نشرت فى تركيا خلال الأيام المنصرمة مقالات تدعو إلى إعادة النظر فى مسألة العلاقات مع إسرائيل. ويبدو أن زيارة أردوغان للبنان فى الأسبوع الماضى، والتى بلغت ذروتها فى الاستقبال الجماهيرى الذى أعد له فى جنوب لبنان، والتهديدات الضمنية التى وجهها إلى إسرائيل، كانت بمثابة القشة التى قسمت ظهر المنتقدين لأردوغان الذين فهموا أنه بدأ بالتحضير للانتخابات التى ستجرى فى 12 يونيو 2011، وأن هدفه هو أن يحقق فوزا لحزبه يسمح له بإحداث تغيير كبير فى الدستور، وإقامة حكم رئاسى. لكن ما لا يفهمه هؤلاء هو: لماذا بدأ حملته الانتخابية من لبنان تحديدا؟ يشدد المنتقدون لأردوغان على أن مطالبة إسرائيل بالاعتذار وبالتعويض على عائلات القتلى (فى الهجوم الإسرائيلى على اسطول المساعدات التركية) هى مطالبة مشروعة، وأن على إسرائيل الاستجابة لها، لكنهم يحذرون من أن يؤدى التوتر مع إسرائيل إلى تدهور العلاقات بين تركيا والولاياتالمتحدة، كما يتخوفون من الثمن الباهظ الذى ستدفعه تركيا فى حال أدار الأمريكيون ظهرهم لها. كما يشكل فوز الجمهوريين فى انتخابات الكونجرس سببا إضافيا يدفع المنتقدين إلى مطالبة أردوغان بتغيير سياسته، لأنهم يفترضون أن الكونجرس الجمهورى سيكون أكثر صرامة تجاه تركيا من الكونجرس الديمقراطى. هل تخلى أردوغان عن الغرب؟ وهل أدرك أن الاتحاد الأوروبى مستعد لأن يلعب لعبة التقارب، لكنه لن يقبل أبدا بانضمام دولة مسلمة إليه؟ أم أنه مقتنع بأن الولاياتالمتحدة واقعة تحت تأثير اللوبى اليهودى، وبالتالى لن تستطع تركيا كسبها؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات. لكن هل من الممكن أن تكون الدعوات التى سمعها من معجبيه الجدد فى العالم العربى الذى سموه «بالسلطان»، ودعوه إلى إنشاء السلطنة العثمانية (!) من جديد، قد أفرحت قلبه إلى حد أنه بات مستعدا للتخلى عن العلاقات الجيدة التى كانت له، حتى وقت قصير، مع الغرب، والاستسلام لإعجاب الشارع العربى؟ وهل سيخصص أردوغان وقته منذ الآن للتنافس مع صديقه خصمه محمود أحمدى نجاد على منصب الزعيم الأكثر شعبية فى العالم العربى، على الرغم من كونه غير عربى؟ من الواضح، أن تركيا دولة ديمقراطية، وعلى الرغم من القيود كلها، فإن هناك مزيدا من الأصوات التى تنتقد سياسة حكومة أردوغان فى موضوع أسطول المساعدات إلى غزة سواء فيما يتعلق بمبادرة إرسال الأسطول، أو بطريقة التصرف التى أعقبت ذلك، ومن الواضح للجميع أنه كان على متن سفينة «مرمرة» مجموعة من المقاتلين الذين كانوا استعدوا بصورة مسبقة للمواجهات مع الجنود الإسرائيليين. على إسرائيل أن تصغى إلى هذا النقاش الداخلى. وهذه هى اللحظة الملائمة للتعبير عن أسفها على سقوط القتلى، ولأن تعرض التعويض عليهم، من دون أن تتحمل مسئولية مقتل الركاب وأعمال العنف. إن موقفا من هذا النوع من شأنه أن يزيد فى الجدل الداخلى فى تركيا، وربما يؤدى إلى تغيير فى سياستها. قد تكون تركيا اليوم تدفع ثمن تصرفها المثير للجدل فى قضية الأسطول، لكن بالنسبة إلينا، فإن خسارة تركيا ستلحق بنا ضررا استراتيجيا فادحا. وقبل أن نتخلى عن تركيا علينا أن نقوم بمحاولة جديدة.