أثارت حادثة تعرض تلميذ مصر الجديدة للاعتداء الجنسى داخل المدرسة الكثير من الأمور المسكوت عنها داخل المدارس وفى البيوت، خصوصا بعد أن تبعتها حادثة لاعتداء معلم بحلوان على تلميذ بالمدرسة أيضا. المسئولون يعترفون أن ما يصل للإعلام لا يمثل سوى قمة صغيرة من جبل جليد مدفون تحت المياه لا يراه أحد، لكن الإخصائيين الاجتماعيين والتربويين يرون أنه آن الأوان لكسر حاجز الصمت عن هذه الممارسات، بعيدا عن «تابوهات» الخوف من الحديث فى «العيب». تحمّل حسناء محمود الإخصائية الاجتماعية بمدرسة السلام التجريبية بحدائق القبة الأخصائيين الاجتماعيين وأولياء الأمور وغياب الوازع الدينى المسئولية عن وجود مثل هذه الاعتداءات بالمدارس، سواء وقعت من التلاميذ ضد بعضهم البعض أو من معلمين ضد الطلاب، بالإضافة إلى إهمال بعض المدارس فى تأمين طلابها ضد ما وصفته بالأماكن «الخاوية» التى «يتقتل فيها القتيل وما حدش يحس بيه» التى تترك بدون حراسة أو تترك مفتوحة دون سبب، بالإضافة إلى قلة أعداد العمال والعاملات، وعدم وجودهم بالقرب من الأماكن التى وصفتها بالخطيرة. وتقترح حسناء ضرورة أن تتبنى المدارس توعية الطلاب لكيفية وقاية أنفسهم من خطر الاعتداء الجنسى، من خلال الندوات العامة بالمدرسة دون خوف أو خجل، أو بإصدار بعض التعليمات التى تلقى بطريقة مناسبة فى الإذاعة المدرسية أثناء طابور الصباح، ليعيها الجميع، وتثقفهم دينيا بأن مثل هذه الأفعال الحرام يهتز لها عرش الرحمن، وتحذير الطلاب من أن يصطحبهم زميل أو غيره إلى مكان شبه مهجور، بالإضافة إلى كيفية اختيار الصديق. وقالت إن وصول مثل هذه الممارسات إلى حد وقوع حادثة تلميذ مصر الجديدة أو مدرس حلوان تدل على قصور عمل الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين بالمدرسة، لأن دورهم لابد أن ينصب على متابعة مثل هذه الممارسات ومعالجتها قبل أن تتفاقم، وإذا استدعى الأمر تحويل الطلاب الذين لديهم مثل هذه الميول إلى الطبيب النفسى مع مشاركة الأهل فلابد أن يبادر الأخصائى بذلك، بدعم من مدير المدرسة. وأرجع أخصائى اجتماعى بإحدى مدارس وسط العاصمة سبب مثل هذه الاعتداءات التى يرى أنها تحدث يوما بعد يوم داخل المدارس إلى غياب دور الأسرة فى توعية أبنائهم بمثل هذه المخاطر بطريقة مبسطة قائلا: «أنا مثلا قلت لأولادى لو حد قرب منكم صرخوا بصوت عالى»، معتبرا أن هذه الطريقة مناسبة أكثر للأطفال فى المرحلة الابتدائية الذين لا يدركون بعد خطورة مثل هذه المواقف، وأضاف أنه بالنسبة للتلاميذ فى المرحلة الإعدادية فلابد أن تكون هناك توعية كاملة من قبل أولياء الأمور بمثل هذه الأفعال، فالأم تقوم بتوعية ابنتها والأب بتوعية ابنه، محذرا من الهروب من الإجابة عن أى سؤال يطرحه الأبناء يتعلق بهذا الموضوع، لأن ذلك يحدث غموضا لدى التلميذ يجعل لديه رغبة فى خوض التجربة لمعرفتها. مشيرا إلى أن الطالب فى المرحلة الثانوية يكون على وعى تام بخطورة مثل هذه السلوكيات، محملا المدرسة المسئولية كاملة إزاء ما يحدث داخل أسوارها من التحرش والاعتداءات، خصوصا الإشراف المدرسى الذى يفترض أن يتابع يوميا حركة الطلاب والمدرسين داخل المدرسة، لافتا إلى دور الإعلام فى مثل هذه القضايا التى تستلزم معالجتها بطريقة آمنة بالنسبة للطالب أو الطالبة اللذين يتعرضان لمثل هذه المواقف، منتقدا ظهور ولى أمر الطالب بمدرسة مصر الجديدة فى وسائل الإعلام والفضائيات، لأن ذلك من شأنه أن يحدث أذى نفسيا للطالب. وتعترف أميمة أبوالعلا مديرة مديرية التعليم بأكتوبر سابقا بأن ما يعلن عنه من هذه الوقائع يمثل فقط (قمة الجليد) من جبل كبير من الحوادث التى يفضل الكثير من أولياء الأمور عدم الكشف عنها، ومعالجتها فى طى الكتمان داخل إطار المدرسة بالتعاون مع المدير وطبيب المدرسة أو عرض ابنه على طبيب خاص، حتى لا يتعرض الابن لأى تشهير فى وسائل الإعلام. مرجعة حدوث مثل هذه الأفعال التى وصفتها بالغريبة إلى قصور دور المنزل فى تربية الأبناء، وقالت: «إذا كان الأب لا يستطيع تربية طفلين أو ثلاثة، فكيف يمكن للمدرس أن يربى 60 طفلا فى الفصل الواحد». وقال د. محمد الطيب أستاذ الصحة النفسية وعميد تربية طنطا سابقا إن ظهور مثل هذه الحوادث يؤكد حدوث خلل فى المجتمع، وانتقد غياب الأمان والانضباط داخل المدارس، قائلا: «كيف يدخل ماسح أحذية لداخل مدرسة ابتدائية ويعتدى على أحد طلابها»، وأضاف: «زمان كانت هناك الشرطة المدرسية وحتى الطلبة كانوا بيخافوا على بعض». ورفض الدكتور عصام توفيق أستاذ أصول التربية المساعد بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية وصف الاعتداءات الجنسية التى تحدث فى المدارس بالظاهرة، على الرغم من أن هناك العديد من الوقائع التى تحدث داخل المدارس ولكن لا يتم الإعلان عنها سواء من قبل الطالب نفسه أو من قبل أولياء الأمور فى حالة معرفتهم بها. ويقترح توفيق تنظيم دورات تدريبية للطلاب هدفها الأساسى «التوعية بالتحرش الجنسى داخل المدارس» تنظمها وزارة التربية والتعليم وتعرض هذه الدورات الطرق التى يمكن للطالب اللجوء إليها عند تعرضه لمثل هذه الاعتداءات.