لأن دموع فاروق حسنى أغلى من كل كنوز مصر، ومن مصر نفسها، لدى من بيدهم القرار، فهو باق فى منصبه مهما تعددت الكوارث وتوالت النكبات الثقافية على مدى ما يقرب من ربع قرن أنفقها حسنى فى وزارة الثقافة. يعصف بمسئولى الوزارة ويبدلهم، كما يبدل كرافتاته وقمصانه المزركشة، يخسف الأرض بهذا، ويرفع ذاك، ويبقى هو الثابت الوحيد والكل متغير . فاروق حسنى يشبه الصفر فى علم الحساب، يساره السالب ويمينه الموجب، لا يمكن الاستغناء عنه أبدا وفقا لعقيدة الذين جاءوا به وزيرا، وابتلعوا له الزلط راضين مبتهجين، مهما احترق مبدعون فى قاعات مغلقة، كما جرى فى حريق مسرح بنى سويف، ومهما تبددت آثار وكنوز مصر الفنية طوال السنوات الماضية. الملك فاروق حسنى هو الذى جاء بمحسن شعلان رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية، اختاره وصنعه على عينه، نكاية فى رئيس القطاع السابق أحمد نوار، الذى أطاح به الوزير المدلل حين بدأت بورصة الشائعات والتكهنات تطرح اسمه بديلا له، وعندما نفى نوار ذلك فى هيئة قصور الثقافة، لم يتركه الوزير وحرك بشأنه ملفات حملت اتهامات بالفساد، إمعانا فى اغتياله، لم يثبت فيما بعد أن أيا منها صحيح. والأمر نفسه حدث قبل نوار مع الدكتور مصطفى علوى رئيس هيئة قصور الثقافة الذى تخلص منه الوزير فى محرقة بنى سويف، وهو مشارك بحكم موقعه فى المسئولية عنها، لكن الوزير أيضا مسئول ومشارك، ورغم ذلك لم يحاسبه أحد، لأنه باختصار فوق المحاسبة والمساءلة، فضلا عن براعته فى المراوغة والتسديد، وقد تجلت تلك البراعة فى استخدامه ورقة الاستقالة من الوزارة للضغط على النظام وإحراجه، إذ يدرك الوزير جيدا أن نظامنا السعيد يعتبر كلمة الاستقالة من المحرمات والكبائر. السيناريو يتكرر الآن فى أزمة «الخشخاش» حيث أعلن الوزير الاكتئاب وقال إنه سيعتكف فى منزله أسفا وكمدا على ضياع اللوحة، ثم انقض على محسن شعلان ليشعل فيه نار الاتهامات، ويقدمه قربانا لديمومته وزيرا للحظيرة. ولعلك تلاحظ أن الوزير يكيل بأكثر من مكيال، فإذا كان محسن شعلان مخطئا وشريكا فى تحمل المسئولية عن مهزلة سرقة اللوحة، على اعتبار أن اللوحة سرقت من متحف يتبع قطاع الفنون التشكيلية، فإن التساؤل عن عدم انسحاب هذه المسئولية على وزير الثقافة، ومدير عام المتاحف، يكون منطقيا ومشروعا. وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء، إلى واقعة سرقة لوحة حامد ندا، فإن تساؤلا آخر يفرض نفسه بأثر رجعى: لماذا لم يقدم الوزير مدير دار الأوبرا، المكان الذى سرقت منه اللوحة فى ذلك الوقت إلى المحاكمة، كما فعل مع محسن شعلان؟ كل ما فى الأمر أن الغضب استبد بفاروق حسنى فصب جم انتقامه على رأس شعلان، لأن الأخير أحرج الوزير أمام الرئيس، حين تسرع وأبلغه بأن «زهرة الخشاش» رجعت وكله تمام. غير أن هناك أسئلة أخرى حائرة بشأن محارق فاروق حسنى لكل مسئول يخرج عن طوعه فى وزارته أهمها: هل صحيح أن معالى الوزير أعاد سكرتيره السابق محمد فودة للعمل فى مكتبه بالوزارة بعد خروجه من السجن؟ وبالمناسبة: لماذا صدرت جريدة «القاهرة» لسان حال وزارة الثقافة يوم الثلاثاء الماضى بدون أى خبر عن فضيحة «زهرة الخشخاش»؟