لم يتبق سوى 45 يوما على استفتاء حق تقرير المصير لجنوب السودان، ولاتزال الكثير من القضايا عالقة دون حل بين شمال البلاد وجنوبها، سواء ما يتعلق منها بالنواحى اللوجيستية لإجراء تصويت حر ونزيه يقبل الطرفان بنتيجته، أو قضايا ما بعد استفتاء التاسع من يناير المقبل، مثل ترسيم الحدود، وتقاسم عائدات النفط، وتحمل الديون الخارجية للبلاد، والمواطنة، وغيرها، وهو ما يلقى بظلال من الشك على مستقبل أكبر بلدان القارة والعالم العربى مساحة. فى ظل هذه الأجواء، حذر تقرير، أعده كل من مدير معهد الدراسات الأمنية، كينيث مبيسى، والمدير الإقليمى لجمعية شرق أفريقيا للتنمية الدولية، دنكان وكالو وصدر أمس الخميس، من أن تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، يمكن أن تتجاوز تكلفتها 100 مليار دولار على أقل التقديرات. ويمثل الاستفتاء آخر بنود اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الشمال والجنوب عام 2005، التى أنهت نحو ربع قرن من الحرب بينهما. المنظمتان، اللتان تتخذان من العاصمة الكينية مقرا لهما، أوضحتا أن السودان سيتحمل أكثر من نصف هذا المبلغ، بينما تتحمل دول الجوار، (إثيوبيا وكينيا وأوغندا) نحو الربع، فيما يتحمل المجتمع الدولى (عمليات حفظ السلام، والإغاثة الإنسانية) باقى المبلغ، إضافة إلى المعاناة الإنسانية التى يمكن أن تودى بحياة مئات الآلاف من البشر، ولا يمكن لأى تقديرات اقتصادية حسابها. أما مصر، فعلى الرغم من عدم تأثرها المباشر بالحرب اقتصاديا، إلا أن التقرير، الذى وصلت «الشروق» نسخة منه، تحدث عن أضرار استراتيجية، خاصة فىما يتعلق بأمنها المائى، خاصة مع رغبتها فى إقامة منشآت مائية مشتركة مع السودان شمالا وجنوبا. التقرير وضع أربعة سيناريوهات لمستقبل العلاقات بين شمال السودان وجنوبه، أولها السلام بين الطرفين، فى حال قبولهما نتائج الاستفتاء، مع توجههما السريع لحل القضايا العالقة، وإقامة علاقات طبيعية. أما السيناريوهات الثلاثة الأخرى فهى حرب «ذات مستوى توتر منخفض»، فى حال قبول نتائج الاستفتاء لكن دون بناء علاقات سلمية، وهذه الحرب ستتمثل فى مناوشات على الحدود أو محاولة زعزعة استقرار الطرف الآخر. ووفقا للتقرير فإن هذا المستوى يمكن أن يكبد السودان أكثر من 35 مليار دولار، وما نسبته 54% من بنيته الاقتصادية (أى تدمير نصف الاقتصاد) فى حال استمرار الحرب عشر سنوات، أما إذا امتد هذا النوع من الحرب لربع قرن، فإن السودان سيتكبد 458 مليار دولار، وما نسبته 697% من ناتجه القومى. والسيناريو الثالث هو الحرب «ذات مستوى توتر متوسط»، وقد تنشب عقب اعتراف الطرفين بنتائج الاستفتاء، مع عدم حل القضايا العالقة، ليتدهور الوضع نحو الانزلاق إلى حرب أهلية قد تدوم سبعة أعوام فى المتوسط، ليتكبد السودان 87 مليارا خلال عشر سنوات، و576 مليارا خلال ربع قرن. وأخيرا سيناريو الحرب «ذات مستوى توتر مرتفع»، وهى أن يرفض حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، بزعامة الرئيس السودانى عمر البشير، نتائج الاستفتاء، لتتجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وبين فصائل جنوبية بعضها البعض، إضافة إلى الصراع فى إقليم دارفور غربى البلاد، وهى حرب يتحمل فيها السودان 116 مليار دولار فى عشر سنوات، و821 مليارا فى ربع قرن. والحرب فى جميع أشكالها، خاصة النوعين «متوسط ومرتفع التوتر»، ستحرم الطرفىن من عوائد النفط، التى تمثل 98% من إيرادات حكومة الجنوب، و65% من الدخل القومى للشمال، وهو ما يقدرها التقرير بما بين 6.5 إلى 13 مليار دولار سنويا. ويقدر التقرير أن تخسر دول الجوار الرئيسية الثلاثة، إثيوبيا وكينيا وأوغندا، مليار دولار سنويا من ناتجها القومى فى حال الحربين متوسطة ومرتفعة المستوى.