بالصور.. محافظ الشرقية يضع إكليلًا من الزهور على النصب التذكاري للشهداء بالزقازيق    «لا يشترط الخبرة».. الشباب والرياضة تعلن وظائف خالية جديدة لجميع المؤهلات (تفاصيل)    النائبة إيفلين متى: إطلاق مشروع رأس الحكمة يمثل استثمارا سياحيا ضخما على أرض مصر    الزراعة تستعرض أنشطة قطاع استصلاح الأراضي في سيناء بمناسبة الذكرى ال51 لنصر أكتوبر    من غير مشاوير.. كيفية تحويل الأموال في بنك مصر «أون لاين»    تعرف على إجراءات التسجيل الضريبي.. خطوات بسيطة    خبير اقتصادي: «حياة كريمة» مشروع متكامل لتطوير معيشة الإنسان المصري    وزير السياحة يبحث مع وزير الحج السعودي سبل تحسين رحلات الحج والعمرة وجودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    ميقاتي يبحث مع رئيس الإمارات الأوضاع الراهنة في لبنان وجهود وقف إطلاق النار    غارات جوية وتوغل عسكرى بري.. الاحتلال الإسرائيلي يواصل تصعيده في لبنان    10 حكام لإدارة السوبر المصري في الإمارات    محافظ الغربية ووزير الشباب يقودان ماراثون للدراجات ببسيون    النائب أيمن محسب يحذر من انتشار مواقع وتطبيقات المراهنات.. ويؤكد: تهدد السلم الاجتماعي    مدير مستشفى قنا العام: معظم إصابات حادث انقلاب ميكروباص سوهاج - قنا بسيطة وتخضع للعلاج    حالة الطقس الفترة المقبلة.. تراجع درجات الحرارة وشبورة مائية في عدة مناطق    تأجيل إعلان جوائز مسابقة ممدوح الليثي لحفل يقام بالقاهرة    موشيه ديان يروى شهادته على حرب 73: مواقعنا الحصينة تحولت إلى فخاخ لجنودنا.. خسرنا كثيرا من الرجال ومواقع غالية    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    وزير التعليم العالي: لدينا 20 جامعة أهلية تتضمن 200 كلية و410 من البرامج البينية    باحث سياسي: إسرائيل تحاول إعادة صياغة شكل المنطقة بالتصعيد المستمر    إخماد حريق بشقة سكنية في شارع التحرير بالإسكندرية    «الداخلية»: تحرير 534 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1229 رخصة بسبب الملصق الإلكتروني    عامل يطعن شقيق زوجته ب«مطواة» بسبب خلافات النسب في سوهاج    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    انطلاق فعاليات مهرجان الموسيقى العربية ال32 بأوبرا الإسكندرية 11 أكتوبر (تفاصيل)    ابنة علاء مرسي تحتفل بحنتها على طريقة فيفي عبده في «حزمني يا» (صور)    فيلم Joker 2 على قمة شباك تذاكر السينما في مصر.. بالأرقام    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    3 دعامات في القلب.. تفاصيل الأزمة الصحية المفاجئة لنشوى مصطفى    ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء.. تحرير 159 مخالفة للمحال التجارية خلال 24 ساعة    فانتازي يلا كورة.. زيادة جديدة في سعر هالاند.. وانخفاض قيمة 23 لاعباً    الولايات المتحدة تضرب 15 هدفًا للحوثيين في اليمن    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    وزير البترول يناقش مع رئيس شركة توتال توسع أنشطتها الاستكشافية بمصر    الكنيسة القبطية مهنئة السيسي والشعب بذكرى نصر أكتوبر: صفحة مضيئة في تاريخ الأمة    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    كلاتنبرج: لم يُطلب مني محاباة الأهلي والزمالك تحكيميا .. وحدوث هذا الأمر كارثي    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    للتغلب على التحديات.. «الصحة» تبحث وضع حلول سريعة لتوافر الأدوية    