قبل فتح باب حجز شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. الأوراق المطلوبة والشروط    الغرفة التجارية: زيادة الطلب سبب ارتفاع أسعار السيارات    الرقابة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي تفرض حظر نشر حول هجوم حزب الله الصاروخي    وزير الخارجية يلتقى المفوض السامي لحقوق الإنسان بنيويورك (صور)    عاجل - غلق قناة الجزيرة برام الله بعد اقتحام مكتبها    مبابي يحقق إنجازًا فريدًا مع ريال مدريد    والد أشرف داري: جاهزية اللاعب للمشاركة في السوبر الإفريقي أمام الزمالك    موعد مباراة برشلونة ضد فياريال والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    بعد تعرضها لأزمة صحية مفاجئة.. 7 معلومات عن الفنانة آثار الحكيم    أحمد سعد يعلن عودته لزوجته علياء بسيوني (فيديو)    «الصحة»: متحور كورونا الجديد غير منتشر والفيروسات تظهر بكثرة في الخريف    أفشة: مبروك الدوري يا أهلي    عاجل- تصعيد صاروخي غير مسبوق من حزب الله.. والملاجئ تمتلئ ب 300 ألف إسرائيلي    حبس مهندس بالتعدي على سيدة بالسب وإحداث تلفيات بسيارتها بمدينة نصر    ليبيا.. رجل يسرق 350 ألف دينار من منزل حماته لأداء مناسك العمرة    زلزال بقوة 6 درجات يضرب الأرجنتين    أسامة عرابي: لاعبو الأهلي يعرفون كيف يحصدون كأس السوبر أمام الزمالك    حبس تشكيل عصابي تخصص في تصنيع المواد المخدرة    ثقف نفسك | 10 معلومات عن النزلة المعوية وأسبابها    عاجل- أمطار ورياح.. تحديثات حالة طقس اليوم الأحد    أحمد فتحي يوجه رسالة مؤثرة إلى جماهير الأهلي بعد اعتزاله.. ماذا قال؟    حزب الله يستخدم صواريخ «فجر 5» لأول مرة منذ عام 2006    إسماعيل الليثى يتلقى عزاء نجله بإمبابة اليوم بعد دفن جثمانه ليلا بمقابر العائلة    أمامك اختيارات مالية جرئية.. توقعات برج الحمل اليوم ألحد 22 سبتمبر 2024    بعد ارتفاعها 400 جنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    الآن.. رابط نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها رسميًا (استعلم مجانًا)    نتنياهو يدعو بن غفير وسموتريتش لمشاورات أمنية عاجلة    احتفالية كبرى بمرور 100سنة على تأسيس مدرسة (سنودس) النيل بأسيوط    أضف إلى معلوماتك الدينية | حكم الطرق الصوفية وتلحين القرآن.. الأبرز    اليوم.. محاكمة مطرب المهرجانات مجدي شطة بتهمة إحراز مواد مخدرة بالمرج    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 سبتمبر بعد الانخفاض بالبنوك    الموزب 22 جنيهًا.. سعر الفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 22 سبتمبر 2024    مش كوليرا.. محافظ أسوان يكشف حقيقة الإصابات الموجودة بالمحافظة    كلاسيكو السعودية.. الهلال يضرب الاتحاد بثلاثية معتادة    مواجهة محتملة بين الأهلي وبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال إفريقيا    صيادلة المنوفية تُكرم أبنائها من حفظة القرآن الكريم    نشأت الديهي: الدولة لا تخفي شيئًا عن المواطن بشأن الوضع في أسوان    مختارات من أشهر المؤلفات الموسيقى العالمية في حفل لتنمية المواهب بالمسرح الصغير بالأوبرا    محمد حماقي يتألق في حفل بالعبور ويقدم «ليلي طال» بمشاركة عزيز الشافعي    نشأت الديهي: الاقتصاد المصري في المرتبة ال7 عالميًا في 2075    وزير الخارجية: