يمكن أن تعتبر كتاب «النقطة السوداء» للفنان وليد طاهر والذى حصد أكبر جائزة عربية فى أدب الطفل تدشينا لنوع من «الكتاب التفاعلى» ذلك اللون من الكتابة الذى يكون فيه الطفل مشاركا فى صياغة القصة ومعالجتها دراميا من خلال القراءة. الكتاب الذى حاز جائزة «اتصالات» الإماراتية واحتفى به معرض الشارقة للكتاب الشهر الماضى، يعتمد تكنيكا فى الحكى يحفز القارئ للاشتباك والمشاركة فى البناء الدرامى وصولا إلى نهايات قد تختلف من قارئ إلى آخر. وقد توافرت للكتاب مجموعة من الخصائص النادرة التى دفعت أحد أعضاء لجنة تحكيم المسابقة إلى استهجان أن يكون مدرجا فى القائمة القصيرة المرشحة للفوز مع كتب أخرى، حيث رأى أن الكتاب متفرد ومتجاوز بما يجعل من الظلم أن يوضع فى منافسة مع أعمال أخرى أقل منه مستوى بمراحل. وفى إحدى الندوات التى أقيمت على هامش المعرض تحلق مجموعة من الأطفال فى قراءة مشتركة للكتاب تفاعل القراء الصغار مع القصة على نحو جعلهم يتسابقون فى وضع تصورات لتصاعد دراما السرد وصولا إلى نهايات متعددة. الحصول على جائزة رفيعة متخصصة فى أدب الطفل حدث خاص جدا بالنسبة لدار النشر الحائزة على هذا التكريم، وحسب أميرة أبوالمجد، مدير قسم نشر الأطفال بدار «الشروق»، فإن خصوصية جائزة «اتصالات» الإماراتية، التى مُنحت لكتاب الدار «النقطة السوداء» لوليد طاهر، تكمن بالإضافة لقيمتها المادية المرتفعة فى أن لجنة التحكيم تحرص على الاجتماع بجميع المتنافسين بعد الإعلان عن العمل الفائز وذلك لإدارة نقاش جاد حول حيثيات فوزه من جهة والتعرف على وجهات النظر المختلفة حوله. النقاش الذى دار حول «النقطة السوداء»، فى إطار فاعليات معرض الشارقة الدولى للكتاب هذا العام، كان متعدد الجوانب وكذلك حمل الكثير من الاحتفاء، من ذلك وصف أحد أعضاء لجنة التحكيم للكتاب بأنه أشبه ب«الكلاسيك» أو «الماستر» أى نموذج متفرد لأدب الأطفال على نحو يضمن له الخلود فى تاريخ كتاب الطفل، كونه من الأعمال التى تحتفظ بقيمة فنية رفيعة وباقية على مر الزمن. فيما عدّد الحضور ما اعتبروه تميزا للكتاب، من ذلك أن الكتاب قدم مشكلة تواجه عددا من الأطفال، وجعلهم هم بأنفسهم يتوصلون إلى محاولات لحلها دون تدخل من الكبار أو أولياء الأمور كما يحدث عادة فى أغلب كتب الأطفال، كذلك لم يفترض الكتاب أن هناك حلا صحيحا وآخر خاطئا، وإنما جعل الأطفال فى حالة أشبه بعصف الذهن من أجل التوصل إلى حل لمشكلة تواجههم، وبالتالى كان هناك طرح للحلول دون أفضلية لأى منها على اعتبار أن عملية التفكير فى حد ذاتها هى التى ستطرح يوما الحل، كذلك تم الثناء على أن الكتاب انتصر لقيمة الحوار والتفاهم بعيدا عن الصراع من أجل فرض رأى بعينه. «لقد جعل الكتاب الأطفال يحلقون فى أجواء من الخيال وهم يبدعون فى التفكير دون اللجوء إلى الجدل»، هكذا أضافت أميرة أبوالمجد التى لفتت إلى أنه من بين الأسئلة التى طرحت عليها أثناء هذا اللقاء كان عن الوقت الذى استغرقه العمل على نشر «النقطة السوداء»، وقالت إن هذا الكتاب استغرق عملا يتجاوز العام الكامل، خاصة مع التعامل مع شكل النص وترتيب الرسوم، لاسيما وأن جمهور الكتاب المستهدف هو نفسه جمهور الكمبيوتر المنجذب للصورة، وبالتالى كان لابد من الخروج من مأزق «الملل» الذى كان يمكن أن يتسبب فيه تكرار «النقطة السوداء» على مدار الكتاب، فمهمة الناشر الرئيسية هو أن يحوّل الكتاب إلى شكل جذاب للطفل عن طريق التوظيف الأمثل لأساليب الجاذبية البصرية المتعددة، فمثلا فإن نص الكتاب كان فى الأصل نصف عدد الصفحات التى ظهر بها، ولكننا قررنا أن نزيد من عدد الرسوم لتحقيق مزيد من الجاذبية وبالتالى زادت صفحاته، «اكتشفت أن جميع الكتب التى حصلنا بها على جوائز هى التى استغرقت منا وقتا طويلا، وهذا بالتأكيد ينعكس على النتيجة النهائية له». عادة ما يكون لكل دار نشر فلسفة تحكم أعمالها وتميزها، وهذا ما أشارت إليه أميرة أبوالمجد التى تحدثت عن «الالتقاء الفكرى» الذى جمع الدار مع موهبة وليد طاهر، هذا الفكر هو الذى يميل إلى الموضوعات التى تمزج بين الخيال والواقع دون مبالغة فى المثاليات التى لا يصدقها الطفل نفسه. يبقى الآن ماذا بعد «اتصالات»؟، هذه الجائزة التى تبلغ قيمتها مليون درهم ويذهب نصف قيمتها للناشر والنصف الآخر للقائمين على الكتاب، الإجابة حسب ناشرة الكتاب «هى أن دعم الناشر ماديا هو استثمار يعود لصالح صناعة الكتاب». وأكدت أن حصول «الشروق» على هذه الجائزة «مسئولية» حقيقية، وأن الدار ستسعى خلال الفترة المقبلة للترويج لهذا الكتاب، وتسليط مزيد من الضوء عليه لتميزه الشديد وكذلك استغلال جاذبيته لمحاولة جذب اهتمام الأطفال لعملية القراءة بشكل عام، كما أضافت أن فوزه بهذه الجائزة سيكون فرصة طيبة لعرض نشر الكتاب على ناشرين أجانب لنشره بلغات أجنبية، علاوة على بحث تحويل الكتاب إلى تقنية الرسومات المتحركة، هذه الحماسة التى أبدتها ناشرة الكتاب الفائز من بين أهم كتب للأطفال فى العالم العربى أعربت عن تأثرها الشديد الذى انتابها بعد تعريفها إعلاميا بأنها «الناشرة المصرية». وقالت «شعرت أننى فى محفل عربى وأمثل مصر، شعرت أننى أقوم بعمل وطنى وأقدم كتابا مصريا متميزا تحتفى به أكبر جائزة فى دولة الإمارات».