محمود فوزي: الحوار الوطني سيناقش نظام الثانوية العامة الجديد    تجديد الخطاب الديني مهمة «الأزهري» الثقيلة في وزارة الأوقاف    مجاور: سأعمل علي عدة ملفات في شمال سيناء من بينها الاقتصاد    وفد جامعة بنها يقدم التهنئة لمحافظ القليوبية الجديد    ارتفاع كبير في أسعار الذهب في مصر اليوم    محافظ الدقهلية بعد جولة مفاجئة: لا تواجد لمسئول داخل مكتبه الجميع بالشارع    2721 مشروعا تنمويا لأصحاب الصناعات اليدوية للأسر الأكثر احتياجا بكفر الشيخ    «الأحمال» على كتف وزير جديد للكهرباء    مبادرة «ابدأ» تقتحم مجال صناعة السيارات بتطوير مصنع النقل الخفيف    الاحتلال استهدف سيارات الإسعاف برفح الفلسطينية    الأمم المتحدة تعرب عن القلق العميق إزاء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل    بيدري يقبل اعتذار توني كروس المتسبب فى إصابته ب يورو 2024    حظ إنجلترا حطم أعصاب سويسرا ..ساوثجيت أفلت من العقاب.. وأرنولد كتب النهاية السعيدة    يورو 2024 - مهاجم فرنسا جاهز لمواجهة إسبانيا    النني ينتظم في معسكر منتخب مصر الأولمبي    تطور جديد في حادث دهس عباس أبو الحسن لسيدتين بالشيخ زايد    ضبط ديلر الطالبية وبحوزته كميات من المواد المخدرة بالجيزة    "استخراج الآن" رابط نتائج البكالوريا 2024 سوريا عبر موقع وزارة التربية وتطبيق نتائج الامتحانات moed.gov.sy    وزير الثقافة يعقد اجتماعًا موسعًا مع رؤساء الهيئات والقطاعات التابعة للوزارة    عمرو الفقي يشيد بالتعاون المصري السعودي لتعزيز المحتوى العربي    «جرش» يدعم فلسطين    القاهرة الإخبارية: أكثر من 2000 إسرائيلى يتظاهرون فى تل أبيب لإقالة نتنياهو    نشوى مصطفى تطمئن جمهورها على حالتها الصحية بعد تعرضها لحادث    التحالف الوطنى للعمل الأهلى يهنئ الشعب المصرى بالعام الهجرى الجديد    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الأمل أحد أهم الدروس المستفادة من الهجرة النبوية    أمين الفتوى: سيدنا النبي في هجرته المباركة علمنا عدم إنكار دور المرأة    تسجيل 225 إصابة بالحمى النزفية في العراق خلال 6 أشهر    سيناء.. بوابة مصر الشرقية ودرعها الواقي على مر الزمن    «ملحمة البرث».. 7 سنوات على معركة البطولة والصمود    فرمان الخطيب يحسم مصير عمرو السولية في الأهلي    بسبب 0.02 من الثانية.. فريدة عثمان تُعلن غيابها عن أولمبياد باريس 2024    تغيير كسوة الكعبة المشرفة مع بدء العام الهجري الجديد.. تزن 1350 كيلوجراما    وزير الخارجية البريطاني الجديد: نرغب في اتخاذ موقف متوازن تجاه إسرائيل وغزة    غدا.. انقطاع مياه الشرب عن مدينة القناطر الخيرية لمدة 7 ساعات    رغم فقد بعض المكاسب.. البورصة تصعد 0.84% بختام تداولات اليوم    رئيس جامعة المنوفية يعتمد نتيجة تراكمي بكالوريوس كلية التربية النوعية بنسبة 91,74%    فارسكور تشهد الاستعدادات النهائية لختام ورش "مصر جميلة"    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل صديقهما بسبب سرقته شقة بحدائق القبة    رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 2024.. وموعد الإجازة الرسمية في السعودية للعام الهجري الجديد    تنسيق الثانوية العامة 2024.. مؤشرات قبول زراعة المطرية للحاصلين على الشهادة الإعدادية    الوداد المغربي يقترب من التعاقد مع موكوينا    نائب وزير الصحة يتفقد مركز صحة الأسرة بالحي الثالث بمنطقة بدر الطبية    في يومها العالمي.. أهم الفوائد الصحية للشوكولاتة    أوكرانيا: مقتل وإصابة 10 أشخاص في هجمات روسية على دونيتسك    