نرفض أي إجراءات أحادية تضر بحصة مصر المائية    «موجود في كل بيت».. علاج سحري لعلاج الإمساك في دقائق    اندلاع حريق بمحال تجاري أسفل عقار ببولاق الدكرور    الصين وتركيا تبحثان سبل تعزيز العلاقات    محافظ الإسماعيلية يناقش تطوير الطرق بالقنطرة غرب وفايد    خبير يكشف عن فكرة عمل توربينات سد النهضة وتأثير توقفها على المياه القادمة لمصر    شاهد عيان يكشف تفاصيل صادمة عن سقوط ابن المطرب إسماعيل الليثي من الطابق العاشر    احذر تناولها على الريق.. أطعمة تسبب مشكلات صحية في المعدة والقولون    نشرة التوك شو| انفراجة في أزمة نقص الأدوية.. وحقيقة تأجيل الدراسة بأسوان    خبير لإكسترا نيوز: الدولة اتخذت إجراءات كثيرة لجعل الصعيد جاذبا للاستثمار    د.حماد عبدالله يكتب: "مال اليتامى" فى مصر !!    5 أعمال تنتظرها حنان مطاوع.. تعرف عليهم    قناة «أغاني قرآنية».. عميد «أصول الدين» السابق يكشف حكم سماع القرآن مصحوبًا بالموسيقى    المحطات النووية تدعو أوائل كليات الهندسة لندوة تعريفية عن مشروع الضبعة النووي    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بين غياب العدالة وموت الضمائر
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 03 - 2011

بجانب أن مصر واحدة من أقدم الحضارات فى العالم، فقد كانت أول دولة فى التاريخ تعرف الدولة بمفهومها الحقيقى كأجهزة إدارية وتنفيذية تخضع لإرادة الحاكم.. وكانت مصر من أعرق وأقدم الدول المركزية التى عرفت مسئولية الإدارة، وربما كان السبب فى ذلك أن دول الأنهار عادة كانت الأقدم فى معرفة الحكومات حيث الاستقرار على ضفاف النهر وحيث الدفاع عن الأرض والوطن وحيث مواسم الحصاد والزراعة والفرعون الآله والجيوش التى تحارب..
كان الانضباط أحد السمات الرئيسية فى الشخصية المصرية ولا يعنى الانضباط بالضرورة الخضوع لإرادة الحاكم، ولكن التداخل بين الحاكم والإله كان دائما يترك ظلالا من الطاعة على الشخصية المصرية فى العهود القديمة.. عرفت مصر نظام الدولة والحكومة والفرعون والوزير والشعب وسجل القدماء كل هذا على جدران المعابد ابتداء بشكوى الفلاح الفصيح وانتهاء بتقديس النيل مصدر الحياة والرخاء ومواسم الحصاد والفيضان..
كانت هذه بعض سمات الإنسان المصرى فى قديم الزمان.. إنه الإنسان الذى يقدر قيمة العمل يزرع وينتظر الحصاد ويعرف قيمة الاستقرار على شاطئ النهر.. وفى الأيام الأخيرة ظهرت على السطح منظومة غريبة للفساد اجتاحت مصر كلها ولا أحد يعرف كيف تسللت للمجتمع المصرى وأطاحت بكل الثوابت فيه.. حتى قيام ثورة يوليو كان الوزير يبيع ما يملك لكى ينفق من ماله على المنصب وما أكثر الوزراء الذين دخلوا الوزارة وهم يملكون مئات الأفدنة من الأراضى الزراعية ثم خرجوا منها وقد باعوا كل ما يملكون.. وكان المنصب فى مصر مسئولية وطنية واجتماعية وإنسانية ولم يكن فقط مجرد مظهر اجتماعى رفيع.. ولكن التحول المخيف فى الواقع المصرى فى أيامنا جعل الوزير يدخل الوزارة وهو لا يملك شيئا ويخرج منها وقد شيد القصور.. وأصبح مضاربا فى البورصة وتاجرًا فى الأراضى ومطاردًا للصفقات من كل لون.. بعض الوزراء عندنا دخلوا الوزارة لا يملكون شيئا على الإطلاق ثم خرجوا منها بمئات الملايين.. إن الأغلبية منهم عرفت طريقا واسعا للمال الحرام فجمعت مئات الملايين بل المليارات فى سنوات قليلة.
