شكل حوار الإخوان مع النظام المصري متمثلا في نائب الرئيس صدمة أذهلت كثيرا من المتابعين والمترقبين للخلاص من عقود من الذل والاستبداد، وأسوأ ما في هذا الخطوة أن الإخوان اتخذوها بصورة مفاجئة بعد إعلانهم مرارا أنهم رافضون للحوار مع بقاء الرئيس ، بالإضافة إلى ضعف توضيحهم لهذا الخطوة للرأي العام إلا من حجة لم تقنع المتوثبين للتغيير والمضحين من أجله، ألا وهي محاولة الكشف عن نوايا وجدية النظام في إحداث الإصلاحات التي وعد بها. ومبرر عدم الاقتناع بهذه الحجة أن النظام لا يحتاج لمن يكشف مراوغته وتلاعبه، وأن تصريحات رئيس الوزراء المستفزة وأن جاءت بألفاط هادئة لكنها لا تخلو من استهزاء وتسفية لشباب الثوار حيث قال :ليستمروا وسنرسل لهم الطعام (والبمبني) على غرار تصريحات رئيسه للمعترضين على تزوير انتخابات مجلس الشعب الأخيره ( خليهم يتسلوا) نسفت هذه التصريحات ما تبقى من فتات الثقة بين الطرفين . وبالطبع فالإخوان لا تغيب عنهم عدم جدية النظام، ولكن ربما كان هدفهم القطع أمام التيار المتنامي من المصريين المشاهدين للأحداث بأن الثورة حققت أهدافها، وأن التواجد داخل ميدان التحرير ما هو إلا لمزيد من الفوضى والدماء وشل حركة الحياة ومزيد من الخسائر الاقتصادية. هناك أيضا أصوات مرتفعة ومتزايدة ترى أن استمرار الاحتجاجات أصبح هدفه هو إذلال الرئيس؛ وهو هدف لا يتماشي مع تاريخه في العطاء ولا مع مروءة الشعب المصري، بينما تناسى هؤلاء أن الاعترااف بالخطأ هو قمة المروءة، وبخاصة إذا كانت نتيجة هذا الاعتراف حقن لدماء أبناء الوطن، ولعل ما يمكن أن يُبقي للرئيس الحد الأدني من التقدير في قلوب أبناء شعبه أن يتخلى عن رأيه - ولا أقول عناده - ويقوم بعمل الإصلاحات التي لا تتم إلا به بحسب زعم نائبه ورئيس وزرائه وهي حل مجلس الشعب وتفويض إما النائب أو مجلس رئاسي لمتابعة الإصلاحات وتنفيذها. أكبر ما يشكل خطر على الإصلاح المأمول هم الأغلبية التى كانت صامته والتي خرجت عن صمتها الآن لصالح استقرار قد يكون كاستقرار ما قبل 25 يناير أو أشد سوءا إذا - ما استطاع النظام أن يعيد ترتيب أوراقه وقد بدأ في ذلك - ؛ ولذا فإن الإخوان قد سارعوا لنفي شبهة أنهم حريصون على الانتقام من الرئيس الذ ي نكل بهم كثيرا والتحريض على الفوضى؛ بدخول مفاوضات متعجلة وغير محسوبة كان يتنماها النظام في ظل التفرق المشين للمعارضة، وعدم قدرتهم على صياغة موقف ورؤية موحدة للخروج من هذا المأزق، فإذا كانت المعارضة ممزقة قبل دخولها في حوار مع نظام مراوغ فما بالك ببدأ حوار قال عنه المتحاورن أنفسهم أنه يركز على فرعيات لمتطلبات المتظاهرين أكثر من جوهر هذه المتطلبات؟! الإخوان أيضا ربما أرادوا الإمساك بالعصا من المنتصف فإن نجحت الثورة فبها ونعمت وأن استطاع النظام الالتفاف عليها بمساعدة الضغوط الشعبية المطالبة بوقف التظاهرات - لتحقيق الاستقرار طبعا وليس حبا في النظام - فتخفف عصا الانتقام التي يتوقع أن يوجهها النظام أول ما يوجهها لهم . الإقدام على هذا الحوار بلا شك كان أسوأ ما فعله الإخوان رغم دورهم الطيب في دفع هذه التظاهرات الشريفة وبخاصة بعد ترحيب الإدارة الأمريكية بهذه الخطوة ما يعزز دعاوى النظام بالمؤامرات والأجندات وغيرها مما نجحت أبواق النظام الإعلامية غرسه في أذهان الطيبين من شعب مصر الذين لا يستطيعون متابعة القنوات المحايدة . على الإخوان إذا أرادو استعادة ثقة الناس، والحفاظ على ثمار الثورة المباركة أن يساهموا بطرق أخرى للخروج من الأزمة بتقديم واقتراح ومساندة شخصيات محايدة لحمل متطلبات الثوار الشرفاء للنظام واقتراح حلولا حاسمة وواضحة ودستورية ليس بعيدا عنها إعطاء مدة محددة للرئيس - أقل طبعا مما تبقى في مدة رئاسته – ليقوم بنفسه بالتعديلات الدستورية والإصلاحات المطلوبة من خلال جدول زمني محدد وبجلسات يحضرها شخصيات عالمية معروفة كضامنين لجدية هذه الإجراءات في اتجاه مواز لاستمرار الاحتجاجات الآمنة مقابل تأمين خروج غير مهين له، وهنا يكون التسامح مقبولا، ونترك حساب الرئيس على الله وهو أعدل الحاكمين.