بعد إصابة نشوى مصطفى- هكذا يمكنك الوقاية من الذبحة صدرية    إحالة المتهمين بسرقة وقتل سائق توك توك في المطرية للجنايات    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    إنتر ميلان يواجه تورينو اليوم في الدوري الإيطالي    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    "ثقافة مطروح " تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر    تعديل تركيب قطارات الوجه البحري: تحسينات جديدة لخدمة الركاب    وزير التربية والتعليم يهنئ معلمي مصر بمناسبة اليوم العالمي للمعلم    قوات الاحتلال تعتقل 4 فلسطينيين من الخليل بالضفة الغربية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    ميدو: أكبر غلطة عملها الأهلي هي دي.. والجمهور حقه يقلق (فيديو)    "إسلام وسيف وميشيل" أفضل 3 مواهب فى الأسبوع الخامس من كاستنج.. فيديو    "حزب الله" يكشف قصة صور طلبها نتنياهو كلفت إسرائيل عشرات من نخبة جنودها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل .. الحلقة (35)
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 03 - 2011

كنت مسئولًا عن الإعلام وهو ما يتطلب الشرح.. وعن الخارجية وهو ما يتطلب الكتمانمن أصعب التجارب فى العمل السياسى وممارسته هى أن يجد أى شخص, مكلف بمسئولية من نوع ما فى لحظة ما, نفسه فى مواجهة متناقضات لا يستطيع التغلب عليها أو الإمساك بكل خيوطها.
وأظن أن هذا هو الموقف الذى وجدت نفسى فيه ومعى هذه المجموعة من الدبلوماسيين، ومن الصحفيين طوال شهر أغسطس سنة 1970، وكان مطلوبا منا عمل سياسى دقيق، وهذا العمل هو أن نغطى سياسيا وإعلاميا قضية تحريك الصواريخ ثم أن نغطى سياسيا وإعلاميا قضية وقف إطلاق النار فى حرب الاستنزاف، ثم نغطى هذا مع طرفين متناقضين كل منهما له رأى مختلف، فالأمريكان من ناحية آخذون موقف المشرف والموجه أو المقترح لوقف إطلاق النار وراء الأمم المتحدة.
وخلافا لمشروع روجرز وهذا موضوع شديد الدقة. ونحن كنا نريده بالدرجة الأولى لأسباب سياسية ولكن بالدرجة الأولى لأسباب عسكرية، وهى إتمام بعض التحركات الضرورية لاستكمال حائط الصواريخ فى ظرف يسمح لذلك، وألا تكون العملية مفتوحة ومكشوفة للطرف الإسرائيلى، وأن يكون لها غطاء سياسى، وكان أسلم غطاء فى ذلك الوقت هو الموقف، الذى نشأ نتيجة تنفيذ وقف إطلاق النار فى منتصف الليل.
وتجاوزنا بمنطق معين بعد تغطية الموقف ولم يكن يمكن تغطيته بالطريقة اللازمة لأنه لابد أن يأتى فى وقت بشكل ما يكون فيه قيود على وقف إطلاق النار وقيود على العمل فوق الجبهة، وهناك نتيجة سياسية لا يريد أحد إفسادها وهذا موقف مع الأمريكان لا بد أن يعالج بشكل أو بآخر وفى نفس الوقت وقف إطلاق النار كان بمثابة مشكلة للدول العربية، لكن ما هو أهم هو المقاومة الفلسطينية الموجودة فى ذلك الوقت والمتمركزة فى الأردن، وهى على شكل جماعات متفرقة وموزعة من أقصى يمين إلى أقصى يسار، وكلها على أى حال تتصور أن وقف إطلاق النار فى هذه المرحلة لا يناسبها.
ونتذكر أن كل منظمات المقاومة على اختلاف أنواعها وعلى اختلاف اتجاهاتها كانت ترغب فى دخول الدول العربية الرئيسية فى المعركة، ليس فقط تدخل ولكن تكون طرفا فاعلا فيها على أراضيها، وهو ما يسمى ب«حرب التوريط»، وما كاد ذلك يتحقق لها إلا وهى تجد سنة 70 عملية وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية، وبالطبع على الجبهة الأردنية حتى لو كانت لمدة 3 شهور.
