"الله وحده أسقط الجهاز"، "يا ثوار يا ثوار.. أمن الدولة خلاص انهار"، انطلق هذا الهتاف عقب سقوط مقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر، مساء أمس السبت، في يد الثوار، وسجد أعضاء وكوادر الجماعات الإسلامية شاكرين، ودخل بعضهم في نوبات بكاء شديدة. في الرابعة تجمع المئات من المتظاهرين، وتجمهروا أمام مقر الجهاز بمدينة نصر، مطالبين بحله، حاملين لافتات تندد بجرائمه، ورددوا شعارات: "أمن الدولة يا أمن الدولة.. احنا الأمن واحنا الدولة". وكان من اللافت أن معظم المتظاهرين من كوادر الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والسلفيين، قالوا: "لنا ثأر عند ضباط هذا الجهاز، تم تعليقنا في هذا المبنى لأيام، واحتجزنا في زنازين لا تصلح لكلاب الحراسة، وتم تهديدنا بالاغتصاب، وعندما ذكرنا ضباط الجهاز بحساب الله، قالوا لنا احنا كفرة". في الرابعة والنصف تقريبًا فوجئ المتظاهرون بخروج أربع سيارات محملة بكميات ضخمة من الأوراق والملفات المفرومة ومغطاة بالحجارة، وهو ما أثار غضبهم وأصروا على اقتحام المبنى وإنقاذ ما تبقى من مستندات تدين الجهاز وضباطه، وسمح لهم الجيش بالدخول بعد أن تراجعت إحدى المدرعات التي كانت تغلق البوابة الرئيسية. دخل المتظاهرون بحثًا عن المستندات وأجهزة التعذيب، وشكلوا لجانًا شعبية تجولت في مباني مقر الجهاز بصحبة الجيش؛ تم على إثرها تجميع كل ما تم العثور عليه في حديقة المبنى انتظارًا لوصول النيابة العامة لتتحفظ على المستندات. وقال خالد تركي، أحد الشباب: "دخلنا المكاتب فور اقتحام المبنى، ووجدنا أوراقًا متعلقة بحادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية، بالإضافة إلى أوراق باعتمادات مالية ضخمة للواءات في الجهاز، ملفات لكل بني آدم في مصر، رصد لكافة التحركات التي حدثت يوم تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، كل الرسائل البريدية التي ترسل عن طريق الإيميل، وملفات لا حصر لها للجماعات الإسلامية". "أكوام الغنائم" التي جمعها المتظاهرون حوت عددًا من "هاردات" لأجهزة الكمبيوتر الموجودة بمكاتب أمن الدولة، وصورًا لمعتقلين بمختلف الأعمار تم تعذيبهم، فضلا عن أجهزة الصعق الكهربائي، وآلاف المستندات والتقارير، وأشرطة الفيديو. "يا رجالة ما تتعبوش؛ نفسكم احنا فتشنا مكاتب كثيرة.. الورق كله مفروم ومحروق.. ومافيش حاجة مهمة.. احنا سلمنا أجهزة التعذيب للجيش والنيابة هاتحقق في كل اللي حصل"، كانت تلك محاولة من أحد المتظاهرين لإقناع الآخرين بعدم دخول المبنى، بعد أكثر من 3 ساعات قضاها بعض المتظاهرين في التجول بمكاتب أمن الدولة للبحث عن مستندات رسمية تدين الجهاز. "مش ماشيين.. مش ماشيين.. هاتوا اخواتنا المعتقلين"، "الشعب يريد إخراج المعتقلين"، كان الهتاف الذي جمع المئات من المتظاهرين داخل مبني أمن الدولة في إصرار منهم على تفتيش جميع السجون والمخابئ السرية المنتشرة تحت الأرض بحثًا عن المعتقلين. وقامت قوات الشرطة العسكرية بتشكيل لجان من المتظاهرين، والذين سبق اعتقالهم بمقر مدينة نصر، وذلك لمعرفتهم بأماكن غرف الحبس السرية وغرف التعذيب، بالتعاون مع النيابة العامة، للتأكد من عدم وجود معتقلين داخل هذه المخابئ. وحاول المستشار مصطفى خاطر، من النيابة العامة، تهدئة المتظاهرين والتأكيد على أنهم مكلفون من النائب العام بعدم ترك مقر أمن الدولة إلا بعد التحفظ على المستندات كافة، والتحقيق في جميع الوقائع، مطالبًا المتظاهرين بإعطائهم الحد الأدنى من الثقة واحترام عناصر الجيش الموجودة في المبنى للحفاظ على النظام، والتمكن من