كتب ستيفن زيونز فى صحيفة تروث آوت الأمريكية أن المتحدثة باسم البيت الأبيض المنتهية ولايتها نانسى بيلوسى وغيرها من صقور الحزب الديمقراطى تركوا بصمتهم خلال السنوات الأربع التى قضوها فى الكونجرس، وتحديدا فى دعم الروح العسكرية وقمع الاعتدال ومعاقبته. وأكثر ما يلفت النظر هو رفض بيلوسى والزعماء الديمقراطيين دعوات عدد من منظمات السلام وحقوق الإنسان لربط المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة إلى إسرائيل ومصر وغيرهما من بلاد المنطقة بوفاء هذه البلاد بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. أضف إلى هذا إصرار بيلوسى، ردا على القلق الذى عبر عنه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من انتهاكات حقوق الإنسان من جانب إسرائيل وحلفاء الولاياتالمتحدة الآخرين فى المنطقة، على مشروع قانون اعتمادات العمليات الخارجية الذى يحظر تخصيص أى أموال أمريكية، شأن بقية الدول الأعضاء، لدعم أعمال المجلس. كما أن هناك معضلة أخرى تتمثل فى أن الأعضاء الديمقراطيين بالكونجرس، بعد أن كفوا عن معارضتهم الطويلة للدولة الفلسطينية فى تسعينيات القرن الماضى، كان مشروع قانونهم الخاص باعتمادات العمليات الخارجية يحوى سلسلة من الإجراءات الغرض منها على ما يبدو هو الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل. تلخص «الشروق» مقال زيونز فيما يلى: تأجيج سباق التسلح فى مواجهة الإجماع الواسع بين خبراء ومراقبى الحد من التسلح على وجود كم هائل بالفعل من السلاح فى الشرق الأوسط، يصر الديمقراطيون بشكل واضح على أن الأسلحة الموجودة فى الشرق الأوسط غير كافية، وأن على الولاياتالمتحدة مواصلة دورها كمورد أساسى للسلاح فى المنطقة. وفى الوقت الذى يفقد فيه المدرسون وأمناء المكتبات والإخصائيون الاجتماعيون والعاملون فى مجال الرعاية الصحية وغيرهم من الأمريكيين وظائفهم بسبب نقص التمويل العام، يصب قانون الاعتمادات الذى وضعه الديمقراطيون مليارات الدولارات من أموال الضرائب لتقديم الأسلحة المتقدمة لإسرائيل وجاراتها من الدول العربية. وقد أوضحت بيلوسى والديمقراطيون رفضهم التام لدعوات منظمة العفو الدولية وغيرها من جماعات حقوق الإنسان لوقف المعونات العسكرية المقدمة إلى إسرائيل كرد على ارتكابها جرائم حرب أثناء الهجوم على قطاع غزة العام الماضى. وبرغم تجميد ميزانية الديمقراطيين بالفعل، صوَّت البرلمان الديمقراطى لزيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل التى تبلغ الآن 3.4 مليار دولار. ومع ذلك ينبغى التأكيد على أن نحو ثلاثة أرباع هذه «المعونة المخصصة لإسرائيل» تذهب فى النهاية إلى مصانع السلاح الأمريكية كما هو الحال بالفعل بالنسبة لكل المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر وعوائد مبيعات السلاح إلى دول النفط العربية الغنية، وهو ما يجعل الدعم العسكرى الأمريكى لإسرائيل لمواجهة هذه الدول العربية نفسها ضروريا للدفاع عن إسرائيل، طبقا لزعم الأعضاء الديمقراطيين بالكونجرس. تخريب حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بينما تعترف الحكومات الأوروبية وغيرها بضرورة قيام شكل من أشكال حكومة الوحدة الوطنية بين فتح والعناصر الأكثر اعتدالا من حماس من أجل مواصلة عملية السلام، تسعى بيلوسى وزملاؤها