اعتبر العاملون فى شركات الرسائل الإخبارية القصيرة أن قرار الرقابة على الرسائل الإخبارية على الهواتف المحمولة يعنى عمليا «سيطرة الدولة بالكامل على خدمة الرسائل الجماعية واسعة الانتشار، أو bulk sms، وليس الإخبارية منها فقط». كان الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات قد أعلن منذ أيام إخضاع الرسائل القصيرة التى تبعثها وسائل الإعلام من صحف وقنوات تليفزيونية للرقابة، إلا أن تنفيذ هذه الرقابة تقنيا، تطلب تغييرا جذريا فى كيفية تعامل الجهاز المركزى للاتصالات مع الشركات الموفرة لهذه الخدمة والتى تعمل كوسيط بين وسائل الإعلام وبين الجمهور. وخدمة الرسائل القصيرة واسعة الانتشار هو نشاط تجارى جديد ظهر فى السنوات الخمس الأخيرة، بحسب محمد جمال، المهندس بشركة «إس إم إس إيجيبت» العاملة فى هذا المجال. خدمة الرسائل القصيرة الجماعية واسعة الانتشار، هى وسيلة رخيصة نسبيا للدعاية والإعلان. «زبائن هذه الخدمة هم جميع العاملين فى مجال التسويق وخدمة العملاء فى كبرى الشركات، والجمعيات الخيرية لطلب التبرعات، والبنوك فى التواصل مع عملائها»، كما يشرح جمال. فالخدمة ببساطة هى أن تتولى الشركة إرسال مضمون إعلانى من المعلن للجمهور، كأن تطلب جمعية خيرية من شركة رسائل محمول أن تبعث 100 ألف رسالة لمواطنين عشوائيين بمصر لحثهم على التبرع. الرسالة لا تتجاوز 160 حرفا إنجليزيا، أو 70 حرفا عربيا، ويتراوح سعرها بين 10 قروش و25 قرشا، مما يجعلها وسيلة رخيصة للوصول للمستهلكين، واستغلتها وسائل الإعلام المرئية والمقروءة لتحسين تواصلها مع الجمهور، بأن تبعث عناوين الأخبار المهمة والأخبار السريعة آنيا فى رسائل قصيرة. يشرح جمال كيفية عمل هذه الخدمة، فالمعلنون المصريون يلجأون للشركة، والشركة بدورها تقوم بالاشتراك فى «بوابة» لإرسال الرسائل النصية القصيرة. هذه البوابة غالبا ما تكون خارج مصر، فى كندا أو الصين أو أستراليا أو أى مكان فى العالم. تقوم الشركة بتغذية البوابة بالمعلومات اللازمة، وأرقام الهواتف المراد إرسالها لهم، لتقوم هذه «البوابة» بإرسالها للمستخدمين المصريين من خلال شركات المحمول المصرية الثلاث. «منذ ما يزيد على 20 يوما، فوجئنا بأن الخدمة لا تعمل بشكل جيد. وأن بعض الرسائل لا تصل إلى المستقبلين»، يقول جمال إن الشركات العاملة فى هذا المجال قد اعتقدت أن هناك عطلا فنيا فى شبكات الاتصالات، «إلى أن علمنا من مصادر مطلعة أن السبب هو الإجراءات الجديدة لهيئة الاتصالات». حين كانت الشركات تلجأ إلى «بوابات رسائل قصيرة» خارج مصر، فإن تلك التقنية تمنع أى جهاز رقابى من تتبع مصدر الرسالة، «بمعنى أن من يتتبع هذه الرسالة سيصل إلى مصدرها فى أستراليا أو كندا، لكنه لن يستطيع أن يعرف الشركة التى بعثت بالرسالة». ما فعلته وزارة الاتصالات، هو أنها قد قامت بعملية «فلترة» ومنع لكل الرسائل القصيرة التى تأتى من البوابات الأجنبية، إخبارية أو غير إخبارية. «أصبحنا مجبرين على اللجوء إلى بوابات مصرية، وليس بوابات أجنبية كى نستطيع تقديم هذه الخدمة»، كما يروى جمال. وحدثت عملية المنع دون سابق إعلان، فلقد ظهرت أخبار الرقابة فى الإعلام بعد أكثر من 10 أيام على تنفيذها فعليا. الفارق الرئيسى بين البوابات الأجنبية والبوابات المصرية، هى أن الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات يستطيع تتبع مصدر الرسالة والشركة التى أرسلتها. «نظريا، من المستحيل أن يكون هناك رقابة على مضامين الرسائل سواء من بوابات أجنبية أو مصرية، لأن هناك عشرات الآلاف من الرسائل التى تبعث يوميا»، كما يقول جمال. لكن ما يستطيع أن يقوم به الجهاز، هو تتبع أو إغلاق حساب بعينه، «لأن الهيئة لها دور فى إدارة البوابات المصرية، فإنها تستطيع أن تقرر مثلا إغلاق أى حساب يحمل اسم قناة الجزيرة أو جريدة معارضة أو جماعة سياسية، أو أن تغلق كل حسابات شركة بعينها وتمنع كل زبائنها من إرسال الرسائل القصيرة». شركة إس إم إس إيجيبت تشترط على المتعاقدين معها عدم استخدام الخدمة فى إرسال مضامين سياسية أو دينية، وهو ما يجعلها فى منأى عن أى صراعات، كما يقول محمد جمال. أما محمد عبدالخالق، المهندس بشركة أخرى، يفضل عدم ذكر اسمها، فينقل بعدا آخر لآثار الرقابة. فى الأشهر الأخيرة، حاولت الشركة التى يعمل بها عبدالخالق الاتصال ببعض مرشحى انتخابات مجلس الشعب لإقناعهم بالحصول على هذه الخدمة واستخدامه فى الدعاية الانتخابية. يؤكد عبدالخالق أن الكثير من المرشحين قد لجأوا إلى هذه الخدمة فى الانتخابات الماضية، خاصة انتخابات مجلس الشورى التكميلية فى 2008. «لكن بعد القرار الجديد، بدأت أغلب الشركات تعيد حسابها، وتحاول أن تبتعد عن هذا النشاط على الإطلاق»، يؤكد عبدالخالق أنه لا يوجد حتى الآن قرار مكتوب أو إخطار رسمى وصل لشركات خدمات الرسائل النصية الجمعية، وأن الجميع قد عرف بالخبر من مصادرهم الخاصة ومن وسائل الإعلام، «وهذا كان سببا أكبر فى خلق حالة من الخوف والقلق على مصير الشركات، إذا تورطت فى نشر مضمون لا يعجب الحكومة».