يبدو جون ماكنسون رئيس مجموعة بنجوين واثقا من أن المشروع الذى تم التوقيع على اتفاقيته مساء الأربعاء بقصر المنيل بالقاهرة مع رئيس مجلس إدارة الشروق إبراهيم المعلم لتبادل ترجمة الكلاسيكيات العالمية بين اللغتين العربية والإنجليزية سيكون مشروعا ناجحا ليس فقط من المنظور الثقافى ولكن أيضا من منظور تجارى. السوق العربية للقراءة كما يقدر ماكنسون الذى أمضى وقتا ليس بالقصير فى دراسة جدوى المشروع المشترك الجامع لبنجوين، إحدى كبريات دور النشر العالمية مع الشروق أحد أكبر أسماء النشر فى العالم العربى، هى سوق واعدة وذلك بالرغم من انتشار نسبة الأمية فى العالم العربى. السبب على حد ما قال ماكنسون ل«الشروق» فى حديث أدلى به قبيل الاحتفال بإطلاق المشروع المشترك بقصر المنيل بالاس التاريخى يرجع لما تقدره العديد من المؤسسات العالمية بالاستثمار الكبير الذى تكرسه العديد من الدول العربية للتعليم ولفرص النمو الاقتصادى للعديد من الدول العربية إلى جانب «تلك القدرة على تذوق الآداب والإبداعات المكتوبة» بين قراء العالم العربى. المشروع المشترك الذى تم الاحتفاء به يوم الجمعة فى حفل دعت إليه دار الشروق وشارك فيه العديد من الرموز الأدبية المصرية هو بالنسبة لبنجوين الخطوة الرابعة فى طريق بدأ منذ عدة أعوام بمشاركات مماثلة مع دور للنشر فى الصين ثم كوريا الجنوبية ثم البرازيل ثم جاء الدور على العالم العربى. «العالم العربى كان مستهدفا من البداية لمشروع بنجوين الهادف لترجمة كبريات الكلاسيكيات الأدبية المتاحة باللغة الإنجليزية وليس فقط تلك المكتوبة أصلا باللغة الإنجليزية للغات أخرى»، حسبما قال ماكنسون ولكن البداية، كما أضاف، لم يكن من الممكن أن تكون عربية «لأنه ببساطة عندما نتحدث عن الترجمة إلى العربية فإننا لا نتحدث عن سوق وطنية سواء كانت كبيرة أو صغيرة وإنما عن سوق إقليمية واسعة كان العمل معها يتطلب بالضرورة اتقان التجرية على مستويات وطنية أضيق». اللقاء الذى جمع ماكنسون بالمعلم منذ فترة ليست ببعيدة كان ربما النقطة الفاصلة فى قراركما يقول ماكنسون إن مجموعة بنجوين كانت بصدد اتخاذه ولكنها أرادت أن يأتى فى سياق حسن الاختيار والإدارة. «اختيار الشريك هو أمر بالغ الحيوية والأهمية لنجاح مثل هذا المشروع والأمر لا يتعلق فقط ببنجوين ولكن أيضا بشريك بنجوين فى هذه الحال دار الشروق التى لها اسم كبير الذى يستطيع أن يعمل فى إطار من الشراكة بهدف القيام بعمل له قيمة ثقافية جيدة وجدوى تجارية أيضا». وبعد توقيع الاتفاق الذى تم مساء يوم الأربعاء ستبدأ طواقم العمل من بنجوين ودار الشروق للنظر فى قائمة يقول ماكنسون إنها تحتوى على نحو عشرين عنوانا من الكلاسيكيات العالمية التى تقوم بنجوين بنشرها منذ أكثر من سبعة عقود ليتم اختيار مجموعة منها لتترجم إلى العربية ويتم نشرها مع نحو ثمانية عناوين من كلاسيكيات الأدب العرب ستنشر أيضا بالعربية فى إطار نفس المشروع ويترجم بعضها إلى الإنجليزية. «إن عملية الاختيار ستتطلب الكثير من الدراسة والتفكير لأن الأمر يتعلق ليس فقط بما يستحق الترجمة وهو كثير ولكن بما يمكن أن يجد إقبالا واسعا فى السوق العربية فى بداية إطلاق المشروع» حسبما يرى ماكنسون. ويضيف أن القرار لن يكون سهلا كذلك بل ربما أصعب قليلا فى اختيار الكلاسيكيات العربية التى ستترجم إلى الإنجليزية ويقول «إن هناك الكثير من العناوين التى أعتقد أنها يمكن أن تجد القارئ المهتم سواء فى الولاياتالمتحدةالأمريكية أو بريطانيا أو غير ذلك من أسواق القراءة بالإنجليزية ولكن الأمر سيتطلب مجهودا ليس بالقليل فى التسويق». قرار اختيار العناوين التى ستترجم من الإنجليزية إلى العربية سيكون قرارا مشتركا وكذلك عملية الترجمة التى يصر ماكنسون ويؤكد أن المعلم يصر بالقدر نفسه على أنها لن تكون محل أى تنازل فى الجودة والتدقيق. «أعلم أن هناك الكثير من الكلاسيكيات من أعمال (المسرحى البريطانى ويليام) شكسبير و(الروائيتين البريطانيتين) جين أوستين وفيرجينيا وولف قد ترجمت بالفعل إلى اللغة