إلى تخريب هذا الجهد. وبالمقابل، فهم لا يضعون أية قيود على مليارات الدولارات من المساعدات للحكومة الائتلافية فى إسرائيل التى تضم أحزاب اليمين المتشدد الرافضة للاعتراف بفلسطين، ولا تنبذ العنف، ولا تؤيد نزع سلاح أنصارها من المستوطنين ولا تقبل بالاتفاقات السابقة، ومن بينها خارطة الطريق. وتدعو خارطة الطريق صراحة إلى تجميد بناء أى مستوطنات إضافية، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية بوضوح. وحسبما تقول بيلوسى والقيادة الديمقراطية، فإن على الفلسطينيين وحدهم الالتزام بالاتفاقات السابقة كشرط للفوز بدعم الولاياتالمتحدة. باختصار، فإن الفلسطينيين، من وجهة نظر بيلوسى والزعماء الديمقراطيين فى الكونجرس، ليست لهم نفس حقوق إسرائيل فيما يتصل بالدولة والأمن والالتزامات الدولية. والديمقراطيون عازمون على تقويض أية حكومة فلسطينية تجرؤ على ضم أى متشددين أو أى طرف معاد لإسرائيل حتى وإن كانوا أقلية فى ظل ائتلاف أوسع لكنهم لا يجدون مشكلة من أى نوع فى صب المليارات من أموال الضرائب لدعم حكومة إسرائيلية يسيطر عليها المتشددون وأطراف معادية للفلسطينيين. والوصف الوحيد لهذه الازدواجية فى المعايير هو: العنصرية. بنود أخرى ضد الفلسطينيين تعد مساعدة النازحين واللاجئين من المجالات الأخرى التى يتضح فيها انحياز بيلوسى والزعماء الديمقراطيين ضد الفلسطينيين. فهناك عدد من اللاجئين من جنسيات مختلفة تتولى الأممالمتحدة، بدعم جزئى من الولاياتالمتحدة، عمليات تقديم مواد الإغاثة إليهم، ومن بينهم روانديون وأكراد وكونغوليون وأفغان وعراقيون وصوماليون، وغيرهم ممن ينتمون إلى بلاد شهدت، أو مازالت تشهد، أنشطة إرهابية. لكن بيلوسى والزعامة الديمقراطية، وكجزء من قانون الاعتمادات، تستثنى الفلسطينيين وحدهم وتلزم الخارجية الأمريكية بالعمل مع الأممالمتحدة والحكومات المضيفة من أجل «تقديم استراتيجية لاستبعاد من يثبت تورطهم فى أعمال إرهابية». ومقابل هذه المساعدات غير المباشرة والمشروطة لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ فلسطينى، ينص قانون بيلوسى على تخصيص ما لا يقل عن 30 مليون دولار للمساعدة على إعادة التوطين فى إسرائيل، بالرغم من عدم تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين على إسرائيل منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى. وخلال السنوات الماضية، شجعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المهاجرين على العيش فى المستوطنات اليهودية المدعومة، المقامة بصورة غير شرعية على أراض مصادرة فى المناطق المحتلة بالضفة الغربية ومرتفعات الجولان، فى انتهاك واضح لسلسلة قرارات مجلس الأمن الدولى والأحكام الاستشارية المهمة لمحكمة العدل الدولية. وتضمين تمويل إعادة التوطين هذا فى برنامج اعتمادات هذا العام يشجع إسرائيل على المزيد من الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية والسورية المحتلة، والتقليل بذلك من فرص السلام. ويحدث هذا فى الوقت الذى مازالت إسرائيل تمنع فيه اللاجئين الفلسطينيين، الذين طردوا عنوة من منازلهم فى إسرائيل الآن، من ممارسة حقهم فى العودة، منتهكة بذلك قواعد حقوق الإنسان الدولية. ولم يخصص إلا 75 مليون دولار للضفة الغربية، بينما لم تخصص أية مبالغ للسلطة الفلسطينية