اختلط المال العام بالمال الخاص فى مصر ولم يعد الوزير يفرق بين مال الدولة وأمواله الخاصة وبجانب أنه كان ينفق بسخاء وبذخ فإنه كان حريصا على أن يجمع ثروة طائلة من المنصب بكل وسائل النهب والتحايل.. ولم يكتف الوزير بنفسه ولكنه كان يجمع حوله عصابة من المستفيدين من الموظفين ورجال الأعمال والإعلاميين والصحفيين والأفاقين والمستشارين وكذابى الزفة.. ومع الوزراء تشكلت طبقة جديدة من المستفيدين الذين شكلوا فريقا من المنتفعين.
فى الأيام الأخيرة ظهرت قوائم غريبة حول تخصيص الأراضى وشهدت أرقاما وتجاوزات خطيرة لقد كتبت عن الكثير منها ولكننى اكتشفت أن الحقيقة أكبر من كل ما عرفت أو كتبت.. لا أحد يصدق أن يحصل أحد رجال الأعمال على 15 مليون متر مربع من الأراضى فى الساحل الشمالى.. ولا أحد يصدق أن يحصل عدد من المسئولين على 26 ألف فدان فى العياط أو يحصل أمير عربى على 100 ألف فدان فى توشكى بسعر 50 جنيها للفدان الواحد أى أقل من عشرة دولارات.
لا أحد يصدق المليارات التى حصل عليها رجال الأعمال والوزراء فى صفقات بيع الأراضى والمصانع والوحدات الإنتاجية ويكفى أن رجل أعمال واحدا كان صديقا للأسرة الحاكمة حصل على أربعة مليارات دولار كعمولة لصادرات الغاز لإسرائيل أى ما يعادل 24 مليار جنيه مصرى.. لا أصدق أن الدولة تنازلت راضية مرضية عن 100 مليار جنيه فى تسويات الديون المتعثرة لرجال الأعمال.
ولا أحد يصدق أن يحصل شخص واحد على 60 ألف فدان بسعر قرش واحد للمتر وأن يخصص وزير المالية السابق 70 مليون جنيه لتجميل وجه الحكومة وأن يحصل حماه اللبنانى الجنسية على أكثر من 500 مليون جنيه لطبع الإقرارات الضريبية وكأن مطابع مصر قد أغلقت أبوابها.
هذه المنظومة من الفساد التى تحميها السلطة ويشارك فيها أصحاب القرار دخلت بمصر الشعب والوطن والأرض إلى سرداب طويل من العفن الإدارى والسياسى ومع قيام ثورة 25 يناير تكشفت حقائق كثيرة عن كل هذه الجوانب فى الدولة المصرية إذا كانت هناك بالفعل دولة حقيقية.. لم تتوقف منظومة الفساد على الوزراء وكبار المسئولين الذين استباحوا حرمة المال العام ونهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم ولكن الفساد أخذ معه فى هذه الرحلة الطويلة أطرافا أخرى كثيرة.
لم يكن غريبا أن يدخل هذه المنظومة الفاسدة أعضاء السلطة التشريعية من مجلس الشعب ومجلس الشورى من أصحاب الحصانة.. وكان التداخل الشديد بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية من أكبر أبواب الفساد.. لم يكن غريبا أن نجد عددا كبيرا من الوزراء فى مجلس الشعب من خلال انتخابات مزورة.. وأن تدار الصفقات بين كبار المسئولين وأعضاء البرلمان وأن يكون جميع رؤساء اللجان التشريعية من رجال الأعمال وأن تتم صياغة القوانين طبقا لأجندة الفساد الحكومى ممثلا فى الوزراء والتشريعى ممثلا فى البرلمان.. وكان الأساس فى ذلك كله هو الحزب الوطنى بكل تراثه الطويل مع النهب والتحايل.