العربية ولكننى أعد أن الترجمة التى ستقدمها بنجوين والشروق ستكون أكثر جودة وأكثر دقة». غير أن ماكنسون يعترف بمحدودية أعداد المترجمين الأكفاء القادرين على التصدى لترجمة الكلاسيكيات المكتوبة بالإنجليزية إلى العربية وربما أقل فى الترجمة إلى الإنجليزية. وعلى هذا فإنه يقدر أن النسخ الأولى للعناوين الصادرة تحت مظلة شراكة بنجوين ودار الشروق ستحتاح لبضعة أشهر قبل أن يتم تداولها فى الأسواق لأننا كل من بنجوين ودار الشروق معنيون بحسن الترجمة. فى الوقت نفسه، يعد ماكنسون بأن «النسخة المطبوعة فى سياق مشروعنا المشترك ستكون أكثر جاذبية وأوسع قبولا» من تلك المتوافرة بالفعل فى الأسواق للكثير من كلاسيكيات الأدب العالمى». ماكنسون أمضى السنوات الأخيرة من عمله مع بنجوين فى مهمة إعادة طرح الكلاسيكيات المكتوبة بالإنجليزية والمترجمة إليها فى طبعات بعضها فخم وبعضها بسيط ولكن كلها جذاب وله قابلية واسعة «سواء بين محبى اقتناء المجموعات الكلاسيكية» والذين لديهم من القدرة الشرائية ما يمكنهم من دفع قرابة 125 جنيها إسترلينيا فى كتاب واحد أو «بين الراغبين فى الاطلاع على الكلاسيكيات واقتنائها فى نسخ جذابة، ولكن لا يزيد سعرها على عشرة جنيهات إسترلينية أو أقل. وبصفة عامة فإن ماكنسون يرى أن سوق القراءة بما يشمل الكلاسيكيات الأدبية تتمتع بحيوية لا يجب إغفالها. ويشير إلى أن مبيعات كلاسيكيات بنجوين حققت العام الماضى زيادة تقارب العشرين فى المائة عن العام السابق وأن مبيعات الكلاسيكيات غير المدرجة على قائمة كلاسيكيات بنجوين، لأسباب تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، حققت زيادة تقارب الثلاثين فى المائة. وبحساب مبيعات الشهور الستة الأولى لهذا العام فإن ماكنسون يقدر أن مبيعات بنجوين بما فى ذلك الكلاسيكيات حققت زيادة على المستوى العالمى. ويقول رئيس مجموعة بنجوين: «وأنا هنا أتحدث عن عناوين يمكن لمن يريد أن يجد نصوصها الكاملة على الشبكة العنكبوتية عبر محرك البحث جوجل.. والسؤال هو لماذا يكلف هؤلاء أنفسهم عناء شراء هذه النسخ والإجابة هى ببساطة لأنهم يحبون أن يقتنوا هذه الكتب الجميلة وأن يمضوا الوقت فى قراءتها». ويضيف: «إن ارتفاع متوسط الأعمار يجعل هناك مساحة أوسع للقراء الذين تعودوا أن يمضوا أوقاتا محببة فى قراءة عناوينهم المفضلة». بالنسبة للنسخ التى ستطرح فى الأسواق العربية، كما يقول ماكنسون، فإن الأسعار ستكون متناسبة مع مستوى القدرة الشرائية فى العالم العربى، كما أن «بنجوين والشروق ستأخذان فى الاعتبار أن جزءا ليس بالقليل من هذه النسخ سيتم اللجوء إليه فى العملية التعليمية» لدراسات الأدب فى المدارس. وإلى جانب النسخ المطبوعة يقول ماكنسون إن المشروع سيعمل أيضا على توفير نسخ الكترونية بصور متعددة لأن فى ذلك ما يجذب الجيل الجديد من القراء العرب. ويقدر رئيس مجموعة بنجوين إن انتشار القراءة الإلكترونية فى العالم العربى بصفة عامة سيكون له مساحة لا يجب التقليل من شأنها. ويرى ماكنسون أن هناك مساحة لتبادل الترجمات من خلال المشاريع المشتركة التى تنفذها بنجوين لترجمة الكلاسيكيات العالمية مع عدد من الدول بما يثرى المتاح على رفوف المكتبات و«فى ذلك بالتأكيد ما يسهم فى توسيع قدر التنوع وبالتالى ما يسهم فى تشجيع المزيد من القراء على أن يجدوا ما يبحثون عنه؛ لأن المشترى عموما بما فى ذلك من يشترى الكتب يجب أن يكون لديه اختيارات متعددة». ماكنسون نفسه الذى درس الأدب الإنجليزى والتاريخ فى الجامعة ثم عمل محررا فى الفايننشيال تايمز اليومية الإنجليزية ووكالة أنباء رويترز قبل أن ينتقل إلى عالم النشر يجد متعة فى التعرف على عوالم جديدة وقديمة من الأدب غير الإنجليزى، ومؤخرا أمضى ماكنسون وقتا مع قراءات مترجمة من الأدب الصينى والبرازيلى بل والنيجيرى كما أنه يمضى وقتا مع قراءة ما تخطه أقلام باكستانية وأفغانية من أدب وتاريخ. ويجد ماكنسون فى مشروعات الترجمة ما يشجع بعض الأسواق التى ليس بها آليات فاعلة للنشر مثل باكستان وبدرجة أكبر أفغانستان.