجهة تمسح بتحرك السير المشترك للاجتماع البشري نحو الاعلى، فان الامة كذلك تحرر العالم من سجن نهاية التاريخ التي يريد الماديون فرضها على الانسان وقد غيبت الفلسفة المادية عظمته. والامة كذلك بعملها المتواصل لخلق مناخ تتعارف فيه البشرية وتتوحد حول القيم العليا، تستطيع ان تنهي مع مناخ صراع الحضارات، الذي تفرضه فلسفة الانترست. تلك الفلسفة التي تخضع القيم للنفعية