قال وزير الاتصالات فى وقت سابق من عام 2009 إن عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر بلغ 13 مليون شخص. وهو قطعا رقم آخذ فى الازدياد، لكن ما هو التأثير السياسى لهذا الفضاء الإلكترونى؟ هناك اجتهادان نظريان ممكن الاستعانة بهما فى هذا المقام. الأول هو اجتهاد يعود إلى اعتبار أن الفضاء الإلكترونى سيشكل أداة تغيير مهمة فى المستقبل لأن هناك تحولا كميا يحدث فى عدد الذين يقرءون ويعرفون عن واقعهم وواقع المجتمعات الأخرى الأكثر تقدما عنهم، كما أن تحولا كميا آخر يحدث فى كمية ما يعرفونه ويقرءونه. وعادة ما يترتب على الزيادة الكمية تحول نوعى/ كيفى فى مرحلة لاحقة، ففكرة «الوعى الثورى» التى يقول بها الماركسيون هى زيادة كبيرة فى أعداد الحانقين على الأوضاع مع زيادة ملازمة لها فى كمية الحنق، بما يؤدى إلى الانفجار بنفس منطق ارتفاع درجة حرارة الماء لمستوى معين قبل أن يحدث التحول النوعى من ماء إلى بخار أو فى المواد الصلبة إلى سوائل. الاجتهاد الآخر يذهب فى الاتجاه المعاكس، فالدوركايميون الجدد (أتباع مدرسة إيميل دوركايم، عالم الاجتماع الفرنسى) يرون أن الفضاء الإلكترونى أداة من أدوات التحايل النفسى والتكيف الاجتماعى مع واقع لا يستطيع الأفراد تغييره. هو أداة «تنفيس» عن مشاعر غاضبة عن طريق حيل الدفاع النفسى المتعارف عليها مثل أن يشتم شخص آخر فى سره لأنه لا يستطيع أن يواجهه بغضبه منه، فبدلا من أن يكون الظلم والمحسوبية والبطالة طاقة رفض عند الشباب يتحولون إلى انتصارات وهمية على النت من قبيل الإيميل الذى وصلنى من فترة يطالبنى بالتصويت لأن تكون السيدة خديجة (رضى الله عنها) هى أفضل نساء الأرض ضد تصويت الشباب الشيعى الذى كان يصوت لصالح السيدة فاطمة (رضى الله عنها). وهذا الكلام ينطبق كذلك على الخطاب الدينى الذى يخدم استمرار الوضع الراهن بأن يترجم طاقة التغيير عند الشباب إلى قضايا شخصية وأسرية (على أهميتها) فننتهى إلى زيادة متوازية فى التدين الشخصى والتكيف الاجتماعى مع أوضاع كان الأصل أن تكون هى الشغل الشاغل لهم مثلما كانت هى عند الشباب المتمرد على أوضاعه السياسية فى فرنسا والولايات المتحدة فى الستينيات وكوريا الجنوبية وشيلى فى الثمانينيات وفى أوكرانيا وجورجيا فى مطلع الألفية الجديدة. هذه أفكار متناثرة تحتاج طالب دراسات عليا جاد أو باحث متمكن فى علم الاجتماع السياسى لاختبار صحتها ميدانيا.