وزير الخارجية والهجرة يتلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره القبرصي للتهنئة بتوليه منصبه الجديد    حازم مبروك عطية: الهجرة النبوية الشريفة تعلمنا درسا هاما فى حب الوطن    «الصحة»: انطلاق المرحلة الثانية من المسح الميداني المجاني للكشف المبكر عن البلهارسيا والطفيليات المعوية    شعبة الخضروات: موسم المانجو يبدأ مبكرا هذا العام والأسعار في المتناول    «أثناء عبورها الطريق».. تفاصيل دهس سيدة عند كوبري أحمد عرابي    في أولى جولاته.. محافظ أسيوط يتفقد سير العمل بمستشفى الرمد للعيون    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 45 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    صعود نجم كامالا هاريس يهدد آمال بايدن في الانتخابات الأمريكية.. هل ينسحب؟    آلاف المسلمين التايلانديين من 45 محافظة تايلاندية يلتقون شيخ الأزهر في بانكوك    رأس السنة الهجرية.. ما حكم التهنئة بقدوم الأعوام والشهور والأيام؟    امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرف حل امتحان الكيمياء وراجع إجاباتك    حقيقة وفاة لاعبين اثنين من اتحاد طنجة المغربي.. جرفتهما الرياح أثناء السباحة    شاهد بالبث المباشر منتخب البرازيل اليوم.. مشاهدة منتخب البرازيل × الأوروجواي Twitter بث مباشر دون "تشفير" | كوبا أمريكا 2024    أحمد دياب يكشف تفاصيل ما حدث لأحمد رفعت لاعب مودرن سبورت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نحمى الثورة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 03 - 2011

لأن ثورة مصر، بعد ثورة تونس ومعها، قد فتحت أبواب الأمل بعودة الروح إلى شعوب الأمة العربية جميعا لكى تنهض فتنجز المهمات التى كانت تبدو مستحيلة فى ظل حكم الطغيان الذى دمر الحاضر العربى أو كاد، يرى كل عربى أن من حقه المشاركة فى الحوار الخصب الذى يدور فى القاهرة وسائر أنحاء المحروسة حول «الدولة» و«النظام» وحقوق المواطن فى وطنه التى كانت ولا تزال مختطفة أو مصادرة فى معظم أرجاء الأرض العربية الفسيحة.
لهذا جئنا إلى القاهرة، وقصدنا «الميدان» الذى صار قبلة المناضلين من أجل حقوقهم فى أوطانهم، محمولين على أمواج الفرح واللهفة وشىء من الخوف على الثورة الوليدة، والتعرف إلى من صنع المعجزة التى لم نكن لنتخيل إمكان إنجازها حتى فى أحلامنا.
من المطار إلى المطار واكبتنا أسئلة القلق التى حملناها معنا فى صدورنا والعقول حول قدرة الثورة الفتية على إنجاز المهمات الثقيلة، وأخطرها رفع ركام النظام الذى أسقطته الجماهير التى كانت مغيبة فحضرت، ثم مواجهة مسئوليات بناء نقيضه المرتجى.
وفى لقاءاتنا التى شملت مفكرين وكتابا ورجال أعمال وزملاء صحفيين وبعض شباب الثورة استمعنا إلى أسئلة أكثر مما تلقينا أجوبة. كان الكل يسأل، وكان شىء من القلق يفرض نفسه على النقاش الدائر فى المساحة الواسعة للتمنيات.
فى الصحف وبرامج التليفزيون وتصريحات المسئولين كان الموضوع المركزى للنقاش حول المشكلات الموروثة أساسا أو المستولدة حديثا: الخوف من الثورة المضادة التى تطارد حلم التغيير فى مختلف المجالات وبأقذر الأسلحة، من الطائفية إلى التخريب الأمنى فإلى الشائعات التى تسمم المناخ وتفسد على أهل الثورة فرحهم بالإنجاز التاريخى.
كان أخطر الأسئلة: كيف تحمى «الدولة» وأنت تهدم «النظام»، خصوصا أنك لا تملك مشروعا متكاملا أو تصورا محددا للنظام الجديد الذى تراه ملبيا لطموحاتك... خصوصا أن «الميدان» كان يرى ويريد من إسقاط النظام حماية الدولة وإعادة الاعتبار إلى مواطنيها والى حقهم فيها؟.
