اتصل بى المركز الثقافى الأمريكى بالإسكندرية طالبا موعدا لزيارة القنصل الجديد رئيس المركز فحددت لذلك الساعة الواحدة ظهرا من يوم الأربعاء الموافق 22/12/2010م فى مكتبى بسموحة وفى الموعد حضرت القنصل ومعها مترجمة وهى شابة سمراء تحاول الحديث بالعربية رغم حداثة وجودها بمصر إذ لم يمض على وجودها أكثر من ستة أشهر وقد أخبرتنى أن سبب الزيارة محاولة التعرف على المجتمع المصرى وقد سألت عن الأشخاص الذين يمكنها أن تلتقى بهم فكنت أنا من بين من رشح ولذلك فقد سعت إلى هذا اللقاء وقد دار بيننا الحديث التالى: كان أول ما سألت عنه القنصل هو ما الذى تريده المعارضة فى مصر وكان ردى أن المعارضة تهدف إلى أن ترى مصر البلد الكبير بشعبه وتاريخه وموارده البشرية والمادية فى المكان الذى يليق به بين شعوب العالم، لقد بدأنا التحول بالتوازى مع بلاد كثيرة مثل النمور السبعة الآسيوية والصين والهند وبلاد أخرى كثيرة ولكن هذه البلاد سبقتنا بكثير نتيجة لأن نظامها السياسى مكنها من أن تتقدم وتسير فى ركب الحضارة، وحتى الصين رغم عدم تمتعها بنظام ديمقراطى فإن نظامها السياسى جعلها تنافس أمريكا أقوى دولة فى العالم، أما نحن فإن نظامنا السياسى جعلنا نتأخر كثيرا وجعل المشكلات تتفاقم حتى كادت البلاد تصل على طريق مسدود لعدم وجود أمل فى الإصلاح القريب، وأنتم للأسف الشديد تشجعون هذا النظام وتقفون معه ضد محاولة التغيير بحجة المحافظة على الاستقرار فى مصر رغم أن بقاء الوضع على ما هو عليه الآن من سوء ليس استقرارا بل هو وضع قلق لأن الاستقرار الحقيقى لا يقوم إلا على الديمقراطية كما هو الحال فى البلاد المتقدمة التى لا تعرف الثورات أو الانقلابات أما البلاد القائمة على النظام القمعى فإنها عرضة للتغير المفاجئ نتيجة لوجود قلق فيها وجذوة النار التى تختفى تحت الرماد، وأنتم والغرب بصفة عام تراهنون على أن الشعب المصرى شعب طيب لا يعرف الثورات ويرضى بالقليل رغم أن شعب مصر عرف الثورات قبل ذلك فى سنة 1919م وانتقض على حكومة جمال عبدالناصر بعد هزيمة سنة 1967م مما أجبره على عمل بعض التغيير ومحاكمة من كان سببا فى النكسة، وكان السؤال الثانى عما يثار فى الشارع المصرى من عدم تنفيذ الحكومة لأحكام القضاء وهل سيؤثر ذلك على مدى صحة مجلس الشعب الحالى وكان جوابى أن أشد ما نعانى منه فى مصر هو عدم احترام القانون وعدم تنفيذ أحكام القضاء باعتبارها الرأى القانونى السليم فى المنازعات التى صدرت فيها هذه الأحكام وقد شاعت هذه الظاهرة، والحكومة هى السبب فى ذلك لأنها تضرب المثل للناس فى هذا السلوك وبالطبع فإن عدم احترام هذه الأحكام سيؤدى إلى بطلان عضوية عدد كبير من أعضاء مجلس الشعب الأمر الذى يؤثر بالتأكيد على شرعية المجلس وهو أمر حذرنا منه كثيرا وكان دون مجيب على أمل من الحكومة أن المجلس لن يستجيب لأحكام البطلان وسيبقى الأعضاء الذين يحكم ببطلان عضويتهم فى المجلس مهما كانت النتائج وهذا أكبر مثال على عدم احترام أحكام القضاء وهو وضع لا يليق ببلد مثل مصر ومثال خطير جعل البلاد العربية تحتذى به، الأمر الذى جعل العالم العربى مثالا فى عدم احترام القانون. ودار الحديث بيننا عما نطلق عليه فى مصر كوتة المرأة وقد سألتها بدورى عما إذا كانت هناك كوتة للمرأة فى أمريكا أو أى بلد ديمقراطى فأجابت بالنفى فقلت لها: لذلك فإن المعارضة فى مصر ترى أن نظام الكوتة لم يقصد بها إلا تقوية شوكة الحزب الوطنى أكثر مما هى عليه الآن، والحقيقة أن نظام الكوتة هذا معمول به فى مصر منذ عهد الثورة حيث تم تقسيم الشعب إلى عمال وفلاحين وفئات أخرى وهو نظام يقصد به أن يكون نصف أعضاء المجلس على الأقل من غير المتعلمين الذين يسهل السيطرة عليهم وتوجيههم الوجه الذى تريده الحكومة وهو ما شاهدناه فى كل المجالس الشعبية منذ سنة 1952م حتى الآن، وإمعانا فى تفتيت وحدة الشعب المصرى حتى يمكن السيطرة عليه تم اختراع مسألة الكوتة هذا وهو ما جعل الإخوة المسيحيين أيضا يطالبون بكوتة لهم وهكذا يصير تفتيت الشعب المصرى وبث الفرقة فيما بينه وهو