«أنا دخلت السايبر ده بادفع فلوس، لكن دلوقتى أنا اللى مأجره وبآخد منه فلوس. ما عملتش حاجة غير إنى ركزت شوية»، يجلس طارق سيد باعتداد على كرسى وثير مميز أمام كمبيوتر على مكتب كبير فى نهاية المحل المستطيل يراقب الصفين المتوازيين من أجهزة الكمبيوتر وأمام كل واحد شاب منهمك فى تصفح الإنترنت أو المحادثة أو مأخوذ بإحدى الألعاب، وكلهم يجلسون على مقاعد عادية لا تشبه مقعد طارق مدير «السايبر». قبل سبع سنوات أتى طارق إلى هذا المكان ليلعب ويشاهد الأفلام ويسمع الأغانى ويجرب تصفح الإنترنت. كان يقضى أوقات طويلة مشدودا إلى العالم المفتوح أمامه، حتى أصبح صديقا للكهل الذى كان يدير السايبر الذى كان واحدا من أماكن قليلة من نوعه فى حى الوراق. ولأنه نال ثقته وشعر أنه ذكى وقوى الشخصية، فكان يتركه مكانه يدير المكان. «ده مش شغل سهل إنك تسيطر على مكان فيه شباب. ولازم تكون فاهم كويس لأنهم بيسألوك ويرجعوا لك لو فيه حاجة»، يحكى طارق أنه فى بداية الأمر لم تكن لديه معلومات كثيرة، ولكنه حفظ نصيحة الكهل: مهارات الكمبيوتر لا تحتاج دراسة أو تعليما، فقط تحتاج صبرا وتجريبا وأن تتبع التعليمات أو تبحث عن المعلومة فى الكمبيوتر نفسه. يبتسم طارق ابتسامة ساخرة: «معظم الناس بتتعامل مع الكمبيوتر كأنه قنبلة نووية. وأى مشكلة صغيرة ييجى يسأل. الموضوع مش محتاج غير شوية إنجليزى وتقرا بتركيز وتتعامل». عندما بدأ طارق فى العمل فى السايبر قرر أن تكون تلك بداية جديدة. وهو يقول إنه قرر أن يسمع ويقرأ «كورسات» لغة إنجليزية مجانية على الإنترنت، بدلا من أن يقضى معظم وقته أمام الألعاب والمحادثة، فتحسن مستواه فى الإنجليزية بسرعة، بل وبدأ فى ترجمة الأفلام ووضع بعض ترجماته على المنتديات. «أنا مش بيرفكت لسه»، يبتسم ابتسامة متواضعة ويكمل: «لكن مواقع الترجمة دلوقتى بتساعد جدا». ورغم ذلك فهو بالنسبة لمعظم مرتادى السايبر مترجم فورى، يطلبون مشورته عند البحث أو عند إجراء المحادثات على الإنترنت، خاصة مع الفتيات. بالإضافة لذلك فهو بالنسبة للعديد من الشباب مرجع فى المنتديات المختلفة، سواء لتنزيل الموسيقى أو الأفلام أو الألعاب، ويعرف بعض البرامج التى تعطى أرقاما خادعة لحساب فيزا يمكنهم من خلاله الاشتراك المبدئى فى المواقع التى تتطلب ذلك قبل تقديم خدماتها. يقطع حديثه لينهر أحدهم لأنه أشعل سيجارة، يقوم إليه ويدور بينهم حديث قصير بصوت هامس ينهيه طارق بصوت عال وصارم: «ما تخلينيش أعملها معاك يا وائل». التدخين غير ممنوع هنا، بل هناك طفاية بجوار كل كمبيوتر، ولكن يبدو أن السيجارة تحتوى على ممنوعات. يعود طارق: «لازم تكون مسيطرا إما السايبر يفلت منك. ممنوع هنا المخدرات والسكس. ممكن حد ييجى من القسم أو المصنفات وتبقى مشكلة». فى فيلم «لا تراجع ولا استسلام» يظل بطل الفيلم أحمد مكى حزلقوم ابن حى عابدين طوال الفيلم مهووسا بما يمكن أن يفعله لكى يبهر جاره ابن أحلام كراوية «اللى فاتح سايبر» أو يتفوق عليه. لا شك أن طارق بمكتبه المميز وكرسيه وصرامته وموبايله الثمين يمثل نموذجا يحاول بعض الشباب هنا مقاربته. لم يكمل طارق دراسته الجامعية ولكن من يهتم. يدخل أحدهم ومعه وحدة التشغيل لجهاز كمبيوتر، يضعه أمام طارق ويحكى له مشكلته. بسرعة ومهارة يفك طارق مسامير الجهاز لكى يكشف محتوياته الداخلية، يوصلهه بالكهرباء ويشغله، يصدر صوتا مميزا على الفور، يقول طارق: «دى مشكلة رامات/كارت الذاكرة المؤقتة.. هاتكلفك كذا». يفكر الشاب قليلا ثم يقول إنه سيعود مرة أخرى. أثناء إدارته للسايبر كانت بعض الأجهزة تعانى من الأعطال، وكان يأتى ببعض الشباب المتخصصين فى الصيانة. وقد لاحظ طارق أنهم ليسوا متخصصين ولا يحزنون، هم فقط لديهم خبرة ومعلومات قليلة. وأثناء مراقبتهم لبعض الوقت أصبح ماهرا فى تشخيص مشاكل الكمبيوتر وببعض القراءة على المنتديات بدأ هو فى مساعد بعض رواد السايبر مجانا حتى عرف عنه إتقانه للصيانة. «معظم الأعطال مش كيميا. شوية صبر وتفكير فى التعرف عليها. لكن لو كانت مشكلة كبيرة وغلب فيها حمارى بأوديها لواحد مهندس أعرفه». يقول طارق إنه بعد تسلم الجهاز من المهندس يفهم منه بالظبط المشكلة وحلها، لأنه يجب أن يخبر الزبون ماذا حدث فى جهازه، ولكن ذلك أيضا يفيده وأحيانا ما يعيد فتح الجهاز بعد إصلاحه ليتعلم ماذا حدث: «المرة التانية ممكن أعالج العيب ده أو أجيب قطعة الغيار بنفسى». أن يكون مقنعا هو جزء كبير من عمله. يغمز بعينه: «معظم الناس مريحة دماغها بتكسل تفكر. فانت لازم تفرش لها الموضوع قدامها. علشان يقدر جهدك والفلوس اللى هايدفعها». عائد عمله فى الصيانة سواء بنفسه أو كوسيط أو من بيع قطع الغيار هو الذى أتاح له فيما بعد أن يؤجر السايبر لحسابه ويشترى أجهزة الكمبيوتر بعد قرار صاحبه الرحيل. «طبعا مش هافهمك قد إيه الكمبيوتر والنت فتح لى دنيا تانية. أنا لسه جاى من شرم الشيخ، كنت مع واحدة صاحبتى من استراليا». يضيف أن بإمكانه أن يفعل مثل شباب كثيرين يتزوجون بغرض الحصول على جنسيات أخرى والهجرة والعمل بالخارج، ولكنه لا يميل لذلك كثيرا: «مش حاسس إنها حاجة كويسة إنك تطلع لامؤاخذة على قفا واحدة»، يرشف رشفة من كوب الكابتشينو أمامه ثم يضيف مبتسما: «وبعدين استراليا دى بعيد قوى. ممكن أفكر لو حاجة أقرب».