لا يغنى الشعب الشيلى الشقيق «ماشربتش من نيلها» ولا يعرف أغنية تقول «ماتقولش ايه ادتنا شيلى» كما لا يرددون طول الوقت «لو لم أكن شيليا لوددت أن أكون شيليا» لكنهم قدموا لنا وللعالم كله درسا فى الوطنية والسياسة والعلم والتخطيط وقبل ذلك فى احترام المواطن. فخامة الرئيس سباستيان بينيرا قطع على نفسه عهدا بإنقاذ 33 من عمال المناجم الذين ابتلعتهم الأرض على عمق سبعمائة متر، وعلماء شيلى اجتمعوا على قلب رجل واحد للتوصل إلى طريقة علمية لانتشال العمال أحياء، والإخصائيون النفسيون وخبراء الاجتماع شاركوا بخطة للإبقاء على روح المواطنة داخل المنكوبين، والاحتفاظ بثقتهم فى أنهم سيعودون إلى الحياة. حتى رئيس دولة بوليفيا قرر الذهاب معهم لمجرد أن أحد العمال المحبوسين فى غياهب المنجم ينحدر من أصول بوليفية. شيلى وبوليفيا لعلم سيادتك مصنفتان ضمن دول العالم الثالث، لكنهما قدما درسا للعالم الأول والثانى فى احترام حياة المواطن والإبداع فى الدفاع عنها. قد يبدو ذلك مدهشا وغريبا من دولة عالم ثالث، لكنه ليس مفاجئا من وطن أنجب الشاعر العظيم الحاصل على نوبل «بابلو نيرودا» صاحب العمل الفاتن «أشهد أننى قد عشت». فى تفاصيل عملية الإنقاذ أشياء بديعة منها مثلا أن علماء النفس ابتدعوا من الأساليب والوسائل ما يحافظ على الحالة النفسية للعمال المنكوبين عن طريق إشغالهم بأنشطة تنقذهم من البقاء محاصرين تحت فكرة الموت الذى ينتظرونه، نجحوا فى إدخال الصحف والمجلات والكتب إلى عمق المنجم كى يقرأ المحاصرون ويتابعوا ما يجرى فى الخارج ويفكروا فى قيمة الحياة. والعلماء وخبراء الجيولوجيا توصلوا إلى فكرة كبسولة الإنقاذ التى اخترقت باطن الأرض على عمق مئات الأمتار لكى تنقذ العمال فردا فردا، ومع خروج كل عامل حيا كانت أزهار المواطنة تنبت داخل كل مواطن شيلى وداخل كل إنسان محب للخير والحياة على وجه الأرض. وعلى مدار 40 ساعة حبس العالم أنفاسه وابتهل إلى الخالق أن تنجح العملية.. سمعت عبر الإذاعة البريطانية مواطنين عربا من السودان والعراق يقولون إن أعينهم دمعت مع الإعلان عن عودة عامل جديد من المنجم إلى الحياة، رأيت مصريين يتسمرون أمام الشاشات فى انتظار نجاح العملية والدمع يترقرق فى الأعين. هل كان هؤلاء يبكون فرحا بالانتصار على الموت فى شيلى، أم حزنا على أوضاع المواطن العربى فى وطنه العربى السعيد؟