ولم يكن يصح أن نشرح لجماعات المقاومة أن الهدف الرئيسى والأساسى مما فعلناه هو استكمال حائط الصواريخ لأن الجبهة بهذا الحائط وراءها وحاميا لها ستكون فى وضع شديد الاختلاف. وإذا شرحنا هذا الكلام سنجده فى اليوم التالى مشاعا فى عمان، وفى بيروت وفى كل منطقة فى العالم العربى.
وهنا جزء من التناقض، الذى كنت موجودا فيه مع جماعة من خيرة الدبلوماسيين، ومن خيرة الإعلاميين. وقضت الظروف فى ذلك الوقت أن أكون مسئولا عن الإعلام ومسئولا عن الخارجية، والمهمتان متناقضتان، فطبيعة الإعلام أن يشرح ويتحدث ويفيض فى الشرح، وطبيعة الخارجية لابد أن تتكتم وتوجه وتتحدث بحذر وبلغة هادئة.
وكان موجودا أمامنا أولا اقتراح المبادرة، ثانيا أننا قبلنا وقف إطلاق النار، وأن الأمريكان يشكون فى أننا نخالف الاتفاقية، والشىء الآخر أن الفلسطينيين غاضبون من وقف إطلاق النار وهم لا يريدون ذلك.
وهنا هدف مطلوب لكن الضرورات اللازمة لكل جانب من جوانبه مختلفة، وهنا تكمن صعوبة هذا الموقف. كنت أحاول مع روجرز وكنت أنفذ تعليمات من عبدالناصر أنه يجب استخدام كل الوسائل، لأننا نعرف بوجود صراع فى الولايات المتحدة حول من يمسك بأزمة الشرق الأوسط، بين روجرز وكيسنجر مستشار الأمن القومى.
وطلب الرئيس عبدالناصر إدارة الأزمة بأى طريقة بحيث لا تشعر أمريكا بحرج لأنها المسئولة عن المبادرة فى كل شىء، بما فيه ضمان وقف إطلاق النار، وبالتالى تدخل الإسرائيليين، كما طلب شرح قضيتنا بحيث يبدو أمام العالم أننا لم نخالف.
وفى الوقت الذى تصورت فيه أن الأزمة هدأت وجدت روجرز يحدثنى فى الهاتف بعد ثلاثة أيام، وقال لى سيدى الوزير الأدلة متوافرة أمامنا على أنكم خالفتم، وأن هناك مخالفات أعتقد أنكم لابد أن تعودوا عنها. وفى هذا الجو كان واضحا أن هناك مخالفات بشاهد عملى، لأن الإسرائيليين حاولوا أن يستكشفوا ما الذى حدث ولا يستطيعون إثبات حاجة قاطعة، لكن واضح أمامهم أن الخطوط المصرية حدث فيها تغيير، وحاولوا جس النبض بتجربة عملية فى السويس فسقطت لهم بعض طائرات الفانتوم. أنا شخصيا حينما أخبرنى الفريق فوزى بما حدث ترددت أن أذيع النبأ لفترة طويلة، ولم أكن متأكدا أنه صحيح إلا بعد أن وجدت شاهدا فى مذكرات كيسنجر، يقول إن روجرز أراد أن يجامل المصريين ولا يضبطهم متلبسين بعملية حائط الصواريخ، وهذا كلف إسرائيل 5 طائرات فانتوم سقطت.
وأثناء هذا الجو المضطرب قلت لروجرز أثناء حديثى معه إننا لم نخالف وقف إطلاق النار، وقلت له إننى أعترف أن هناك حركة أثناء اتفاقية وقف إطلاق النار ولكن معيار ما يربطنى هل حدثت هذه التجاوزات بعد أن أبلغتك رسميا فى الواحدة والنصف صباح يوم 8 أغسطس، وأن قرار وقف إطلاق النار سارٍ أم لا، وهناك بعض التحركات الضرورية، وكان هناك جنود لبعض الوحدات عادوا لها.
