نحن أمام مشهد متناقض، فالرئيس أوباما يعيد تشكيل إدارته ليجعلها أكثر صداقة تجاه الشركات الكبيرة والبنوك الضخمة، أى الغنية، التى تزدهر بغض النظر عما أصاب اقتصاد هذه البلاد، (فهى تزدهر حتى وهى تعمل على تدمير الاقتصاد)، بينما لا نسمع كلمة واحدة عن الفقراء، الذين تنتشر أعدادهم انتشار النار فى الهشيم. يتعامل رجال السياسة والإعلام كما لو كان الفقراء غير موجودين. لكن مع استمرار تقلص فرص العمل بهذه الصورة وانحدار الطبقة الوسطى نحو القاع، يتحول الفقراء إلى شريحة سكانية أكثر يأسا من أى وقت مضى. كيف لأسرة من أربعة أشخاص أن تعيش على دخل سنوى أقصاه 11 ألف دولار؟ خلال حديثى هذا الأسبوع مع بيتر إدلمان، الأستاذ بمركز القانون بجامعة جورج تاون والخبير المحنك فى قضايا الفقر، أشار إلى أن عدد الأشخاص فى هذه الفئة التعيسة تجاوز السبعة عشر مليون شخص. وهؤلاء هم الأشخاص الذين يحاولون تدبير أمور معيشتهم بدخل أقل بمقدار النصف من خط الفقر الرسمى (22 ألف دولار سنويا للأسرة المكونة من أربعة أفراد). وليس هناك من يتحدث عن هذه الأسر والأفراد الذين يعيشون فى فقر مدقع. ومن بين هؤلاء الجمهوريون الذين قضوا وقتا رائعا هذا الأسبوع وهم يسيئون تفسير الدستور ويعدون بتخفيض الميزانية وغير ذلك من المبادرات التى ستزيد الفقراء بؤسا. وإن وجدت صعوبة فى تحديد الجانب الذى يؤازره الجمهوريون، تذكر فقط الخطاب الذى أرسله الجمهورى المبجل داريل عيسى رئيس لجنة مراقبة وإصلاح الحكومة بالبرلمان إلى 150 شركة ومجموعة تجارية ومركز أبحاث يطلب منهم تحديد أسوأ التنظيمات الفيدرالية من وجهة نظرهم، والغرض بالطبع إنقاذ الأسماك الكبيرة. وخوفا من أن يتعدى عليهم الآخرون، ارتدى الرئيس أوباما والمقربون منه ثيابهم الجمهورية الجديدة ووعدوا بذل تقديم كل ما يمكن أن تقدمه للحكومة. وكان أول طلبات الشركات الإعلان عن ترشيح نائب شيكاغو والمسئول السابق بإدارة كلينتون الذى حقق أرباحا ضخمة من صفقة جيه بى مورجان تشيس، وليام تشيس، رئيسا لفريق الرئيس. وهو من أشد منتقدى الإصلاحات المالية الأخيرة والمهووس بتحقيق التوافق بين الديمقراطيين والشركات. ولا يحظى الفقراء، وهم أكثر المتضررين من هذا الركود، بأدنى فرصة فى هذه البيئة السياسية، كما لا يفكر متخذو القرار فى الحكومة الأمريكية فى الوقوف إلى جانب الحق، بل اختاروا جبهة المليونيرات والمليارديرات. وكان عدد الفقراء فى عام 2009 يقرب ال44 مليونا، وهو ما يعادل 14% من إجمالى عدد الأمريكيين، وقد زادوا أربعة ملايين أخرى اعتبارا من العام المنصرم. ومن يقل إن الأمور أفضل كثيرا الآن يسبح فى وهم. فهناك أكثر من 15 مليون طفل فقير أى طفل أمريكى من بين كل خمسة أطفال. كما أن أكثر من ربع ذوى الأصول الأفريقية وذوى الأصول الإسبانية من الفقراء. فهل سنفعل شيئا لإصلاح هذا الوضع؟ كلا، فمسئولو حكومتنا، بداية من الرئيس وحتى أقل مسئول، مشغولون إلى حد كبير بتقبيل أيدى الأثرياء المرصعة بالمجوهرات. ويقسِّم البروفيسور إدلمان الفقراء إلى فئتين: الفقراء الجدد، الذين فقدوا أعمالهم ومنازلهم والذين تأثروا بالركود، والفقراء القدامى، الذين كانوا يعملون فى السابق بشكل متقطع أو لبعض الوقت أعمالا متدنية الأجر. وقد اختفى كثيرا من تلك الوظائف المتدنية الأجر ليقع قدامى الفقراء فى هوة البؤس. يقول بروفيسور إدلمان: «هناك أعداد مذهلة من الأشخاص الذين سقطوا فى القاع ولا أحد يذكرهم بكلمة.. وهم يعانون مأزقا كبيرا». لا تقدم الرعاية الاجتماعية الكثير، حتى بالنسبة لأفقر الفقراء. فهناك أكثر من 17 مليون شخص يعيشون فى فقر مدقع، لكن الرعاية الاجتماعية، فى رأى معظم من يحتاجونها، «جرى إصلاحها» بحيث لم يعد لها وجود. وفى ظل «الإعانة المؤقتة للأسر المحتاجة»، الاسم الذى يطلق الآن على الرعاية الاجتماعية، حيث تقدم المساعدات لعدد من الأشخاص أقل كثيرا مما كان عليه الحال فى عهد الرعاية الاجتماعية، ازدادت أوضاع الناس سوءا بفعل أكثر وضع اقتصادى متدنٍ منذ الكساد العظيم. ليس هناك من يهتم. ولا من يلاحظ. ومع إنقاذ التخفيضات الضريبية من أجل الأغنياء وانضمام ويليام دالى لفريق الرئيس، أصبحت الأرض ممهدة أمام أوباما وشركاه لسحب المليارات اللازمة لمعركة إعادة انتخاب الرئيس فى العام المقبل من القطط السمان. وهذا بالطبع هو المهم فى واقع الأمر.