.. ويكاد هذا السؤال ذاته يملأ الأفق فى تونس التى لا يزال ثوارها يضغطون برفض من لا يريدون وما لا يريدون أكثر مما يحددون خطتهم لإعادة بناء «دولتهم» الجديدة. ونفترض أنه يفرض نفسه على المعتصمين فى ميادينهم فى اليمن، وعلى الطامحين إلى التغيير فى الجزائر، أما المنتفضون فى ليبيا بقوة السلاح من أجل حقهم فى بلادهم فلهم الله والقرارات الدولية التى لم تنقذ مرة شعبا من الطغيان، بل إنها كانت فى الغالب الأعم، تمالئ أنظمة الطغيان التى تحظى بدعم «الدول» صاحبة القرار فى مجلس الأمن، والتى تتقدم مصالحها بطبيعة الحال على حقوق الشعوب فى أوطانها وفى بناء دولها بما يتناسب مع طموحاتها.
ومع اختلاف الظروف فى «الدول» العربية التى مسخ الطغيان مؤسساتها أو دمرها بالفساد والنهب المنظم، وحول الانتخابات إلى استفتاءات يتحكم بنتائجها جهازه البوليسى المغطى دائما بقشرة من النفاق السياسى بحيث لا ينجح فيها إلا مستنبتات أهل النظام من رجال الأعمال الذين يظهرون فجأة وينخرطون فى شبكة المصالح التى تأخذ إلى «الخارج» القوى، فإن المشكلات التى تواجه الثورات والانتفاضات العربية وهى تحاول إعادة بناء دولها تكاد تكون واحدة: أين النموذج الذى نعتمده ونتخذه هدفا لنضالنا من أجل الغد الأفضل.
ولأن النموذج الأمريكى يتبدى من خارجه، باهرا بمؤسساته الديمقراطية وقدراته الهائلة على تجديد الواجهة الجاذبة، بينما النموذج الاشتراكى قد وجد نهايته المحتومة فى عجزه عن التجدد وتحول أنظمته التى يفترض أن تحقق العدالة وتكافؤ الفرص والقدرة على الإنجاز إلى دكتاتوريات معادية لأساس وجودها (الفكرى) ولطموحات شعبها، وإلى أنظمة شبه ملكية لا يتبدل رأسها إلا بالموت أو بالانقلاب من داخل الحزب القائد.
ولان مسألة الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص تتقدم على كل ما عداها فى لحظة الزهو بانتصار الثورة على نظام الطغيان.
ولأن التركيز على الداخل يشغل عن الانتباه إلى ما يدبر فى الخارج، من محاولات لاحتواء الثورة بما يضمن ابتعادها عن «التطرف»، سواء أكان «إسلاميا» يأخذ إلى «الإرهاب»، أو مغاليا فى وطنيته إلى حد الارتطام بواقع الاحتلال الإسرائيلى للأرض العربية فى فلسطين وما حولها.
ولأن جيل الثورة مهتم بإعادة بناء دولته بما يتناسب مع طموحاته، وبالتالى فلا يريد لأية مسألة أخرى أن تشغله عن هذه المهمة.
لكل ذلك ينهمك جيل الثورة بهموم الداخل، مرجئا الالتفاف إلى الخارج فى انتظار أن ينجز إقامة دولته الحديثة، القوية والعادلة، الموحدة والقادرة على تمكينه من أن يعيش حياته فى مناخ من الحرية.
لكن «الخارج» ليس بعيدا إلى هذا الحد، بل إنه فى «الداخل» يتابع ويحاول احتواء الثورة، إن لم يكن بالتخريب فبالغواية وتقديم النموذج الفذ للنظام الأمريكى، وكأنه التجسيد الحى للديمقراطية وكرامة الإنسان... فى حين أن هذا النظام ذاته كان هو الراعى والحامى وموفر الذرائع لإدامة نظام الاستبداد الذى نجحت الثورة فى خلعه.