وهناك وحدة احتاجت أغذية ومعدات ذهبت لها معدات، وهناك وحدة تطلب وحدات مستشفيات، وقائد البحر الأحمر وهو الفريق الشاذلى كان لابد له أن يرجع، فقلت له: ماذا نفعل فى مثل هذا النوع من التحركات؟ وقال لى: يبدو أننا غير قادرين على التفاهم على معنى كلمة وقف إطلاق النار على المواقع، وهو معناه أنه لا ينبغى أن تحدث أى تغييرات على الجبهة وقت أن أبلغتكم، فقلت له إنكم أبلغتمونا قبلها بستة أيام أن هناك أشياء ستبلغ لنا، وهذه شروط وقف إطلاق النار، ولكن لم نبلغ بسريانه، ولا تقول لى إنك لما أبلغتنى قبلها بخمسة أيام عن فكرة وقف إطلاق النار سأقف، وأنا سأقف وقت أن أبلغتنى وسوف يبدأ سريان مفعول هذا الذى عرضناه عليكم من قبل من خمسة أيام فى هذه الليلة.
وقلت له إنك لا تستطيع أن تحاسبنى على أى مخالفات بعد الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل صباح 8 أغسطس، وما قبل ذلك استأذنتك فيه ورجوتك. وحاولت مع روجرز بكل الوسائل، لكنى شعرت بحجم الضغوط وقتها لأنه حادثنى يوم 9 ويوم 11 وكان آخر مرة حدثنى يوم 17 أغسطس، ووقتها قال لى إنهم سيعلنون بيانا، ولم أعترض على هذا البيان.
ولما قرأت مذكرات كيسنجر فيما بعد أدركت حجم الضغوط، التى تعرض لها ويليام روجرز وهذا لم يجعله بالنسبة لى ضحية لأن صراعاته كلها للصالح الأمريكى قبل أى شىء، وهذه الضغوط لن تجعله صديقا لى أو أرجو صداقته وأراعيها فهو يعمل لمصلحة الولايات المتحدة، وهذا موضوع ينبغى ألا أخطئ فيه أو يخطئ فيه غيرى.
وهنا معى نصوص لمكالمات مسجلة من الرقابة والإسرائيليين سجلوا لبرجس سفير أمريكا بالقاهرة، وهو يحادث سيسكو، وكنت طلبت وقتها من السفير محمد رياض
وكيل الخارجية أن يكلم برجس، ويبلغه أن الإسرائيليين يخالفون وقف إطلاق النار، وكنا نضغط على هذا البلاغ، وأنهم يخالفون ويخرجون فى دوريات ويتعمدون ضرب مواقع لنا وبعدها وقعت الطائرات، وذكر كيسنجر بعدها أنها خمس طائرات، وكنت فى هذه الحالة أريد تغطية موقفنا.
وهنا معى كلام لديان يقول إن المصريين قاموا بشىء خطير أكثر مما تتصور القيادة السياسية فى إسرائيل، أولها إنهم لم يفهموا اتفاقية وقف إطلاق النار، وهى معناها باللغة العبرية التجميد الكامل، ولكن المصريين لم يفهموا معنى التجميد، وفهموا أنها تقليل الحركة، وبالتالى فإن المصريين خالفوا وهناك دليل على أنهم خالفوا.
وكنا ندرك أن الوقت تغير الآن وفات عن موقف إطلاق النار بعد مرور أسبوع تقريبا، لكن رابين قال إن الموقف تغير، وأنه حدثت أشياء وتجاوزات وأننا أصبنا بضرب من هذا الذى جرى على الجبهة، وأن الأمريكان هم المسئولون، وعليهم تصحيح هذا، وهم لديهم الوسائل.
وأخذ رابين خرائط الجبهة وما جرى عليها وذهب لمقابلة جنرال هيج، والأخير كان مساعد كسنجر للشئون العسكرية، وهو حلقة الوصل بين مستشار الأمن القومى وبين الرئيس نيكسون لحساسية الأخير باليهود، وكان مناخا غريبا لنيكسون، وحتى بينه وبين كيسنجر يريد أن يكون هناك أحد بينه وبين مستشاره للأمن القومى خصوصا فى الشأن العسكرى.
وذهب رابين لجنرال هيج ومعه خرائط بارليف وقال له: إننا أمامنا موقف لا نستطيع معالجته وليست لدينا الوسائل لهذا الذى جرى على الجبهة المصرية فى الفترة المحددة، وأن المصريين خالفوا فيها وقف إطلاق النار.