نفسها بقيادة محمود عباس. بالمقابل، فى حين تذهب المساعدات الاقتصادية المخصصة لإسرائيل مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية وتزيد عادة على 15 ضعف ذلك المبلغ، ومع ذلك يقل دخل الفرد من إجمالى الدخل الفلسطينى فى الضفة الغربية وقطاع غزة عن واحد إلى عشرين من دخل الإسرائيلى اليهودى. والحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية المدعومة من الولاياتالمتحدة توفر لمواطنيها الرعاية الصحية الدولية المجانية، والتعليم المدعوم بسخاء، وغير ذلك من البرامج الحكومية التى فشل الكونجرس الديمقراطى والإدارة الديمقراطية فى توفيرها للمواطن الأمريكى. ويتضمن مشروع بيلوسى شروطا وقيودا مطولة ومفصلة لبرامج الضفة الغربية، إلى جانب قواعد للفحص والتدقيق والمحاسبة لا نراها فى مكان آخر من العالم. ويتضمن برنامج هذا العام شروطا غير مسبوقة بضرورة خضوع كل الأموال للمراجعة الدورية. كما أن هناك عددا من الاشتراطات التى لا مثيل لها فى أى دولة أخرى، مثل البند الذى يحظر تقديم أى مساعدة لهيئة إذاعة وتليفزيون فلسطين. وبرغم التقدم الحقيقى الذى أنجزه رئيس الوزراء الفلسطينى سلام فياض فى تطهير الفساد المتفشى فى السلطة الفلسطينية، تفرض بيلوسى والديمقراطيون المزيد من إجراءات المحاسبة الصارمة على المساعدات المقدمة للفلسطينيين حتى أكثر مما كان عليه الحال فى عهد الحكم الفاسد للرئيس الراحل ياسر عرفات. ويبدو أن هدف الديمقراطيين هو جعل الأمور أمام الفلسطينيين الذين يعانون بالفعل فى ظل الحصار الإسرائيلى المدعوم من الولاياتالمتحدة أكثر صعوبة فى تلبية احتياجاتهم الأساسية من الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والتنمية الاقتصادية. حواجز على طريق الاستقلال الفلسطينى بالرغم من أن الولاياتالمتحدة تظل الداعم العسكرى والاقتصادى والدبلوماسى رقم واحد للحكومات القمعية فى الشرق الأوسط بما فى ذلك الملكيات المستبدة والطغم العسكرية وجيوش الاحتلال يصر مشروع القانون على أن «الهيئة الحاكمة» للفلسطينيين «ينبغى أن تضع دستورا يضمن سيادة القانون، واستقلالية القضاء، واحترام حقوق الإنسان لكل المواطنين، وأن تسن القوانين واللوائح التى تضمن قيام حكم شفاف وقابل للمحاسبة». وهذه اللغة تغيب عن مرسوم الاعتمادات الديمقراطى فيما يخص بقية البلاد. كما أن هناك مواد تمنع تقديم الدعم الأمريكى للفلسطينيين ما لم يوفوا بقائمة من المعايير الخاصة بمتطلبات الأمن الإسرائيلى. وهو أيضا ما لا نجده بالنسبة للبلاد الأخرى المتضمنة بمشروع الاعتمادات. وأحد الأشياء التى تستهدفها بيلوسى وغيرها من الزعماء الديمقراطيين هو رغبة الفلسطينيين فى استعادة الأحياء المأهولة بالسكان العرب من القدسالشرقية، الواقعة تحت الاحتلال العسكرى الإسرائيلى منذ استيلاء إسرائيل على المدينة فى 1967. فبالإضافة إلى أهميتها الدينية بالنسبة لكل من المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين، تعتبر القدس منذ زمن بعيد أهم مركز ثقافى وتجارى وسياسى وتعليمى للفلسطينيين وتضم أكبر عدد من السكان الفلسطينيين فى أى مدينة من مدن العالم. ونظرا لأهمية المدينة بالنسبة لكلا الشعبين، يجب على أى اتفاق سلام دائم الاعتراف بالقدس عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين