أداء جمال مبارك وخطابه السياسى فى جولته الأخيرة بمحافظة الغربية يؤكد أن هناك سلطة خامسة فى النظام المصرى اسمها سلطة جمال مبارك، لتضاف أو بالأحرى تسبق السلطات الأربع المعروفة، التنفيذية والتشريعية والقضائية والصحافة التى أطلقوا عليها السلطة الرابعة. جمال مبارك فى لقائه بالفلاحين مارس كل هذه السلطات فى مناسبة واحدة، حيث قام بالتشريع حين أعلن من طرف واحد زيادات فى أسعار توريد المحاصيل، كما قضى بأن الفترة القادمة ستحمل أخبارا سعيدة للفلاحين، ولا يحتاج الأمر مجهودا لكى يلمس أى متابع أنه أيضا تقمص دور قمة السلطة التنفيذية، كما جاءت التغطية الإعلامية للجولة وكأنها نص واحد تم اعتماده وتوزيعه. ولابد أنك تتساءل الآن إذا كان رجل لجنة السياسات بالحزب الوطنى يتصرف على هذا النحو مصدرا للقرارات وموجها للتعليمات ومحددا لملامح المستقبل فما هى وظيفة رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه؟ ماذا ترك جمال للرئيس مبارك وللدكتور نظيف ليقوما به أمام الجمهور؟ غير أن رحلة جمال مبارك إلى فلاحى محلة مرحوم والقرى المجاورة كانت بالأساس مجرد موكب انتخابى حفل بما لذ وطاب من وعود، لكنه لم يخل من تناقضات.. من ذلك أن وزراء جمال مبارك أطلقوا مجموعة من التصريحات المعتبرة التى تنسف تصريحاتهم قبل الزيارة.. خذ عندك: منذ أقل من شهر كان وزير الإسكان أحمد المغربى يلقى على مسامع الرئيس مبارك خطبة طويلة عن عدم إمكانية التوسع فى زراعة القمح خوفا من تبديد حصة مصر من مياه النيل.. ثم تبعه وزير الزراعة بتصريح يؤكد التوجه نفسه حفاظا على حقوق السادة الحيوانات من البرسيم.. ثم جاء جمال مبارك بذات نفسه وقال إن الاكتفاء الذاتى من القمح فكرة غير علمية. ولأننا فى موسم انتخابات فقد نسى السادة الوزراء ونسفوا تصريحاتهم السابقة فى سياق دغدغة أحلام الفلاحين، فوزارة الزراعة أعلنت بعد حفلة محلة مرحوم عن البدء فى تنفيذ خطة زيادة مساحة القمح إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون فدان، هكذا بقدرة قادر تبدلت الأمور وصار التوسع فى زراعة القمح عملا جميلا ورائعا ولا يؤثر على ثروتنا المائية. وأحسب أن الفلاح المصرى أكثر وعيا من أن تنطلى عليه هذه الأكروبات الانتخابية، وأظن أنه لن ينخدع بفوازير ووزراء جمال مبارك مهما حفلت بكل عناصر الغموض والألغاز، لأن المعنى المباشر للحديث عن أخبار سعيدة فى الطريق أن كل ما قبل ذلك كان كوابيس وكوارث وأخبارا تعيسة، والفلاح يعلم بلا شك أن هؤلاء هم صناع الكوابيس والتعاسة فهم أصحاب السياسات التى أدت إلى هذه الأوضاع البائسة منذ أن اخترعوا شيئا يسمى «الفكر الجديد». لكن أطرف فوازير وألغاز وزراء الفكر الجديد كان بطولة وزير الصحة حاتم الجبلى الذى رد أمام النيابة نحو مليون ونصف المليون جنيه من ميزانية الدولة أى من لحم دافع الضرائب الحى تكاليف علاج زوجته متعها الله بالصحة.. ولاشك أنك أيضا مندهش من إغلاق الموضوع بعد السداد، كون رد الوزير لهذا المبلغ يعنى أنه أخذ بغير وجه حق، لكن المثير للأسى أكثر وأكثر أن محاسبة الوزير سياسيا لم تشغل بال أى مسئول فى الدولة، فطالما أعاد المبلغ سقطت تهمة استغلال الوظيفة الرسمية، رغم أن رد المبلغ يعد اعترافا بالخطأ أو الخطيئة السياسية. وكل عام وأنتم بخير بعيدا عن قانون الفكر الجديد.