العمل في هدوء. وبجانب محاولات التهدئة وقف أحد الشباب السلفيين حاملاً أحد أجهزة التعذيب الكهربائي التي عثر عليها أثناء تفتيش المقر، يروي قصة اعتقاله داخل مقر أمن الدولة بمدينة نصر، وما تعرض له من انتهاك إنساني لمدة 40 يومًا متنقلاً بين غرف التعذيب والزنزانة الانفرادية. يصرخ الشاب: "يا جماعة 40 يوم إهانة وذل بتهمة إني مسلم.. منهم 12 يومًا تعذيب متواصل لمده 24 ساعة"، قاطعًا حديثه بسجدة شكر، ومرددًا هتاف: "الله وحده أسقط الجهاز". روايات التعذيب والاعتقال كانت الأكثر ترددًا في أروقة مقر أمن، ويروي شاب سلفي: "كنت واثق إن ربنا هيجبني يوم هنا عشان أشوف المكان اللي اتعذبت فيه"، قالها وهو يصرخ من البهجة لاقتحام المقر.. كانت الزنزانة 17 القابعة أسفل مبنى أمن الدولة، أول مكان يود عبد العزيز -وهو من شباب الإخوان الذي سبق اعتقالهم وتعذيبهم في أمن الدولة- رؤيته، بعد اقتحام المبنى. "مكثت 22 يومًا كما ولدتني أمي، معصوب العينين ومقيد اليدين"، هكذا قال عبد العزيز، الذي قال إنه شاهد مجموعة من البلاغات التي حررها ضباط أمن الدولة ضد العديد من المواطنين، واستمارات التعارف التي تشمل جميع المعلومات التي يقوم الجهاز بجمعها عن المواطنين. وأمام بالوعات ضخمة في حديقة المقر تجمهر العشرات من المتظاهرين لإزالة الغطاء والنزول في البالوعات للبحث عن السراديب السرية، "يا جماعة عاوزين كشافات أو كاميرات بفلاش مع اللجان الشعبية اللي هاتنزل تفتش تحت"، إلا أن محاولة الوصول إلى الزنازين فشلت بعد التأكد من أن البالعوت تؤدي إلى طرق مسدودة. "الشروق" تجولت داخل زنازين التعذيب، "قبر تحت الأرض مساحته لا تزيد عن متر في متر ونصف، بها مرحاض، ولا توجد فيها فتحة تهوية أو لدخول ضوء، باب حديدي يتجاوز سمكه ال20سم"، في هذه القبور قضى البعض 5 شهور كما قال أحدهم، فضلاً عن حفلات التعذيب اليومي. وبمجرد اقتراب مجموعة من الإسلاميين من تلك القبور دخلوا في نوبات صراخ وبكاء، سجد أحدهم مقبلا أرضية الزنزانة رقم 12، "كنت مسجون في الزنزانة دي 5 شهور، هنا اتقطع من جسمي وتعذبت، وشفت الموت بعيني"، مضيفا: "تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الملك.. احنا في حلم سقوط الجبابرة". ويضيف آخر كان مسجونًا في الزنزانة 14، وهو ممسك ببابها، صارخا: "الزنزانة معدة كي لا نخرج منها، ففيها نقضي حاجتنا، وفيها ننام، إما واقفين وإما جالسين، وكان حلمًَا أن أفرد ظهري في الزنزانة عقب حفلات التعذيب والتعليق والصعق". علامات الفرحة والألم اعتلت وجهه عندما تذكر ما كان، وقال: "ينزع الملك ممن يشاء"، موضحًا أن المعتقلين يتم تصنيفهم، فكان بعضهم يقبع في زنازين في الدور الثالث تحت الأرض. خارج المقر تجمهر المئات من المتظاهرين الذين لم يتمكنوا من اقتحام المبنى، والذين رددوا شعارات منددة بجهاز مباحث أمن الدولة، فيما قام آخرون بكتابة عبارات: "جماعة أمن الدولة المحظورة"، "وداعًا زبانية التعذيب"، "لا أمان للظالمين بعد الآن"،"وداعًا زوار الفجر" على الحوائط الخارجية للمقر. وكشفت مصادر مطلعة ل"الشروق" أن ضباط الجهاز قاموا بترحيل كل المعتقلين الذين تم احتجازهم داخل زنازين المقر إلى عدد من السجون، "من المرجح أن تكون سيارات الترحيلات التي خرجت في الحادية عشر، أمس الأول، توجهت إلى سجن الوادي الجديد شديد الحراسة". وأشارت نفس المصادر أن أعضاء الجماعات الإسلامية الذين نالوا القدر الأكبر من الظلم والتعذيب يعتزمون اقتحام باقي المقرات خلال الساعات المقبلة، وكان العشرات منهم قد هتفوا مطالبين بالتوجه نحو المقر الرئيسي بلاظوغلي.