ارتفاع الأسعار العالمية للقمح ما بين 60% و80%، ضريبة دفعتها الدول المستوردة لهذه السلعة الإستراتيجية، وعلى رأسها مصر، منذ يوليو الماضى بعد قرار روسيا حظر صادراتها، بحسب ما ذكرته منظمة الغذاء والزراعة العالمية فى اجتماعها الطارئ فى العاصمة الايطالية روما أمس الأول، والذى أكدت فيه أن «مصر أكثر الدول المتضررة من هذه الزيادة». وتبعا للمنظمة، فإن القفزة السعرية للقمح تأتى فى وقت لا تتسم فيه معدلات الإنتاج العالمية بحالة من التردى تستوجب انفلات الأسعار الى هذا الحد، فوفقا لتوقعات الفاو التى أعلنت عنها فى اجتماعها، «فإن الإنتاج العالمى للحبوب سيتراجع خلال العام الحالى بنسبة لن تتعدى 1% فقط». وهو التناقض الذى فسره الخبراء الأمميون بأن سيطرة المضاربات على أسواق السلع العالمية تتسبب بدرجة كبيرة فى إشعال أسعارها، وتؤثر على حالة الأمن الغذائى فى الدول المستوردة لها، وعلى رأسها مصر. ووفقا للبيان المنشور على موقع المنظمة الأممية على الانترنت، فهناك حالة من التوازن بين العرض والطلب فى قطاع الحبوب على مستوى العالم، ولكن سلوكيات المضاربة فى الأسواق العالمية بعد قرار حظر الصادرات الروسية كانت أحد الأسباب الرئيسية فى ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن غياب الشفافية عن الأسواق يعزز من تأثير هذه المضاربات. «المشكلة أن غياب المعلومات عن تأثر الدول المنتجة للقمح مثل روسيا بالأوضاع المناخية، يخلق البيئة الملائمة لتلاعب المضاربين بالأسواق مما يتيح رفع الأسعار بشكل أكبر» بحسب مجدى صبحى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات. وفى هذا السياق أصدرت الفاو فى اجتماعها توصيات بإصلاح نظام تجارة الغذاء العالمية، وضرورة الرقابة بشكل أكبر على تعاملات أسواق العقود المستقبلية. وتبعا لتقرير لصحيفة الجارديان البريطانية، فإن الخبراء الأمميين اعتبروا أن صناديق الاستثمار التى تدير اموال المعاشات والصناديق السيادية والبنوك الكبرى كانوا أحد أبرز المسئولين عن الارتفاعات الأخيرة فى أسعار الغذاء. وهو الوضع الذى لخصته كارولين لوكاس القيادية بحزب الخضر البريطانى بقولها إن «الغذاء أصبح سلعة للتجارة، والشىء الوحيد الذى يهتم به المتاجرون فى هذا المجال هو الربح «معتبرة أن نظام التجارة فى الغذاء يجب ألا يكون مثل النظم التجارية التقليدية، لأنه بالنسبة للكثيرين مسألة حياة أو موت «بحسب ما نقلته عنها الجارديان». ويسرد اوليفر دو شاتور، المسئول بالأمم المتحدة عن الملف الغذائى، بشكل أكثر تفصيلا تطور سيطرة المضاربات على أسواق الحبوب العالمية، فى ورقة بحثية صدرت منذ أيام، بأنه بدءا من عام 2001 كانت المشتقات المالية المرتبطة بأسواق الغذاء وبورصات السلع الغذائية قد بدأت تشهد تدفقا لاستثمارات من غير المتخصصين فى التجارة فى الغذاء، بسبب انهيار القطاعات الأخرى التى كانت تلك الاستثمارات تضارب فيها. وبدءا من أزمة شركات الإنترنت دوت كوم الى أزمة الرهون العقارية فى 2007، ومع انهيار تلك القطاعات كانت هذه الاستثمارات تتحول لأسواق أكثر استقرارا مثل السلع الغذائية والذهب. وهو الوضع الذى أدى لاقتحام استثمارات لصناديق استثمارية ليست لديها أية خبرة أو اهتمام بقطاع السلع الزراعية، مما أدى لحدوث قفزات سعرية فى القطاع الغذائى، كما تشير الورقة البحثية. «قد تغرى الأوضاع المشجعة على ارتفاع أسعار سلع مثل القمح بعض المضاربين غير المتخصصين فى هذا المجال الدخول لشراء العقود واعادة بيعها، وهو الوضع الذى يزيد من تذبذب الأسعار» كما أوضح صبحى. وتعيد أزمة القمح الحالية الى الأذهان أزمة ارتفاع أسعار الغذاء فى عامى 2007 و2008، فى ظل تصاعد حركة المضاربات فى الأسواق العالمية قبل انهيار أسواق المال قرب نهاية 2008، وهى الارتفاعات السعرية التى أدت لاحتدام الوضع الاجتماعى فى مصر وحدوث أعمال شغب فى أكثر من ثلاثين دولة، وان كانت الفاو قد حذرت من قبل من إمكان تسبب حظر صادرات القمح الروسى فى حدوث اضطرابات اجتماعية بمصر، ولكن المنظمة الأممية اتجهت لطمأنة الدول الكبرى المستوردة للقمح بأنه «لا توجد مؤشرات على أزمة غذائية عالمية وشيكة». إلا أن منظمة بريطانية ناشطة فى مجال مكافحة الجوع «اكشن ايد هانجر كامبينر» اعتبرت، فى بيان لها على موقعها الالكترونى، أن العالم على وشك الوقوع فى أزمة غذائية جديدة ستكون آثارها كارثية على الملايين ما لم يتم اتخاذ إجراءات فعلية لإصلاح الوضع فى سوق الغذاء العالمية.