لم يكن غريبا أن تضم منظومة الفساد أيضا عددا كبيرا من المسئولين فى أجهزة الأمن حيث تداخلت المصالح بين الوزراء ورجال الأعمال والمسئولين عن الأمن وقد فتح ذلك أبوابا كثيرة لأعمال غير مشروعة فى الجمارك والضرائب والصادرات والواردات والأسواق وأسعار السلع والمضاربات وأموال البنوك.. اقتحمت مواكب الفساد كل هذه المناطق حين توّجها زواج باطل بين السلطة بكل فروعها ومستوياتها ورجال الأعمال وأعضاء مجلسى الشعب والشورى.. كنا نسمع عن نواب القروض ونواب المخدرات والتأشيرات والعلاج على نفقه الدولة.. وكنا نسمع عن الملايين التى يدفعها عضو مجلس الشعب للحصول على الحصانة.
لم يكن غريبا أن تختل منظومة الإدارة فى الدولة المصرية صاحبة أقدم حكومة فى التاريخ أمام فساد الذمم والانحرافات ونهب المال العام.. اختلت أساليب العمل الإدارى ولم يعد تقييم الأداء على أساس من التميز والتفوق والكفاءة ولكن الساحة فتحت كل أبوابها للأسوأ دائما فى العمل والأخلاق والسلوك.. ومن هنا وجدنا قائمة طويلة من الفاسدين والمفسدين تتصدر واجهة الجهاز الإدارى للدولة.. وهنا أيضًا تمت عملية توريث المهن الرفيعة للأجيال الجديدة من الأبناء حتى ولو كانوا دون المستوى عملا وأخلاقا وكفاءة وترتب على ذلك كله ضياع أموال الشعب وانتشار الرشوة والمحسوبية والتسلق والانتهازية.
كان من نتائج الفساد الإدارى أيضًا اختلال رهيب فى ثوابت المجتمع وأساسياته.. غابت قدسية القوانين وسيطرت أساليب الفهلوة والتحايل على سلوكيات المجتمع بما فى ذلك الأداء الحكومى نفسه ووجدنا مؤسسات الدولة تضرب عرض الحائط بأحكام القضاء ولا تعيرها اهتماما.. ووجدنا المواطن المصرى يلجأ إلى أساليب التحايل والعنف أحيانا للحصول على حق أو الهروب من المسئولية.. وكان من الصعب فى ظل هذا كله أن يسود منطق الحساب والمساءلة فقد أهدرت الدولة فى سلطاتها وأجهزتها كل قواعد الحساب ووضعت أجهزة الرقابة فى موقف لا تحسد عليه.. فى كل عام كان د. جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يخوض معركة دامية مع الحكومة فى مجلس الشعب.. ولم يكن غريبا أن يكشف التجاوزات ولا يسمعه أحد، ويشخص الأخطاء أمام المسئولين ولا يهتم أحد. وكانت هذه الظاهرة من أكثر الظواهر التى كشفت حجم الخلل فى أداء أجهزة الدولة المصرية.
حين فسدت الإدارة وغابت الرقابة وتداخلت المصالح والأدوار ما بين المسئولين بكل أطرافها تنفيذية وتشريعية وقضائية سقطت هيبة الدولة بكل جوانبها المعنوية ولم يبق أمامها غير استخدام جهاز الأمن فى القمع والردع والاستبداد.. وكان من نتيجة ذلك كله أن أصبحت الكلمة العليا فى كل شىء للأجهزة الأمنية.. ومن هنا كان حجم الدمار الذى شهده الشارع المصرى حينما انهارت قوات الأمن أمام ثورة الشباب فى 25 يناير وما لحق بها من التوابع.
سقطت هيبة الدولة تماما أمام انهيار المنظومة الأمنية التى كانت دائما تفتقد الحكمة والرحمة فى تعاملاتها وأساليبها مع المواطنين وكان تدمير جهاز أمن الدولة بكل إمكانياته وأدواته أكبر دليلا على ذلك.
لم يتوقف الفساد الإدارى عند هذا الحد ولكنه امتد إلى سلوكيات المواطن المصرى فلم يعد يفرق بين الحلال والحرام وبين ما يملك وما لا يملك وبين العمل الصالح والعمل الطالح ولم يعد يفرق بين حقه وحقوق الآخرين.. هنا أيضًا وأمام هذا الخلل الرهيب فى منظومة العمل الإدارى اختلت بالضرورة منظومة الواقع الاجتماعى بين المواطنين.
