ماتت عملية السلام فى الشرق الأوسط، لكن أحدا لم يبد أسفه. وانتهت عشرون شهرا من الجهود الأمريكية لتجميد الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية من أجل تهيئة بيئة مشجعة على التفاوض بأزمة. بل إن قليلين على ما يبدو هم الذين انتبهوا لإعلان إدارة أوباما هذا الأسبوع عن وقف هذه الجهود. وتحول واشنطن إلى التركيز على مفاوضات واعدة مع الكونجرس بشأن تجديد سريان التخفيضات الضريبية. وتحول اهتمام إسرائيل إلى أزمات شتى، أولا فضيحة جنسية للشرطة ثم كارثة طبيعية. فى الضفة الغربية الحياة طيبة، فنسبة النمو تصل إلى 11%، ونسبة البطالة منخفضة، والشرطة الفلسطينية تحفظ النظام. وحتى فى غزة، هناك حياة طبيعية جديدة تترسخ وإن كان ذلك فى ظل حكم حماس القمعى. ولا تزال حماس وحزب الله وإيران على عهدهم بتحرير فلسطين بالقوة، لكنهم فى الوقت ذاته لا يفعلون شيئا لتعكير صفو الهدوء الذى نشهده حاليا. وقد كشفت ويكيليكس عن أسوأ أسرار العالم المخبوءة وعرفنا أن الزعماء العرب مهتمون بالتهديد الإيرانى أكثر من اهتمامهم بالقضية الفلسطينية. فهل يمكن أن يكون الشرق الأوسط قد وجد سبيلا للبقاء دون عملية سلام؟ من المؤكد أن ذلك، إذا كان صحيحا، سيجعل الحياة أكثر سهولة بالنسبة لكل من الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والزعيم الفلسطينى محمود عباس. فهو سيعفيهم من عبء قرارات خطيرة سياسيا يمكن أن تغير العلاقات بين العرب والإسرائيليين، لكنها قد تطيح بهم كذلك. ويمكن للسيد أوباما أن يحافظ على رصيده السياسى المتقلص. ويمكن للسيد نتنياهو الحفاظ على ائتلافه المتصلب ويركز على التهديد الإيرانى. ويمكن للسيد عباس تفادى المفاوضات مع إسرائيل وينال اعترافا دوليا بالدولة الفلسطينية. فى أوقات كهذه، يلجأ المشاركون المحترفون فى عملية السلام إلى نظرية الدراجة التى سنرددها بحزن: «إذا لم تواصل السير قدما فستقع». وهذا صحيح دون شك. إن ساعة إسرائيل الديموغرافية لا تكف عن الدق، واستمرار الاستيطان يقلص من شرعيتها الدولية. أما حماس وحزب الله المدعومان من إيران، فهما ما زالا على موقفهما الثابت باللجوء إلى الإرهاب والعنف والتهديد بتدمير إسرائيل تنفيذا لأجندتهما. ولن تتمكن الشرطة الفلسطينية من الاستمرار إلى الأبد فى أداء مهامها إذا ما بدا أن الطريق إلى الدولة المستقلة أُغلق بصورة نهائية. ولن تستمر أيضا قيادات معتدلة مثل السيد عباس وسلام فياض، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، طويلا فى مناصبها إذا فشلا فى إثبات أن المحادثات مع إسرائيل والضفة الغربية حول إقامة الدولة ستؤدى إلى إنهاء الاحتلال. وبدلا من التراجع عن صنع السلام، فمن الأكثر حكمة انتهاز فرصة تدهور هذه العملية التى تركز على الاستيطان لانتهاج سبيل أكثر جدوى لتحقيق السلام الفلسطينى الإسرائيلى. ما السبيل إلى ذلك؟ أولا: أمريكا بحاجة إلى توقف قصير. فاللهث وراء الإسرائيليين كى يوفوا بتعهداتهم فى «خارطة الطريق» ووراء الفلسطينيين كى يدخلوا فى مفاوضات مباشرة أصبح يأتى بنتائج سلبية. وبينما تتيح واشنطن للطرفين الوقت لإعادة ترتيب أولوياتهما، فعليها العودة إلى الأسس الأولى ووضع نموذج جديد للمفاوضات. ويجب أن يظل الهدف كما هو، أى حل الدولتين. ولا يمكن إنجاز هذا بدون تحديد الحدود التى تفصل الدولتين. فيجب أن تدور المفاوضات المقبلة حول هذه الحدود، ويلى التفاوض فى هذه المسألة التفاوض حول ما ينبغى عمله فى مسألة المستوطنات والأمن واللاجئين والقدس. ويجب أن يكون شعار التفاوض «إنها الحدود أيها الأحمق». ويجب أن تستند المفاوضات بشأن الحدود إلى قرار مجلس الأمن الدولى رقم 242، القرار الأصلى لعملية السلام، فترسم الحدود بين الدولتين على أساس الحدود التى كانت قائمة فى الرابع من يوليو 1967 مع بعض التعديلات على الأرض. وهذا يتفق مع السياسة الأمريكية خلال العقود الأخيرة. وعلى أوباما أن يعلن تمسكه بهذا بوصفه الموقف الذى ستلتزم به أمريكا فى مفاوضات الحدود تلك. ويعيدنا التركيز على الحدود بطبيعة الحال إلى الفكرة الأصلية الواردة بقرار الجمعية العامة لعام 1947، الخاص بحل الصراع على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية، مع وضع خاص للقدس، وحقوق وحماية متساوية فى ظل قانون يخضع له كل المواطنين فى الدولتين. وفى سبيل انطلاق المفاوضات الجديدة، لماذا لا نجعل إسرائيل تعلن اعترافها بدولة فلسطين العربية، التى يتمتع مواطنوها جميعا بحقوق متساوية، وتعلن منظمة التحرير اعترافها بدولة إسرائيل اليهودية، التى يتمتع مواطنوها جميعا بحقوق متساوية؟ وحينها، يمكن للطرفين إعلان دخولهما مفاوضات حل الدولتين لترسيم الحدود بينهما. ويمكن للدول العربية أن ترحب باعتراف إسرائيل بدولة فلسطين العربية واتخاذ الخطوات من جانبها للاعتراف بدولة إسرائيل اليهودية. وهذه الخطوات المؤثرة يمكن أن تدفع المفاوضات حيث تعطى كل طرف شيئا أساسيا يطالب به الاثنان هو الاعتراف المتبادل بتطلعاتهما الوطنية. وأخيرا، على الطرفين الالتزام بالتوصل إلى اتفاقية بشأن الحدود بحلول سبتمبر 2011 حتى يمكن الاحتفال بقيام دولة فلسطين فى الاجتماع التالى للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما وعد السيد أوباما. وبالطبع ستكون هناك اعتراضات، لكن من المؤكد أن أحدا لن يجادل فى الحاجة إلى طريقة خلاقة للمضى قدما. وتعد العودة إلى القواعد الأساسية، أى حل إقامة دولتين لشعبين تفصل بينهما حدود متفق عليها، نقطة جيدة للبداية.