وأنا أقول إن هذا الشعب عندما تأتيه الوسائل وعندما تواتيه الفرصة، وعندما يأتيه الإلهام الوطنى يقوم بالمعجزات، فلا أحد يتصور ما فعله الدفاع الجوى، ومهندسو القوات المسلحة فى هذه الساعات على الجبهة.
وقال هيج لرابين: لكى تتدخل الولايات المتحدة لا بد أن يكون لديها الحجة القاطعة المانعة أمام الاتحاد السوفييتى، والموضوع هنا لا يتعلق بمصر والموضوع أن هناك أسطولا أمريكيا فى البحر الأبيض، وهناك أهداف ويمكنه أن يتدخل ويزيل حائط الصواريخ المصرى، لكن أمامه أسطول سوفييتى موجود وإن كان أقل قوة لكنه قادر على صنع شىء.
ولكى نستطيع أن نفعل ما تريدونه ثم أن نواجه الروس بلهجة حاسمة وبدليل قاطع لابد أن يكون لدينا دليل قاطع، فأنتم لم تقدموا دليلا قاطعا، وهناك شواهد فقط، وربما تكون هذه الطائرات قد سقطت من صواريخ قديمة، وما أريد إثباته أن شيئا ما حدث فى الجبهة فى هذه الساعات لأنه كانت هناك طائرات سقطت قبل ذلك فى يونيو أو يوليو، وإذا كان هناك جديد فعلينا أن نقدم دليلا ليس لمجرد سقوط طائرات، وبالفعل كانت هناك مواقع خامدة وظاهرة موجودة على الخريطة، لكنها لم تكن فاعلة، ولكن كيف نتأكد أن هذا جرى بعد وقف إطلاق النار.
وأجد المناقشات وصلت إلى أن رابين قال إن هناك تغييرات كبيرة على الجبهة، وأجد كيسنجر مستفيضا فى مذكراته فى شرح ما جرى وللتنبيه لخطورة استمراره بهذا الشكل، ونجده مخصصا فى مذكراته لهذه الأزمة 25 صفحة، وأجد كيسنجر يقول: «على وجه اليقين هناك شىء جرى لكن وزارة الخارجية أخطأت لأنها اختارت موعد وقف إطلاق النار منتصف الليل أى بعد أن ساد الظلام، وكان من الأفضل أن يكون صباحا لأن التصوير الليلى وقتها لم يكن وصل لهذه الدرجة الموجودة الآن.
وقال كيسنجر بعدها إنه حدث خطأ فى توقيت وقف إطلاق النار، وأن وزارة الخارجية أخطأت فيه، وأنه للأسف مضطر أن يقول لرابين ولكل أصدقائه الإسرائيليين إنه لا يزال يحاول إقناع الرئيس نيكسون بتدخل أمريكا بضربه لإزالة حائط الصواريخ الجديد، وأنهم يحتاجون لدليل حاسم، وجلس رابين مع نيكسون فى حضور كيسنجر ورابين، قال إن جولدا مائير تريد الحضور لتشرح بنفسها ما حدث
، لكن نيكسون قال: قد يكون كلامكم صحيحا لكننا لا نستطيع أن نتصرف بالطريقة، التى تريدونها لأنه ببساطة ينقصنا ما نستطيع أن نبنى عليه موقفا لأنه من الممكن أن يؤدى إلى مواجهه مع السوفييت، وقال له جملة غريبة: «انتظروا ثلاثين يوما أو ستين يوما، وقد تحدث تطورات قد لا نتوقعها الآن»، وأنا أسترجع هذه الجملة وتستوقفنى. ففى هذه الأيام حدثت بالفعل تغييرات كبيرة جدا، وأهمها اختفاء جمال عبدالناصر، وهنا تساؤلات حول أن تقال هذه الجملة فى هذا الوقت.
وبعد هذه الجلسة أخذ كيسنجر رابين وذهبا لمكتب كيسنجر، وقال كيسنجر: إذا كنتم لا تستطيعون تدمير الصواريخ لأسبابكم فنحن لن نستطيع أيضا بسبب المواجهة مع السوفييت.
