تجىء ملابسات الإعلان عن شبكة التجسس الإسرائيلية الأخيرة كما هو الحال مع كل قضية تجسس لتعيد من جديد التساؤلات حول دور كل من الأساليب الأمنية والسياسية فى التصدى لقضايا الجاسوسية الإسرائيلية بشكل خاص. بالنسبة لأستاذ القانون وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد محمود السقا يبدو التعامل الأمنى المصرى مع قضايا الجاسوسية والجواسيس الذى تبدى فى القضية الأخيرة وغيرها من القضايا «فى منتهى اليقظة والوطنية»، لكن رد الفعل السياسى ربما ليس على هذا المستوى. فالملابسات الأولية التى تشير إليها التحقيقات فى القضية الأخيرة وغيرها من محاولات التجسس الإسرائيلى على مصر، من وجهة نظر السقا «تبدو متسقة من الناحية السياسية مع الميول العدوانية والنوايا التوسعية لإسرائيل وعربدتها فى المنطقة العربية». يثير ذلك بالنسبة لأستاذ القانون تساؤلات حول «معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل» والتى يعتقد أن إسرائيل دأبت على الإقدام على أشكال مختلفة من الضرب عرض الحائط بها ومن بينها التجسس الذى يتنافى مع حقيقة وجود معاهدة سلام، وهو ما يتطلب من وجهة نظره تحركا سياسيا لإعادة النظر فى المعاهدة. وبالرغم من أن القيادى اليسارى وعضو المجلس الرئاسى لحزب التجمع حسين عبدالرازق يشير إلى أن قضايا التجسس شائعة وتحدث حتى بين الدول الصديقة كما حدث مثلا من قيام إسرائيل بالتجسس على حليفتها الأكبر؛ الولاياتالمتحدة نفسها، إلا أنه يؤكد أن الأمر يأخذ أبعادا خاصة بين مصر وإسرائيل. يقول عبدالرازق: «رغم اتفاقيات الصلح المبرمة بين مصر وإسرائيل فإن إسرائيل بالنسبة لمصر وفى الاستراتيجية العسكرية المصرية لاتزال «عدوًا»، كما أن إسرائيل لا تزال تنظر لمصر على أنها عدو وخطر محتمل وكبير عليها وبالتالى تحرص على التجسس عليها بصورة دائمة». ويفرق عبدالرازق بين نوعين من قضايا التجسس أحدهما هو النوع الذى يتم التعامل معه على المستوى الأمنى والقضائى فقط، والآخر وهو الأكثر خطورة من وجهة نظره الذى يمثل تهديدا كبيرا لأمن البلد أو تتورط فيه سفارات الدول وهو ما يستدعى رد فعل سياسيا من قبيل طرد دبلوماسيين أو تخفيض التمثيل الدبلوماسى. وبالرغم من أن القيادى اليسارى يرى أن الملابسات التى كشفت عنها حتى الآن التحقيقات فى القضية الأخيرة لا تشير إلى أنها من هذا النوع الأخير، فإنه وجه انتقادات عنيفة للسياسة المصرية بشكل عام فى التعامل مع إسرائيل نتيجة لارتباطها بالسياسة الأمريكية، وما تقدم عليه من تنازلات مجانية فى التعامل معها لهذا السبب. وفى هذا السياق يأخذ الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام عمرو هاشم ربيع على التعامل المصرى مع قضايا الجاسوسية الإسرائيلية على مصر منذ معاهدة السلام وحتى الآن أنها تكتفى دائما بالمواجهة الأمنية والقضائية دون المواجهة السياسية، وهو ما يراه مرتبطا ب«شيخوخة النظام» على حد تعبيره. «ومع عدم القبض على الأطراف الإسرائيلية المتهمة والتى تكون فى الخارج عادة والاكتفاء بأحكام غيابية ضدهم، وعدم اللجوء إلى إجراءات سياسية مثل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى، فإن رد الفعل المصرى يصبح فى النهاية أقل مما يجب».