مع بدء احتفالات الطوائف المسيحية بمصر بعيد الميلاد المجيد، وبعد مرور قرابة أسبوع على التفجير الذي استقبلت به مصر العام الجديد، ما زالت أجهزة الأمن المصرية حائرة عن تحديد الجهة التي تقف وراء ذلك التفجير، الذي وقع أمام كنيسة "القديسين" بالإسكندرية، وخلف 23 قتيلا على الأقل، وعشرات الجرحى. ومما يزيد الغموضَ حول التفجير، الذي تقول السلطات، وفي مقدمتها الرئيس المصري حسني مبارك، إن هناك "أصابع خارجية" تقف وراء تنفيذه، أنه لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه حتى اللحظة، في الوقت الذي كشفت فيه وزارة الداخلية عن رسم توضيحي لشخص قالت إنه منفذ الهجوم، رغم تضارب التقارير حول ما إذا كان التفجير ناجما عن هجوم انتحاري، أم سيارة مفخخة. ويرجح معظم المراقبين تورط تنظيم "القاعدة" في تفجير كنيسة القديسين، خاصةً أن التنظيم كان قد هدد، في وقت سابق من العام الماضي، باستهداف المسيحيين في مصر ودول عربية أخرى، الأمر الذي دفع السلطات إلى تعزيز إجراءات الأمن حول الكنائس، إلا أن تلك التعزيزات لم تحُل دون التفجير، الذي وقع بعد نحو 20 دقيقة فقط على بداية 2011. الكاتب الصحفي ضياء رشوان، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية، والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، رجح تورط بعض ممن سماهم "شباب التيار السلفي"، مشيراً إلى أن هؤلاء الشباب من "المتشددين"، الذين ربما وقعوا تحت تأثير أفكار تنظيم القاعدة في العراق، في ضوء التهديدات التي أطلقها التنظيم مؤخراً ضد الكنائس المصرية. وأوضح رشوان، في تصريحات لCNN بالعربية، أن المتفجرات المستخدمة في تنفيذ الهجوم "تم صنعها بشكل متطور فنياً، وتحمل بصمة قاعدة العراق، حيث لا يمكن أن تحدث قنبلة بدائية ومحلية الصنع، كل هذا العدد من القتلى". وأضاف قائلا: "ما يحدث ليس فتنة طائفية بقدر ما هو أزمة مواطن، فمن الوارد أن يحدث تمييز بين المسلمين وبعضهم، والمسيحيين وبعضهم، لذا ربما تكون الظروف المحيطة بالمواطنين في البلد، من عدم وجود ديمقراطية، أو تداول للسلطة، وتطبيق القانون، أدى إلى إيجاد نوع من العنف المتبادل بين الطرفيين". من جانبه، قال ثروت باسيلي، وكيل المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس، إن "المصريين بمختلف طوائفهم يعلمون أن تنظيم القاعدة وراء أحداث الإسكندرية، فالقاعدة دائما ما تصدر تحذيرات وتنفذها"، إلا أنه شدد على قوله إن "ما حدث زاد الالتحام بين المسلمين والمسيحيين". ورفض باسيلي، في تصريحاته لCNN بالعربية، تحميل الكنيسة المصرية جزءا من مسؤولية ما حدث على خلفية ما تردد عن احتجاز بعض الفتيات اللواتي أعلن إسلامهن، مشيراً إلى "أن تلك الفتيات مختفيات بإرادتهن بعيداً عن أعين الناس، حتى لا يصبن بأذى، والدولة تعرف مكانهن". وفي نفس الإطار، قال عبد المنعم بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن "الإرهابيين استخدموا قضية وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، كذريعة لارتكاب جريمتهم، لذا فإن من المرجح أن تكون القاعدة قد خدعت بعض الشباب المصريين للقيام بهذا الحادث"، في إشارة إلى تقارير أفادت بأن هاتين السيدتين كانتا قد اعتنقتا الدين الإسلامي، قبل أن تجبرهما الكنيسة على العودة للمسيحية. إلا أن بيومي أضاف قائلا لCNN بالعربية، إن تصريحات بابا الفاتيكان حول حماية المسيحيين في مصر كانت "غير موفقة، وتعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للبلاد"، وتابع أن "الأقباط والمسلمين لهم حق الحماية كمواطنين، ومصر قائمة بدورها في هذا الأمر". كما أعرب الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، وعضو الجمعية المصرية للتغيير سابقاً، عن تأييده لنظرية تورط عناصر خارجية في تفجير الإسكندرية، قائلا إن "الجريمة أكبر من أن تنفذها أطراف داخلية"، مرجحا أن يكون وراء الحادث "تنظيم القاعدة، أو خلايا مرتبطة به وتؤمن بأفكاره"، أو "جهات خارجية تهدف إلى إضعاف النظام الحاكم". ولكنه شدد على أن "تورط أطراف خارجية، لا ينفى مسؤولية الحكومة في حماية المواطن"، وأضاف أن "الإهمال الثقافي، وعدم وجود إصلاح سياسي، خلق بؤرة واسعة من الجهل والتعصب"، كما قال إن "عدم وجود خطاب سياسي قوي، يجعل المتطرفين يشغلون الناس بأشياء هامشية، بدلا من الاهتمام بقضايا الوطن". من جانبه، أعرب المحامي منتصر الزيات، المعروف ب"محامي الجماعات الإسلامية"، عن تأييده لفرضية وجود "أصابع خارجية" وراء تفجير كنيسة "القديسين"، إلا أنه استبعد تورط تنظيم القاعدة في تنفيذ الهجوم، فيما رجح أن يكون من تنفيذ ما سماه "السلفية الجهادية"، والتي ربما تعتنق أفكار القاعدة وتتبنى نفس نمط التنظيم. وقال الزيات، في تصريحات لCNN بالعربية، عبر الهاتف من القاهرة: "هناك من يريد أن يستغل هذا الملف لإحداث البلبلة في مصر"، وتابع قائلا إن "إسرائيل لها مصلحة" في أن تستغل هذا "الملف الشائك" للوقيعة بين المسلمين والمسيحيين وإحداث فتنة طائفية بين المصريين. وأشار إلى تورط جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" في محاولة مشابهة لتفجير إحدى الكنائس في حي "المطرية" بالقاهرة عام 1991، حيث ألقى أفراد حراسة الكنيسة القبض على شاب أثناء محاولته زرع عبوة ناسفة داخل الكنيسة، اتضح أنه عميل للمخابرات الإسرائيلية، وتم تقديمه للمحكمة حيث صدر حكم بسجنه لمدة عشر سنوات، وقال إن السلطات الأمنية فرضت تعتيما على القضية. كما أشار محامي الجماعات الإسلامية إلى أن "الجاسوس"، الذي اعتقلته أجهزة الأمن المصرية مؤخراً، أفاد في اعترافاته بأنه كان مكلفا من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، بتجنيد شباب من عناصر الجماعات الإسلامية، لاستغلالهم في إحداث فتنة داخلية. ولكن الزيات قال إنه لا يستبعد أيضاً أن يكون الهجوم من تنفيذ أحد أفراد "الأجيال الجديدة من السلفية الجهادية"، مشيراً إلى أن تلك العناصر، التي لا يجمعها تنظيم بعينه، عادة ما تكون بعيدة عن المتابعة والرقابة الأمنية، ولم يصدر بحقهم أحكام سابقة، مشيراً إلى أنهم قد يتم شحنهم من عناصر خارجية، كما حدث في تفجيرات "طابا" و"شرم الشيخ"، أو شحنهم بفعل "توترات طائفية" داخلية.