فساد العسكرى والوزير.. بقدر ما كان جامعا لقضاة وحكوميين وممثلى الأجهزة الرقابية فى قاعة واحدة بأحد فنادق القاهرة أمس الأول كان مفرقا لهم. فحين رأت سحر الطويلة مديرة مركز العقد الاجتماعى أن الموظف الذى لا يعمل بكفاءة طوال ساعات عمله اليومى الذى يتقاضى عنه أجرا يعد فاسدا. رأى أحمد رجب مدير مركز الشفافية بوزارة الاستثمار أن الموظف الذى يعمل فى غرفة ليس بها هواء، ولا تدخلها الشمس ولا يجد ماء نظيفا يشربه ثم بعد ذلك لا يعمل لا يمكن أن نعتبره فاسدا. وجاء التباعد بين رأى المديرين اللذين نظما بالمشاركة معا مؤتمرا يحمل عنوان «نحو استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد» ليعكس التفاوت الكبير فى رؤى الفساد بين المعنيين بمحاربته من أجهزة رقابية وقضائية وتشريعية وحكومية. ففى حين يرى سيد عزت مستشار مجلس الدولة أن حادث حريق قصر ثقافة بنى سويف فى عام 2005 وما حدث فيه من إهمال ولامبالاة وتدن فى مستوى الخدمة والذى أودى بحياة عدد كبير من الفنانين والجمهور يعد فسادا. وكذلك «ما حدث من إهمال فى قطار العياط فى عام 2002 وما شابه من عدم مراعاة لأصول الوظيفة هو الآخر فساد» على حد قول مستشار مجلس الدولة. على الجانب الأخر لا يرى عبد الفتاح الجبالى عضو لجنة الشفافية والنزاهة بوزارة التنمية الإدارية أن مثل هذه النماذج هى من قبيل الفساد مؤكدا أن هذا توسيع لمعنى الفساد بأكثر كثيرا مما يحتمل الأمر على حد تعبيره. العسكرى والوزير وبينما كان أحمد رجب مدير مركز الشفافية يطرح كيف أن سنغافورة، البلد الذى لا نكاد نراه على الخريطة استطاع أن يكافح الرشاوى التى يحصل عليها عسكرى المرور عن طريق ما أعلنه رئيس وزرائه السابق: «سوف نعطى العسكرى 25 ألف دولار نظير ألا يحصل على رشاوى ولكن إذا فعلها يتعرض للإعدام» على حد قول مدير المركز. كان على الجانب الآخر البعض الذى يطرح أشكالا من الفساد لا يمكن التحقيق فيها ولا يحلها دفع رواتب أعلى مثلما قاله سيد عزت المستشار بمجلس الدولة من أن وزير صناعة سابقا فى قضية الرشوة الكبرى فى شركة السكر عين موظفا على المعاش (وهو متهم فى القضية) كرئيس للجنة البت فى عروض شركات أجنبية بتاريخ سابق لخروجه على المعاش حتى يستطيع الاستمرار فى اللجنة وهو يعد قرارا خطيرا ومخالفا وعند سؤاله قال: «هذا لمصلحة مصر»، ولم يستطع أحد محاسبة هذا الوزير على حد تأكيد المستشار. الوزير يراقب نفسه وعلى جانب آخر انتقد حسين محمود أخصائى أول فريق مكافحة الفساد بمركز العقد الاجتماعى جمع الوزراء بين دورهم التنفيذى كأعضاء فى الحكومة وعضويتهم فى البرلمان التى تجعلهم يقومون بدور رقابى مطالبا بالفصل بين الدورين. وقال إن تبعية الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية مثل تبعية جهاز المحاسبات لرئيس الجمهورية والرقابة الإدارية لرئيس الوزراء والكسب غير المشروع لوزارة العدل توثر على استقلالية هذه الأجهزة «باعتبار أن السلطة التنفيذية سوق تكون هى المراقب والمراقب عليه فى نفس الوقت، وهو ما يخالف المبادئ السليمة للفكر الرقابى. كما أن الاختيار والترقية فى الوظيفة العامة يفتقر إلى الآليات التى من شأنها منع المحسوبية والوساطة وأدى ذلك إلى تحويل بعض الأجهزة الحكومية إلى أجهزة ذات طابع عائلى» تبعا لمحمود. وقد اتفق هذا مع ما قاله أحمد رجب مدير مركز الشفافية من أن المصريين بشكل عام متسامحون مع الفساد. وجاء متسقا أيضا مع النتائج التى أظهرها المسح القومى الذى أجراه مركز العقد الاجتماعى بمركز معلومات مجلس الوزراء وتبين منه أن 3% فقط من المبحوثين فى عينة البحث هم من أبلغ الأجهزة الرقابية عن واقعة فساد، أو احتاج إلى اللجوء إلى القضاء ورفع دعوى قضائية ضد شخص أو جهة وذلك تبعا للمسح.