يبث النمو الاقتصادي القوي في مصر حالة تفاؤل مستمر لدى المستثمرين الأجانب تفوق حالة عدم اليقين بشأن مستقبل حكم البلاد والمخاوف من حدوث اضطرابات بسبب ارتفاع أسعار الغذاء. وتبدو التدفقات النقدية الأجنبية على الأسهم وأذون الخزانة قوية قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في الشهر القادم والانتخابات الرئاسية المقررة في العام القادم، رغم أن تأرجح الجنيه المصري يشي بأن البنك المركزي ربما يعزز الاحتياطيات النقدية كإجراء احترازي. ولا يشك أحد في أن الحزب الوطني الحاكم الذي يقوده الرئيس حسني مبارك سيكتسح كلا الاقتراعين، لكن ستجري مراقبة الانتخابات لمعرفة مدى المساحة الممنوحة للمعارضة، والأهم من ذلك معرفة ما إذا كان مبارك (82 عامًا) سيرشح نفسه لولاية ثانية. وإذا لم يرشح نفسه فليس هناك خليفة واضح. وقد تواجه أسواق الأسهم والنقد قصير الأجل بعض الصعوبات السياسية في الأسابيع والأشهر القادمة، لكن الآفاق العالمية السلبية تجعل نمو الاقتصاد المصري بمعدل 5.% في السنة المالية 2009-2010 والتوقعات الرسمية بنمو 6% في السنة المالية الحالية أمرا مغريا. وفي سبتمبر توقع اقتصاديون في استطلاع أجرته رويترز نموًا عند 5.5% في السنة المالية المنتهية في يونيو 2011. وقال خالد سري صيام، رئيس البورصة المصرية لقمة رويترز للاستثمار في الشرق الأوسط، إن مشاركة المستثمرين الأجانب في سوق الأسهم ما زالت مشتريات صافية. ويواجه المستثمرون بيروقراطية وبنية أساسية متدهورة، لكنهم يستفيدون من موقع مصر القريب من أوروبا ومن الطبقة المتوسطة التي يزداد إنفاقها والعمالة الرخيصة في البلد البالغ تعداد سكانه 78 مليون نسمة، وهو ما يساعد في اجتذاب استثمارات في الصناعات التصديرية والمنتجات الاستهلاكية. وقال سيباستيان هينان نائب الرئيس في شركة المستثمر الوطني في أبوظبي التي تدير 120 مليون دولار في أنحاء المنطقة "قصة النمو متماسكة من وجهة نظري". وأضاف أن الشركات المصرية المدرجة مقومة بأقل من قيمتها ويجري تداول أسهمها عند 9 أمثال متوسط معامل الربحية مقارنة مع 11 مثلا في الأسواق الناشئة عمومًا. ومما يعكس ثقة المستثمرين أن الكترولوكس السويدية اتفقت مبدئيًا، في الشهر الجاري، على شراء أوليمبيك جروب أكبر شركة لصناعة الأجهزة المنزلية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال انجس بلير، رئيس قسم الأبحاث في بنك الاستثمار بلتون فايننشال: "هذه إشارة محتملة على التغير تعني أن السوق الاستهلاكية في مصر باتت تؤخذ على محمل الجد وثانيًا أنهم سيتمكنون من استخدام مصر كقاعدة تصنيع ثم التصدير منها". وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر 16% في 2009-2010 إلى 6.8 مليار دولار، لكن المحللين يعزون ذلك بشكل رئيسي إلى عزوف عالمي عن الأسواق الناشئة وليس إلى المخاوف المتعلقة بمصر. ومن المرجح على ما يبدو أن المستثمرين المباشرين أصحاب النظرة طويلة الأجل سينظرون إلى ما هو أبعد من عدم اليقين السياسي، وهم على ثقة من عدم التراجع عن تحرير الاقتصاد الذي بدأ منذ 2004 حتى لو تباطأت وتيرته بسبب أي تحول سياسي. وقال هينان: "استثمارات المحافظ يمكن أن تكون أشد تقلبًا. بالطبع إذا تباطأ تدفق الأخبار في الأشهر القادمة بسبب هذه الانتخابات وإذا رأينا حربًا كلامية بين المرشحين. ربما نرى بعض التقلب في السوق". ونقل جيه.بي مورجان عن بيانات وزارة المالية أن صافي الحيازات الأجنبية من أذون الخزانة المصرية قفز إلى 8.3 مليار دولار في أبريل من 530.4 مليون دولار في ديسمبر من العام الماضي، ثم ارتفع إلى 9.2 مليار دولار في منتصف أكتوبر إلى أن حدثت موجة بيع. وعزا جيه.بي مورجان موجة بيع أذون الخزانة في الآونة الأخيرة إلى انخفاض مفاجئ في الجنيه المصري في الأسبوع الماضي بعد أشهر من الاستقرار. وسجل الجنيه أدنى مستوى في 5 سنوات عند 5.774 جنيه أمام الدولار يوم الثلاثاء وهو الأدنى منذ يوليو 2005. وقال بعض المحللين إن البنك المركزي ربما تركه يتراجع لدعم المصدرين، لكن ربما يكون أيضًا يجمع مزيدًا من الدولارات لحماية العملة من تقلبات ما قبل الانتخابات إذا اقتضى الأمر. وقال بلير من بلتون فايننشال إن هذا الضعف مستغرب لأن هناك طلبا على عملات الأسواق الناشئة. وقال إن سبب الانخفاض قد يكون أن المصريين الذين تعايشوا مع 30 سنة من حكم مبارك لدرجة أن احتمالات التغيير أصبحت تثير القلق. وتابع قائلا: "أعتقد أن (هبوط الجنيه) ناجم عن ضغوط داخلية وليس عن ضغوط خارجية إذ أن كثيرًا من المستثمرين العالميين تعجبهم الصورة الاقتصادية العامة في مصر". ولم يعلن مبارك الذي يحكم البلاد منذ 1981 إن كان سيرشح نفسه لولاية جديدة. ويشير مسؤولون إلى أنه سيفعل ذلك إن استطاع. لكن الشائعات بشأن حالته الصحية تكررت منذ أن أجرى عملية جراحية في مارس رغم أنه استأنف الآن ممارسة جدول أعمال كامل. وإذا لم يرشح مبارك نفسه، فإن كثيرين يعتقدون أن نجله جمال (46 عامًا) قد يكون البديل الثاني أو ربما مرشح آخر من خلفية عسكرية. وقال جون سفاكياناكيس، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى كريدي أجريكول، إن ارتفاع الأسعار قد يكون مبعث قلق أكبر من السياسة. وقال: "إذا لم يكن لدى الناس مال لشراء الطعام.. فهذه قضية أخطر بكثير من مجرد مسألة الخلافة أو الخلاف السياسي وانتخابات نوفمبر". ولا يزال التضخم فوق 10% منذ فترة طويلة لكن أسعار الغذاء قفزت بنسبة 22% وهو ما كان أشد ضررا على الفقراء في البلد الذي يعيش حوالي 20% من سكانه بأقل من دولار واحد يوميًا وفقا للأمم المتحدة. وأدى ارتفاع الأسعار ونقص الخبز المدعم في عام 2008 إلى اشتباكات مع الشرطة. وللحيلولة دون تكرار ذلك، سارعت الحكومة إلى طمأنة المصريين بأن إمدادات الخبز لن تتأثر بالارتفاع الأخير في أسعار القمح العالمية. كما سارعت أيضا إلى إعادة ملء مخازنها بعدما تعرضت روسيا المورد الرئيسي لموجة جفاف.