منح قرار الرئيس باراك أوباما إلقاء كلمة هنا الشهر المقبل، تشجيعا كبيرا لحليف كان قويا فى يوم من الأيام وازداد إحباطا بشأن النفوذ الإقليمى وعجزه عن أن يوضح لمواطنيه سبب بقائه ملتزما بعملية السلام التى فشلت فى تحقيق حياة أفضل للفلسطينيين. بعد ثمانية أعوام شعرت خلالها مصر بأنها لا تحظى بتقدير إدارة بوش وبأن تلك الإدارة تسىء معاملتها، ابتهج المسئولون المصريون لاختيار القاهرة الأسبوع الماضى لتكون المكان الذى يوجه منه الرئيس خطابه للعالم الإسلامى. وقد قالوا إن هذا يثبت أن مصر مازالت عاصمة العالم العربى ويخفف المخاوف من أن تضحية واشنطن بحلفائها العرب من أجل صفقة كبيرة مع منافسيهم فى إيران. وقد قال وزير الخارجية المصرى أحمد أبوالغيط: القاهرة هى أنسب اختيار فهى عاصمة الاعتدال فى الإسلام والعاصمة ذات الثقل الثقافى فى العالمين العربى والإسلامى. ومع ذلك فإن قرار أوباما مخاطبة الجمهور العربى الذى لديه قدر كبير من الشكوك من القاهرة تكثر فيه الألغام الأرضية المحتملة، طبقا لما يقوله المحللون السياسيون ودعاة حقوق الإنسان والمسئولون الحكوميون، فقد اختار دولة سلطوية توقفت فيها الإصلاحات السياسية والاقتصادية فى عهد الرئيس حسنى مبارك، القائم على رأس السلطة منذ نحو 30 عاما. وسوف تضع هذه العوامل بعض الضغط على أوباما كى يعالج قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان على الأقل. ويتسم رد فعل الحكومة المصرية بالغضب تجاه الضغط الخارجى، وغالبا ما يستشعر الشعب بصورة عامة بالنفاق عندما يدعو الزعماء الغربيون إلى الديمقراطية ثم يتشاركون مع الزعماء السلطويين. وقد قال أيمن نور المرشح السابق للرئاسة الذى أفرج عنه مؤخرا بعد قضاء أكثر من ثلاث سنوات فى السجن هنا بسبب ما تعد على نطاق واسع تهما مدفوعة بأغراض سياسية: إن وقوف أمريكا إلى جانب الأنظمة السلطوية هو ما خلق الإرهاب فى العالم العربى، وأن هذا هو ما قوى شوكة التطرف فى العالم العربى. ومع ذلك فإنه حتى قبل إثارة قضية حقوق الإنسان، سوف يتطلع الزعماء والناشطون المصريون إلى أوباما كى يعالج أولويتهم القصوى، وهى الصراع العربى الإسرائيلى، وإذا كان أوباما يرغب فى تحسين علاقة الولاياتالمتحدة مع العالم الإسلامى فإن تلك هى الخطوة الأولى كما يقول كثيرون هنا. وقد قالوا إنه كان هناك وقت ما تم إحرازه فيه من تقدم فى العملية كافيا. ولكنه لم يعد كذلك. الناس هنا يرغبون فى النتائج، وهو تحد جعل الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لأوباما بسبب التطورات الإقليمية الأخيرة: انقسام القيادة الفلسطينية، وتمكين الجماعات المسلحة مثل حزب الله وحماس، والغضب الذى طال أمده واتسع مداه بشأن العدوان الإسرائيلى على غزة، والسياسة العدوانية لإيران. ورغم ذلك يقول مسئولون هنا إنه سوف تكون هناك توقعات بأن يحدث أوباما تغييرات حقيقية، بدءا بجعل إسرائيل تجمد المستوطنات، وتفكك نقاط التفتيش، وتفتح المعابر المؤدية إلى غزة. قال دبلوماسى مصرى رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه طبقا للقواعد الدبلوماسية: «عملية السلام مستمرة منذ 18 عاما فمن هو ذلك الشخص العاقل الذى يظن أنها ستستمر 18 عاما أخرى؟ ترى مصر فى عملية السلام مفتاح معظم المشكلات الإقليمية، من مصداقيتها التى تلاشت إلى ما تراه تهديد إيران المتزايد، وقد حاول رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى التقى مبارك يوم الاثنين فى منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، الترويج لفكرة أن العرب والإسرائيليين والأمريكيين لهم عدو مشترك فى إيران ولابد أن يتحدوا أولا ضد هذا الخطر، وتوافق مصر على ذلك ولكن إلى حد معين. كما تؤكد مصر أنه لكى يتم ترويض إيران التى هى فى صراع معلن معها لابد من حل مسألة الدولة الفلسطينية أولا. وذكر مسئولون أنه مادام ذلك الصراع مستعرا، فسوف تتمكن إيران من تقويض موقف مصر بمهاجمة التزامها بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وقد كافحت مصر لإقناع شعبها والعرب فى أنحاء المنطقة بأن التزامها بالمعاهدة هو أفضل طريقة لمساعدة الفلسطينيين والحفاظ على أمن مصر القومى. وقال مبارك بعد لقائه نتنياهو: «أكدت على أهمية استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية من أجل إيجاد أفق سياسى واضح يتعامل مع قضايا الوضع النهائى ويؤسس دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل». لقد أوضحت مصر بالفعل أنها لن تستطيع البدء فى العطاء دون أن تأخذ،ويفسر ذلك سبب رفض مصر الصريح فى الأسبوع الماضى للمشروع الذى اقترحه مبعوثو واشنطن فى المنطقة والذى ناشد الدول العربية إسقاط مطالبهم الخاصة بحق عودة اللاجئين الفلسطينين إلى إسرائيل، وهو الرفض الذى تشاركها فيه بقية أعضاء جامعة الدول العربية الواحد والعشرين. وقال محللون هنا إن التنازلات سوف تؤدى فقط إلى تفويض موقف مصر بواسطة خصومها وعلى رأسهم إيران: وذكر هشام يوسف مدير مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه يأمل أن يوضح الرئيس أوباما خطة محددة عندما يتحدث فى القاهرة. وأضاف يوسف: «ليست المشكلة فى الحديث حول القضايا، بل إن المشكلة فى التغيرات التى تحدث على الأرض». ولكن حتى فى حال نجاح أوباما فى الترضية بشأن القضية الفلسطينية، فسوف يتعين عليه أن يخطو بحذر فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان والديمقراطية، ويعد هذا موضوعا محفوفا بالمخاطر، ويكاد يكون وضعا لا يتحقق فيه الفوز لأى طرف خارجى. فإذا ما ضغط على القاهرة من أجل قضية الحريات، فإنه يخاطر بتباعد الحكومة التى يحتاج إليها لأسباب استراتيجية، ويمكن أن يثير هذا أىضا غضب المصريين العاديين الذين ينفرون بطبعهم من أن يدلهم طرف خارجى على ما يفعلونه، ومع ذلك فإنه إذا لم يثر تلك القضايا فمن الممكن أن يؤخذ عليه تجاهله بسهولة لنقطة خطيرة. وقال عصام العريان المتحدث باسم الإخوان المسلمين: «لم نشهد أى التزامات أمريكية بتأييد الديمقراطية واحترام رغبات الشعب العربى والمسلم». و«الإخوان المسلمين» منظمة محظورة يتم التغاضى عنها وتعد الحركة المعارضة الوحيدة الحقيقية فى البلاد، وهى تؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية وأضاف العريان: «يمكن تلخيص المسألة بقياس المصالح الأمريكية بالقيم الأمريكية». وقال سعد الدين إبراهيم، وهو داعية ديمقراطى مصرى يعيش فى منفاه الاختيارى، بسبب تهديد الحكومة باعتقاله: إن هناك سبيلا ما للخوض فى قضية حقوق الإنسان، وقال إنه تحدث مؤخرا مع مستشارى أوباما واقترح أن يتناول الخطاب «البنية الأساسية للديمقراطية، التى تمثل بالنسبة لنا حكم القانون، واستقلال القضاء، وحرية وسائل الإعلام، والمجتمع المدنى المستقل والمساواة النوعية»، وأضاف: «إذا تم التأكيد على هذه الأمور الخمسة حتى دون الحديث عن الديمقراطية فى حد ذاتها، فسوف نكون، نحن الديمقراطيين فى البلدان غير الديمقراطية فى غاية السعادة».