وكان هناك اقتراح للبنتاجون هو إمداد الإسرائيليين بصواريخ مضادة من طراز شرايك ويأملون فى أن تخفف بعض الخسائر.
أظن أن الطاقم الإعلامى فى ذلك الوقت نجح عن طريق إصابة طائرة إسرائيلية لأحد المواقع المصرية، وكان هناك مراسلون أجانب جلبهم تحسين بشير فى جولة على الجبهة، وأثناء وجودهم فى السويس حدثت الغارة، وكانت لدينا تغطية ملائمة جدا بناء على رؤية مباشرة لصحفيين أجانب.
وكان روجرز مضطرا لإصدار بيان لكنه لم يتهم الطرف المصرى بخرق الاتفاقية صراحة. وأنا شخصيا طلبت من عبدالناصر أن يبقى الحال كما هو لأن لا ضرورة للجدل مع روجرز، وكان واضح أن لدينا معركة كبيرة مع الأمريكان لكنها تدار برقة ولين ودبلوماسية وتدار بالإعلام الأمريكى، ويرى بنفسه ما حدث، وهنا كانت هناك لغة معينة مطلوب استخدامها، والحقائق تبقى نفس الحقائق، ولا نستطيع أن ننكر أننا خالفنا، لكننا كنا صادقين عندما أبلغنا أننا التزمنا، وكنا صادقين قانونا وأخلاقا، وكان يمكن أن يقول روجرز إنك خالفت الروح ولكنها مسألة محتاجة لمناقشة.
كنت أتصور أننى قمت بأشياء للمقاومة فى ذلك الوقت فأخذت ياسر عرفات ليقابل عبدالناصر، واعتراف مصر بحركة فتح واستيلاء فتح على منظمة التحرير وأشياء كثيرة وسلاح ومساعدات قدمناهم للسوفييت، وكنت أتصور ذلك بالتحديد.
كنت مشغولا تماما فى مواجهة الجبهة الأمريكية حتى إن الفريق فوزى حدثنى فى الهاتف يقول لى إن لديه مشكلة أن هناك إذاعة تتبع لوزارة الإرشاد القومى فلسطينية بدت تعارض قبولنا لمبادرة روجرز وقبولنا لوقف إطلاق النار وتعارضه بطريقة بها تجريح والمشكلة أن بعض العساكر المتطوعين العسكريين الموجودين قرب الوحدات المصرية يسمعونها ويستغربون.
وقال الفريق فوزى إن إدارة الشئون المعنوية ترى أن هذا الذى تقوله إذاعة فلسطين مؤثر، وكنت وقتها مشغولا للغاية بالجبهة الأمريكية، وقرأت تقارير لكنى لم أكن أعرف أنها لافتة لهذه الدرجة، ووجدت نفسى أنتقل من الجبهة الأمريكية إلى الناحية الفلسطينية، وهناك فصائل وهناك هجوم ضارٍ
، وعندما نظرت إليها وجدت الفصائل الفلسطينية تنادى أنه إذا كانت الجيوش النظامية لا تستطيع، وأنها تتصور وقف إطلاق النار مستدلين بتصريح قلته وقتها، وأنا لا أستطيع الحديث عن حائط الصواريخ، ولا أستطيع القول إن الحرب تنتقل إلى نقلة نوعية أخرى رآها عبد المنعم رياض مبكرا، ووضعت فى الخطط وبدأت تبقى موجودة، وبدا حائط الصواريخ يدخل تطبيقا، وأن تكون هناك نقلة جديدة تدخل الحرب، ووجدت الكلام الذى أقوله يستعمل ضدى، وطلبت الفصائل الفلسطينية وقتها بحرب تحرير شعبية، لأن الجيوش النظامية يبدو أن لديها اعتبارات أخرى، وأنه لابد أن تتحول المنطقة كلها لحرب شعبية.
وكنت استمعت لهذا الموضوع من قبل ذلك وناقشته مع عدد كبير من القادة الفلسطينيين، وناقشته مع فصائل أخرى خارج فتح، وكنت أعتقد وقتها أن القياس على الجزائر خطأ، وعلى فيتنام أيضا خطأ، وهذا موضوع آخر.