نظام لا يقصد به بالتأكيد مصلحة الشعب المصرى إذ إن النائب المفروض أن يمثل الشعب المصرى بجميع مصالحه وفئاته وتوجهاته ولا يدافع عن فئة معينة حتى وإن اختلفت مصلحتها مع مصلحة الشعب كله، ولذلك فإن الشعب يرفض هذه التقسيمات التى لا وجود لها إلا فى مصر ولا هدف لها إلا تفوق الحزب الوطنى وتمكينه من البقاء فى الحكم أكبر وقت ممكن حتى إن كان ذلك على حساب الشعب ومصالحه وقد سألتها بدورى على السبب الذى من أجله تقف الحكومة الأمريكية مع الحكام المستبدين الذين يتسببون فى شقاء وتأخر شعوبهم ولماذا أمريكا منحازة دائما وبصورة عمياء إلى إسرائيل حتى إنها تقف ضد قرار بسيط لا يقدم ولا يؤخر يمكن أن يصدر ضدها من مجلس الأمن الأمر الذى يجعل الشعوب العربية تكره الحكومة الأمريكية وتشعر أنها العدو الأول للشعب العربى فكان جوابها عن سؤالى ابتسامة استغراب تدل على أنها غير مدركة الأسباب الحقيقية وراء ذلك. وامتد الحديث إلى ما يقال من أن وجود الديمقراطية فى مصر ومنع التزوير معناه وصول التيار الدينى المتعصب المتمثل فى الإخوان المسلمين إلى الحكم ومزيد من الديكتاتورية وعدم تركه الحكم فقلت لها إنه من الظلم البين الحكم على الأشياء قبل التعرف عليها وتجربتها ونحن لم نجرب غير الحزب الوطنى وحكومته ولم نجرب أى حكومة أخرى لكى نحكم عليها ولا يليق بالحزب الوطنى أن يقول ذلك وهو من يتمسك بالحكم ولا يريد أن يتركه ويسلك كل الطرق غير القانونية للحفاظ عليه، إننا لا نزعم أن التغيير الذى نطالب به سيأتى إلينا بأفضل العناصر للحكم، ولكن كل هدفنا هو أن نستعيد حريتنا فى اختيار من يحكمنا، فإن كان صالحا جددنا ثقتنا فيه مرة أخرى وإذا ثبت فشله نزعنا منه الثقة وأعطيناها لغيره وهكذا كل شعوب العالم تفعل ذلك، لقد اخترتم الرئيس بوش الابن وعندما فشل سمح نظامكم باستبعاده والإتيان بآخر محله، مع العلم أن العالم العربى كان ينتظر من الرئيس أوباما الكثير من أجل الحرية وقضية فلسطين ولكن خاب أمله فيه بدرجة كبيرة ولم نجد هناك فارقا بينه وبين سلفه وهكذا أنتم حريصون على مصالح إسرائيل أكثر من حرصكم حتى على مصلحتكم الشخصية. نحن كل ما نحرص عليه هو أن تسترد إرادتنا فى اختيار ومن يحكمنا وأن يتولى حكمنا أفضلنا بغض النظر عن جنسه ودينه ولونه لأن معيار الكفاءة والمقدرة هو الذى يجب أن يكون سائدا فى المرحلة المقبلة لأنها مرحلة البناء والخروج من المشكلات التى أصبحت تحاصر الشعب المصرى من كل اتجاه. ونحن نؤمن إيمانا كبيرا أنه لا يمكن أن نتقدم بغير إصلاح النظام السياسى وهذا ما حدث فى كل البلاد التى سبقتنا وأقرب مثال لذلك تركيا التى استطاعت عن طريق حزب العدالة والتنمية الخلاص من مشاكله وتقدم الصفوف فى أقل من عشر سنوات ثم تطرق الحديث إلى وجود قيادات قادرة على تولى أمر مصر فى حالة ترك الحزب الوطنى الحكم فقلت أن مصر مليئة بالكفاءات فى كل مجال والتى يمكن أن تتولى زمام الأمر وقيادة البلاد وإخراجها من عثرتها وما يمنع هذه القيادات من الظهور هى الظروف السياسية الغير مواتية التى لا تتيح فرصة للكفاءات أن تظهر وتعمل ولا تسمح إلا للموالين للحكم بالظهور ولديكم فى أمريكا كما تعلمين قيادات علمية وكفاءات مصرية تسهم فى رقى الولاياتالمتحدة نفسها وأوروبا وجميع البلاد العربية. منذ أمد بعيد والحكومات الأمريكية المتعاقبة تلعب على الحصان الخاسر فى البلاد العربية والإسلامية فقد أعانت شاه إيران على شعبه وفى النهاية خسرت إيران وخسرت سمعتها بالتخلى عن صديقها واليوم تشجع الحكام المستبدين ضد شعوبهم كما تساند إسرائيل بطريقة مستفزة حتى أنها تخشى عليها من مجرد إدانة فى مجلس الأمن لا تقدم ولا تؤخر وهى بذلك تستجلب غضب وكراهية الشعب المصرى والعربى ولا تحافظ على مصالحها فى هذه البقعة من العالم فى الأمد البعيد. بهذا انتهت الدردشة مع القنصل الأمريكى بالإسكندرية لعلها تسهم فى إعطاء فكرة صحيحة للشعب والحكومة الأمريكية عن طبيعة ومشاكل الشعب المصرى، ونأمل ألا تخرج علينا أقلام كتاب السلطة بالاتهام بالاستقواء بالأجنبى.