الرهان فى زمن ما بعد الأزمة على رفع أجور العاملين بما يضمن قدرتهم على الاستهلاك ودفع النمو تبعا لما خلص إليه تقرير التجارة والتنمية لسنة 2010، الصادر عن منظمة الأونكتاد، الذى أطلق فى القاهرة أمس، ويطرح التقرير سياسة اقتصادية جديدة لخلق النمو تستهدف بالأساس تحقيق زيادات فى الدخول تتماشى مع زيادة معدلات نمو الإنتاج. وتستمد سياسة الدخل أهمية تطبيقها من تراجع دور السوق الأمريكية فى الاستهلاك، بعد أن كان المستهلكون الأمريكيون يستحوذون على نحو 16% من الناتج الاجمالى العالمى، وصعوبة أن تقوم أوروبا أو الصين أو اليابان بدور البديل للسوق الأمريكية فى المستقبل المنظور، وهو ما يجعل تحسين مستويات دخول المواطنين المحليين فى الاقتصاديات النامية أفضل الفرص المطروحة أمام مستثمرى هذه الدول لخلق الطلب الذى يستوعب إنتاج مشروعاتهم المختلفة ف«توقع ارتفاع الطلب ووجود ظروف تمويل ملائمة هو الذى يحفز الاستثمار فى الطاقة الانتاجية وليس تخفيض تكاليف وحدة العمل»، بحسب نص التقرير. «الأجور العالية ليست عائقا أمام التوظيف» حسبما قالت ماجدة قنديل، المديرة التنفيذية للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، خلال إطلاق التقرير بالقاهرة أمس، موضحة أن درجة نمو الاقتصاد وتوافر الاستثمارات هى التى تؤدى لتوفير فرص عمل، وليس انخفاض أجور العمال. إلا أنها حذرت من جهة اخرى من زيادات الأجور التى لا تقابلها زيادة فى الانتاجية من خلال سياسات مثل العلاوات والتى تتسبب فى رفع معدلات التضخم. وكان ناشطون محليون فى مصر قد طالبوا برفع الحد الادنى للأجور إلى 1200 جنيه شهريا بما يتماشى مع معدلات التضخم الحالية. وأكدت قنديل ل«الشروق» على هامش المؤتمر على ضرورة رفع الحد القانونى الحالى للاجور تدريجيا، الا أنها أشارت إلى اهمية توفير معلومات عن الأجور الحقيقية التى تحصل عليها العمالة نظرا إلى عدم توثيق العديد من التعاملات فى هذا المجال. ودعا معدو التقرير الأممى إلى «وضع حد ادنى قانونى للأجر، ورفعه على مر الزمن بما يتفق مع نمو الإنتاجية» بل ودعم آليات التفاوض الجماعى بين العمال وأصحاب العمل، ومن جهة أخرى أكد التقرير أهمية تخفيض الفوائد على قروض الاستثمار والتوسع فى البنية التحتية لمساندة القطاع الخاص فى تطبيق تلك السياسات، كما أشار التقرير إلى أهمية الدور الحكومى فى توفير فرص العمل. وأكدت قنديل أهمية تحفيز القطاعات المشغلة لأعداد كبيرة من العمالة وقطاعات المشروعات الصغيرة، بدلا من ارتفاع نصيب انشطة اقتصادية لا تعتمد على العمالة مثل بيع شراء الاصول، معتبرة أن تحفيز هذه القطاعات يحقق التوزيع العادل للنمو. ويقدم التقرير نموذج الاقتصاد الصينى كمثال واضح على ملاءمة سياسات النمو المعتمدة على انخفاض تكاليف العمالة، حيث يعانى الاقتصاد الصينى انخفاضا كبيرا فى نسبة الاستهلاك الخاص من الناتج الاجمالى مقارنة بالمستويات العالمية، وهو الاستهلاك الذى تبرز أهميته الحيوية فى الوقت الحالى فى ظل تراجع معدلات الاستيراد فى الدول الكبرى بعد الأزمة، وأشار التقرير فى هذا الصدد إلى تأثير البطء النسبى للأجور على انخفاض معدلات الاستهلاك فى ظل اعتبار أن توفير العمالة شديدة الرخص سمة مميزة للاقتصاد الصينى، بحسب التقرير. هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الادخار والتى من أسبابها تطبيق برامج اصلاحية فى شركات القطاع العام الصينى والتى زادت من مخاوف العاملين على مستقبل معاشاتهم. وعلى المستوى الإقليمى أشار التقرير إلى مصر والجزائر وتونس وجنوب افريقيا وبتسوانا وناميبيا كدول بها نسب مرتفعة من العاملين بأجر ثابت مقارنة بدول أفريقيا جنوب الصحراء التى تعانى نسبة كبيرة من سكانها من عدم استقرار دخولها فى ظل ارتفاع مساهمة النشاط الزراعى فى اقتصاداتها.