ففى سيناء مثلا كيف أحارب حربا شعبية وسوريا والإسرائيليون على بعد خطوات من دمشق، وفى الأردن هناك مشكلة لأن هناك دولة ذات سيادة وأريد هذه الدولة وبرضاها تقديم هذه المساعدات، ولكن تحويل الأردن إلى الميدان الداخلى الفلسطينى معناها أننا نقبل حتى فى نفس الأحوال ما قالته إسرائيل وقبول الأردن بديلا لفلسطين.
وتحتاج المقاومة أن تعرف أن القياسات مختلفة وكله كلام لا يعقل، لدرجة أجد عشرات المقالات عندما تحدثت عن الحرب الإلكترونية، أجد من كتب مثلا الهيكلية والحرب الإلكترونية، وما أزال أسمع الهيكلية، وأنا أقصد أننى اعتدت ذلك ولم يقلقنى هذا الموضوع، لكن من كتب هذا الموضوع أجده يقول إنه يكتب باسم البرجوازى، وليس لدىّ حرج أن أتحدث باسم البرجوازية
والطبقة المتوسطة أجد أنه ليس هناك ما يديرها وهى أكبر طبقات، وأهم الطبقات فى المجتمعات، وأنا هنا أتحدث وطنيا وأنها بها نقلة وصواريخ إلكترونية، وأنا لا أتحدث عن رأيى أنا لا أعرف فيه، وهذا رأى خبراء معتمدين فى العالم، وقلته شرحا لم يستقر عليه تفكير طويل ولما نادى به خبراء كثيرون، وهنا أجد من يقول إن ما كتبته عن الحرب الإلكترونية كلام فارغ، وكله يثبت أننا نريد الهروب من الحرب وأن القضية هى الحرب الشعبية، وأن الهروب إلى نعيم الالكترون والإفلاس والقضية هى الهروب من المجابهة ومستلزمات الحرب الشعبية إلى التعزز بالحرب الإلكترونية، التى يعرف هيكل جيدا أنها لن تقع وأن الكلام عنها نوع من الضحك على الذقون.
والغريب أنه فى حرب أكتوبر أن الحرب الإلكترونية والمتمثلة فى الصواريخ كانت الرئيسية.
والمشكلة هنا أنى كنت صديقا لمنظمة التحرير ولياسر عرفات، ولكل الفصائل فى واقع الأمر، فلا يأتى أحد اليوم يتهمنا بالتقصير، فلا أحد يقصر بأى حال.
ولما تأتى فرصة مناقشة وقف إطلاق نار أو فرصة مناقشة سياسية لا يكون هناك اعتراض، فهناك قضية لا يمكن أن يفهموها ويريدون فهمها، وهى قضية لا يمكن لهذا الموقف الذى كنا فيه الزحف إلى تحرير كامل التراب الفلسطينى وإزالة إسرائيل، فهذا كلام نوع من الشعر فى هذا التوقيت خاصة من يقول أن تكون هناك حرب شعبية، فهذا يتحدث من خارج العصر ومن خارج التاريخ.
وعندما نقول لهم إننا إذا نجحنا فى إزالة آثار العدوان بالقوة إذن فقد انفتح الطريق وسيسقط المشروع الإسرائيلى، فالمشروع الإسرائيلى لا يستطيع أن يتحمل هذا الكلام إطلاقا.
وفى الفترة من 6 إلى 8 أكتوبر ذهب ديان لمجلس الوزراء الإسرائيلى سنة 1973، وقال هيكل إسرائيل فى خطر لأنه ببساطة أى نجاح عسكرى مؤثر ومدوٍ أمام إسرائيل هذا فى حد ذاته يكفى لإسقاط قدرة الكيان الإسرائيلى على البقاء بالقوة لأنه لا يستطيع أن يبقى لا بالتاريخ ولا بالجغرافيا ولا بالمواقع ولا بموازين القوى، يستطيع أن يبقى بالصرح وإذا ضربت فكرة السلاح عنده إذن فقد دخلنا فى منطق جديد.
