هناك تياران داخل أروقة الحكم فى مصر بشأن العلاقات مع إيران.فريق متنفذ يصر على استمرار الوضع الراهن المتمثل فى قطع العلاقات، بل ويتمنى أن توجه إسرائيل أو الولاياتالمتحدة ضربة قاصمة للمنشآت النووية الإيرانية. فريق آخر، يرى أن من مصلحة الأمن القومى المصرى أن تكون هناك علاقة مباشرة مع طهران، وأن الانسياق وراء الرؤية الأمريكية الإسرائيلية التى «تشيطن» إيران، ليس فى مصلحة القاهرة. هذا الفريق الثانى الذى يبدو الأضعف تمكن من تسجيل نقطة قوية لصالحه حينما نجح فى إبرام اتفاق مع إيران فى الأسبوع الماضى يتيح استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين بعد توقف استمر 31 عاما منذ الثورة الإيرانية فى فبراير 1979، التى دخلت فى صدام مباشر مع نظام حكم الرئيس السادات الوحيد فى العالم الذى سمح باستضافة شاه إيران المخلوع. المعارضون للتقارب مع إيران فى مصر هم أنفسهم الذين يدافعون عن استمرار علاقتنا مع إسرائيل حتى وهى تهدد الأمن القومى لمصر. والمنطق البسيط يقول: إذا كنا نقيم علاقات مع هذا العدو الذى احتل أرضنا وقتل أسرانا ومايزال يحتل فلسطين والجولان ومزارع شبعا، ألا يمكننا أن نقيم علاقات مع إيران البلد المسلم؟! كيف يمكن أن ندخل فى «اتفاقية الكويز» مع الكيان الإسرائيلى الغاصب، ولا نسمح بمجرد الرحلات الجوية مع طهران؟!. وحتى لا يصنفنى البعض باعتبارى مؤمنا بولاية الفقيه وعميلا لطهران، أسارع فأقول إن لإيران شأن أى دولة كبرى مطامع فى إقليمها، وحكامها ليسوا مجموعة من الملائكة، وسياستها تجاه القضايا العربية مثيرة للشكوك خصوصا استمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، ودورها المشبوه فى العراق منذ عام 1980 وحتى هذه اللحظة. بنفس القياس مع العدو الصهيونى.. ما هو المانع من تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران، فربما يساهم فى تغيير السياسات الإيرانية تجاهنا، ونكسب طهران نصيرا لقضايانا بدلا من أن تكون شوكة فى ظهورنا. فى السياسة المصالح تتكلم وليس العواطف ولذلك فإن كل دول الخليج ومنها الإمارات الأكثر تضررا من السياسات الإيرانية وبلدان أوروبية كثيرة تتقارب مع طهران اقتصاديا، رغم العقوبات الاقتصادية. عندما تحتج واشنطن وتغضب تل أبيب بسبب استئناف الرحلات الجوية بين طهرانوالقاهرة، فمعنى ذلك أن هذه الخطوة فى صالح الأمن القومى لمصر. أما الذين يتخوفون من البعبع الإيرانى فعليهم إدراك أنه عندما تراجعنا عن أداء دورنا فى المنطقة فكان طبيعيا أن يزيد دور الآخرين مثل إيران وتركيا وإثيوبيا. عندما تقوقعنا على أنفسنا وتعاملنا مع حماس كعدو، وتمنى بعضنا هزيمة حزب الله أمام إسرائيل، صارت إيران على حدودنا فى رفح عبر حماس، ويتهيأ أحمد نجاد للتجول فى جنوب لبنان معلنا أن التأثير العربى فى لبنان قد تلاشى. فى السياسة عندما تكون قويا يحترمك الجميع، وأولهم خصومك، وعندما تضعف يحتقرك الجميع، وأولهم من يفترض أن يكونوا أصدقاءك.