لقد ظل نظام صدام حسين تحت الرعاية الأمريكية لعقدين أو يزيد: ارتكب المذابح ضد شعبه فى الداخل شمالا وجنوبا، نظم قوائم الإعدام المتتالية بحق رفاقه فى حزبه وكبار الضباط فى جيشه، وقاتل إيران الثورة لثمانى سنوات طويلة مستنزفا العراق وسائر دول النفط العربى.. وهو لم يفقد هذه الرعاية إلا حين قام بمغامرته الجنونية بغزو الكويت، فحق عليه العقاب. ومع ذلك لم تتحرك الإدارة الأمريكية لإسقاطه إلا من ضمن خطتها لفرض هيمنتها على المنطقة العربى جميعا (ودائما بالشراكة مع العدو الإسرائيلى) عبر الاستغلال المتواصل لضرب مقاتلى القاعدة البرجين فى نيويورك، والتى لم يكن من بينهم أى عراقى!
وها هو النظام اليمنى يقاتل ضد شعبه منذ سنتين وأكثر فلا يفقد الرعاية الأمريكية، بل إن الإدارة الأمريكية لا تخجل من الادعاء أنها تحميه لأن بديله المرتقب سيتمثل فى سيطرة «القاعدة» على اليمن، وكأنما «القاعدة» تملك الجيوش والأساطيل والإمكانات لحكم بلد شعبه لا يجد ما يمكنه من العيش بكرامة إلا إذا رهن نفسه لإرادة الطغيان فمن عليه بوظيفة لا فرق بين أن تكون مدنية أو عسكرية المهم أن تقيم الأود..
وها هو نظام البحرين التى حول شيخها نفسه إلى ملك، فى غمضة عين، والذى بادر إلى تقديم الجزيرة قاعدة للأسطول الأمريكى مباشرة بعد جلاء الاحتلال البريطانى عنها، لا يهتم كثيرا للنصائح الأمريكية بضرورة اعتماد الديمقراطية ولو ملطفة ومخففة، بل يندفع بوعى إلى تحويل المسألة الوطنية إلى اقتتال طائفى، مستغلا الصورة المضخمة للخطر الإيرانى على دول الجزيرة والخليج العربى.. مع التذكير بأن شعب البحرين، بأكثريته الشيعية، قد رفض وعبر استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة الانضمام إلى إيران الشاه أو التنكر لهويته الوطنية وانتمائه الثابت إلى أمته العربية.
بالمقابل فإن الاحتلال الأمريكى للعراق الذى ورث الحكم عن طاغيته صدام حسين لم يبن النظام الديمقراطى فى أرض الرافدين، بل إنه تسبب فى كارثة إنسانية عز مثيلها، ذهب ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين فضلا عن تشريد بضعة ملايين منهم خارج وطنهم، معظمهم فى دول الجوار، أما أغنياؤه فقد اختاروا اللجوء إلى حيث وظفوا ملياراتهم فى استثمارات داخل الولايات المتحدة وبريطانيا أو فى جوارهما.
باختصار فإن الديمقراطية الأمريكية، وبغض النظر عن بريقها، للأمريكيين، ومن المهين لكرامة أى شعب حقيقى أن يعلن فشله فى بناء نظامه الديمقراطى إلا على أيدى الأمريكيين أو بناء على نصائحهم.
●●●
عدنا من القاهرة مشبعين بالأمل، فأنديتها ومقاهيها فضلا عن مكتباتها وصحفها وإذاعاتها المسموعة والمرئية، تمور بالنقاش الصحى والحوار المفتوح حول «الدولة الجديدة» التى يريد شعب مصر أن يبنيها بإرادته الحرة وبامكانات وطنه الغنى إذا ما حفظت ثروته لأبنائه، وإذا ما تحقق الأمل فى إقامة نظام ديمقراطى يلبى طموحات المصريين، ويكمل إنجازهم الوطنى فيحوله إلى نموذج قابل لاعتماده فى سائر الأقطار العربية التى أطال قهر الطغيان تغييب شعوبها عن القرار فيها.
وتاريخ النضال الوطنى الديمقراطى فى مصر عريق، والخبرات المؤهلة لصياغة ما يطمح اليه فتية الميدان المعبرون عن ضمير وطنهم تستطيع إنجاز الهيكلية الدستورية للنظام الجديد الذى يبنى الآن تحت رقابة شعبية مباشرة يشارك فيها الملايين.
المهم حماية الثورة باستكمال التخلص من بواقى النظام ومؤسساته التى كانت تؤمن استمراره بالزور والتزوير والقمع المنهجى وتهجير الكفاءات أو شطبها من دائرة التأثير، والحجر على الفكر حتى لا يرتفع صوت بالاعتراض على الطغيان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.