وهناك جزء مهم فالفصائل مهمة ويبقى أنه فى هذه اللحظة أى خلاف بينهم وبين مصر يأخذ شكلا خطيرا قد يؤدى إلى وقوعهم فى مصيدة هم لا يدركونها، والثورية فعل صادر وتغيير حقيقى وأصيل والثورية هى التحرير، ووسائله قضية كبيرة. وقد تتفاوت العقلية العربية فى درجات مختلفة، لكننا لا نستطيع أن نتنصل منه فنحن لدينا هذا الجموح من العاطفة والشعر.
وكانت المقاومة فى وضع خطير وإذا أصبحت فى خلاف مع مصر، فمعنى ذلك أنها أسلمت لقوة متربصة لها، وهم كانوا موجودين فى ذلك الوقت فى الأردن. وسوريا حريصة فى ذلك الوقت على أنها تمنع وتدارى. ولبنان معرض لخطر، وضمان المقاومة الموجودة فى قرب فلسطين فى الأردن هو أن تكون فى علاقة أخذ ورد مع السلطات الأردنية، وكان هناك تصعيد إعلامى شديد جدا، وقيل إن هناك محاولة لاغتيال الملك حسين، وكانت لديه أدلة على ذلك،
وكان هناك قتلى فى الشارع، لكن هذا يدفع الفلسطينيين لمأزق، وبدأ يكون هناك تشكيك وبدأت تستمع لإذاعات صادرة من القاهرة فى مواجهة سياسات صادرة من القاهرة، والكارثة أننى موجود فى المجال السياسى وموجود مع العلاقات المصرية وأيضا مع الاتحاد السوفييتى، وقدمت ياسر عرفات لكوسيجين، وأنا أول واحد حصلت على ورقة بيضاء بها نصف مليون روبيل من فرادوف أعطاها للفلسطينيين.
وبدأ يتدخل بعض الناس للحد من هذا الخلاف وجاء العقيد معمر القذافى لمصر، ومعى محضر الاجتماع، وكان من أظرف المحاضر فى الفترة الأولى فى أغسطس سنة 70، وكان الموجودون على صبرى ومحمد فوزى ومحمد المقريف عضو مجلس قيادة الثورة الليبى ومختار القروى العضو فى قيادة الثور.
، وتحدث القذافى وقتها عن الفدائيين، وظهر موضوع آخر، هو محاولات انقلاب فى ليبيا وكنا نتابعها دون تدخل ولم أكن أتصور أنه لا يوجد خطر محدد، وأجد سؤالا من محمد المقريف أن هناك أحد الذين استجوبوا فى ليبيا يقولون إنه احتمال أن يخطفوا الملك السنوسى من الإسكندرية، ويعودوا به على رأس قوات مضادة للثورة ويقلبوا الأمور فى ليبيا، وأنا لم أتصور باستمرار أن كل المواقف الدرامية الكبرى بها مواقف إنسانية صغيرة جدا.
ورد عبد الناصر قائلا: إنه أولا لا يمكن أن يخطف الملك السنوسى من مصر والمسألة هنا صعبة، والشىء الآخر أن الملك نفسه لا يريد العودة وسعيد بوجوده فى القصر الموجود فيه بالمنتزه، وأعرف أنكم تعملون كثيرا ولا تنامون، أما هو فجالس على البحر ويرفض من يقول له جلالة الملك ويطلب أن يقال له يا حج، وأخبرنا بأن هناك من يريده العودة لليبيا لكنه رفض.
وقال عبد الناصر إن موضوع الخطف صعب كثيرا، وقال إن هناك نكتتين فى الحكومة المصرية، أولاهما أن هناك كلبا أراد التعبير عن نفسه فعبر الحدود بين مصر وليبيا، ودخل يصيح «هوهو» ثلاث مرات وعاد مرة أخرى وسألوه: ماذا يفعل فقال: نتيجة الكبت الموجود فى مصر، الثانية، أن الكلب هرب فى ليبيا وسألوه: لماذا هرب فقال: يقبضون على كل الجمال، فقال: على بال ما أثبت أنى مش جمل مش حخلص، وجمال عبدالناصر يحكى والموضوع يأخذ اتجاها آخر يدعو للقلق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.