لم يعد النجاح طريق التفوق والتميز ولكن ظهرت جوانب أخرى منها الفهلوة والغش والتحايل وتبديل الأدوار والانتهازية وغياب الضمير.
اختفت منظومة القيم بكل ثوابتها وهنا غابت القدوة التى كانت تمثل النموذج والمرجعية فى سلوكيات الناس.. لم يعد الإنسان يحلم حسب قدراته ومواهبة ولكن العلاقات الاجتماعية أصبحت تحدد مكان الإنسان ومكانته.. ولم تعد القدوة ضرورة لأنها تمثل العبء الثقيل الذى لا توجد له ضرورة.. وغابت مقاييس التفوق فى العمل وأهمية الإنجاز والتميز.. واختفت أمام ذلك كله المواهب الحقيقية وتسلق الأدعياء والانتهازيون السلم الاجتماعى وأصبحوا فى أعلى الدرجات فيه.
ومع اختلال منظومة القيم وتراجع دور القدوة وسيطرة الأسوأ دائمًا على مقدمة الصفوف كانت لعنة المال هى أكبر وأخطر الأمراض التى اجتاحت حياة المصريين.. إن المال فى حد ذاته ضرورة لا غنى عنها لتأمين حياة البشر ولكن الأزمة الحقيقية كانت دائما هى وسائل الحصول عليه.. كان المصريون قد اعتادوا على مصادر الثروة التقليدية أرضًا أو تجارة أو مهنة وكان العمل أساس كل شىء.. ولكن ظهرت أساليب أخرى شيدتها منظومة الفساد الإدارى والخلل الاجتماعى وغياب القدوة وهى إمكانية الثراء بلا عمل أو جهد حقيقى.
أصبح من السهل أن تحصل على ملايين الجنيهات بتأشيرة من وزير مسئول فى تخصيص قطعة أرض تدفع فيها مبلغا هزيلا وتبيعها بالملايين قبل أن تترك مكتب هذا الوزير.. أصبح من السهل أن تضع عينك على سهم فى البورصة ونصيحة من أحد المسئولين فيها لتصبح مليونيرًا فى ضربة واحدة.. أصبح من السهل أن تكون شريكا مع أحد أبناء المسئولين الكبار ليفتح أمامك كل الأبواب.. كان غريبا أن يصبح كل أبناء المسئولين الكبار تجارا ويحملون لقب رجل أعمال.. فى كل شىء تجد هؤلاء الأبناء فى تجارة الآثار وبيع العملة وتجارة الأراضى والسمسرة، لا توجد صفقة كبيرة إلا وخلفها ابن مسئول كبير ولهذا كان السعى دائما للاقتراب من هؤلاء لأن لديهم المفتاح السحرى لكل شىء.
من يراجع الآن قائمة الأثرياء من أبناء الطبقة الجديدة فى مصر فسوف تجدهم فى ثلاثة مواقع.. إنهم كبار المسئولين والوزراء وأصحاب القرار.. أو أبناؤهم.. ومع هؤلاء رجال الأعمال فى جميع التخصصات ابتداء بتجارة الأراضى وانتهاء بتجارة السلاح والمخدرات.
وبعد ذلك تأتى طائفة ثالثة من موظفى المؤسسات الاقتصادية كالبورصة والبنوك والسياحة والأمن والإعلام ومن هؤلاء نجد مئات المستشارين ومئات السماسرة والتجار.
وبعد ذلك تجد من يسأل الآن هل كانت مصر بالفعل دولة تحكمها قوانين ومؤسسات وأجهزة إدارية تشريعا وتنفيذا ورقابة أم أنها كانت «عزبة» سقطت كل مواردها فى يد عصابة استباحت كل شىء فيها.
هل كانت لدينا بالفعل حكومة تعمل.. وكان لدينا برلمان يشرع ويحاسب.. وكان لدينا أصحاب قرار يدركون المسئولية..
هذه حكاية وطن عانى كثيرًا من غياب العدالة وفقدان الثقة.. وموت الضمائر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.