قبل أيام من استفتاء تقرير مصير الجنوب المقرر الأحد المقبل، وصل الرئيس السودانى عمر البشير إلى مدينة جوبا، عاصمة الجنوب، أمس فى زيارة يراها الكثيرون «زيارة الوداع»؛ نظرا لشبه الإجماع على أن الجنوبيين سيصوتون لصالح الانفصال عن الشمال. واستقبل جنوبيون البشير برقصات قبلية، وهتاف: «نعم نعم للانفصال»، و«لا لا للوحدة»، و«يسقط (حزب) المؤتمر الوطنى (الذى يتزعمه الرئيس)». وسبق وصول البشير إلى جوبا، وصول نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار قادما من العاصمة الكينية نيروبى على متن طائرة ترفع العلم الكينى. وحول إمكانية أن تؤثر زيارة البشير على نتائج الاستفتاء، قال وزير التعاون الدولى فى حكومة الجنوب دينق ألور ل«الشروق» فى مطار جوبا إن «هذه الزيارة لن يكون لها أثر على اختيارات الجنوبيين»، مشددا على أن «الجنوبيين اليوم يختارون الانفصال بعد أن فشلت حكومة الشمال فى جعل الوحدة جاذبة». ومضى ألور قائلا: «لن نوقع على اتفاقات جديدة مع المؤتمر الوطنى.. عليهم أن يجلسوا معنا لحل كل القضايا العالقة، وفى مقدمتها مصير منطقة أبيى الغنية بالنفط.. عليهم أن يحلوا هذه المشكلة معنا حتى نتفادى كل السلبيات». وقد التقى البشير برئيس حكومة جنوب السودان، نائبه الأول، سيلفاكير ميراديت، حيث بحثا القضايا العالقة بين الشمال والجنوب. ومن بين هذه القضايا: ترسيم الحدود، ومصير منطقة أبيى الغنية بالنفط، والجنسية، والديون الخارجية، واقتسام إيرادات النفط، وأى منها قد يثير مواجهة محتملة فى الأسابيع التالية على الاستفتاء. وقد استعرض البشير مع قيادات حزبية وحكومية مسيرة عملية السلام بين الشمال والجنوب. فى غضون ذلك، أعلنت مفوضية استفتاء جنوب السودان أن نحو أربعة ملايين شخص من الجنوب، أو نصف سكان الجنوب تقريبا، سجلوا للمشاركة فى استفتاء الأحد المقبل الذى يختار خلاله الجنوبيون إما استمرار الوحدة مع الشمال أو الانفصال. ومن المرجح على نطاق واسع أن يقسم هذا الاستفتاء أكبر بلد أفريقى من حيث المساحة إلى دولتين. وقال عضو المفوضية تشان ريك مادوت إن «العدد الإجمالى للمسجلين فى الجنوب، وفى ثمانى دول فى الخارج وفى ولايات شمال السودان، هو 3930916». وتوجد الأغلبية العظمى من الناخبين فى جنوب السودان، وليس مسجلا فى الشتات سوى 60 ألفا، وأقل من 120 ألفا فى الشمال، وسط اتهامات بترويع الناخبين والخوف من أعمال انتقامية إذا انفصل الجنوب. وأوضح مادوت أن 52% من الناخبين المسجلين نساء. ويلزم مشاركة 60% من الناخبين المسجلين فى الاستفتاء كى يكون صحيحا. وقد نفت المفوضية كل ما يشاع عن شبهات تزوير ببطاقات الاقتراع، واصفة ما يتردد بأنه محض افتراء وحديث غير صحيح. وأوضحت الناطقة الرسمية باسم المفوضية سعاد إبراهيم عيسى أمس أن بطاقة الاقتراع تم تصميمها بصورة يستحيل معها التزوير، داعية الشارع السودانى إلى عدم الالتفات لمثل هذه الشائعات، والاطمئنان إلى أن عملية الاستفتاء لن تشوبها أى شوائب تنال من المواطن. وفى واشنطن، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها متفائلة قبل الاستفتاء الذى سيتوج اتفاق السلام الشامل الموقع بين الشمال والجنوب عام 2005، والذى أنهى حربا أهلية دامت نحو ربع قرن، قتل فيها حوالى مليونى شخص. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بى. جيه. كراولى فى مؤتمر صحفى بواشنطن «فى هذه المرحلة نشعر بالتفاؤل بشأن الاستفتاء». وأضاف كراولى أن المبعوث الخاص لإدارة الرئيس باراك اوباما للسودان سكوت جريشن، والدبلوماسى المخضرم الذى عين لمساعدة المفاوضات بين الشمال والجنوب، برنيستون ليمان وهو، سيكونان فى السودان لحضور الاستفتاء. وكأحد التداعيات المتوقعة للانفصال المرجح، أعلن الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبى المعارض حسن الترابى أن رؤساء الأحزاب المعارضة اتفقوا على الإطاحة بنظام الرئيس «البشير سلميا». وتعتبر المعارضة أن الحكومة ستصبح غير شرعية إذا انفصل الجنوب، داعية إلى تشكيل حكومة انتقالية، وهو ما يرفضه البشير، الذى يدعو من جهته المعارضة إلى حكومة ذات قاعدة عريضة.