تخيلوا لو أن الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء طلب من وزير الزراعة أمين أباظة تطبيق القانون واسترداد الأراضى التى سرقها اللصوص والمغامرون أو تلك التى لم يستصلحوها للزراعة وحولوها إلى إسكان فاخر، أو تقاعسوا عن زراعتها أو كل من خالف القانون فيما يتعلق بأراضى الدولة. وتخيلوا ثانيا أن هذه الأرض المستردة أو المحررة تمت إعادة طرحها للمستثمرين بحق الانتفاع، ومن هذا العائد الذى من المفترض أن يكون بسعر السوق تم دعم المستثمرين الجادين الذين يريدون إقامة مشروعات زراعية فى بلدان حوض النيل، خاصة أولئك الذين يريدون زراعة القمح. فى الشهور الماضية انتفضت الحكومة عبر وزارة الزراعة وشنت حملة غير مسبوقة ضد حيتان الطريق الصحراوى، واتهمتهم بالاستيلاء على الآف الأفدنة وتحويلها إلى إسكان فاخر بدلا من استصلاحها وزراعتها، وسمعنا تصريحات عنترية من بعض مسئولى الوزارة بأنه لا تراجع ولا استسلام فيما يتعلق بهذه القضية. لكن اللغة العنترية بدأت تضعف وهناك إحساس بأن الحكومة «تهدئ اللعب مع الكبار»، ويبدو وكأن العملية دخلت فى الثلاجة أو «النملية». المشكلة ليست فى شخص معين وهل هو مدان أو برىء لكن المشكلة الحقيقية فى الحالة أو النموذج المتكرر، فمن لديه وقت فراغ عليه أن يستقل سيارته ويطير بهدوء على طريق مصر إسكندرية الصحراوى، وكل الطرق الصحراوية الأخرى، وسوف يكتشف كيف تمت أكبر عملية نهب منظمة لأملاك وثروات الدولة. لو أن هناك رغبة جادة لدى الحكومة من أجل الإصلاح والنزاهة والاستقامة فلتجربها فى هذه المسألة: عليها أن تحسم أمرها بشأن هؤلاء الأباطرة، لو كانوا مدانين فلتأخذ حق الشعب منهم وتعيد توجيهه لدعم من يريد خدمة الأمن القومى الفعلى لهذا البلد، ونعنى به فى اللحظة الراهنة تعزيز التعاون مع دول حوض النيل. أمين أباظة أعلن قبل أيام أنه سيتم دعم المستثمرين الذين يرغبون فى زراعة القمح فى بلدان حوض النيل: هذا تفكير جيد، وفى أضعف الإيمان سيكون أفضل من دعم مصدرى الفراولة «مع كل التقدير والاحترام لكل محبى الفراولة». مصر فعلا ليست فقيرة لديها موارد كثيرة ومن لا يصدق ذلك فليشرح لنا كيف يتم سرقتها طوال الفترات الماضية ولا تزال بخير. لو أخذت الحكومة حقوق الشعب والدولة من اللصوص والمضاربين والسمسارة ومافيا الاستيراد والمتهربين الكبار من الضرائب والجمارك وأولئك الأباطرة الذين يحصلون على الكهرباء والوقود بالأسعار المدعمة، لو فعلت الحكومة ذلك وطبقت القانون على الجميع سوف يختفى اللصوص قليلا ويتقدم الجادون، لن نعانى وقتها أزمات قمح شديدة ولن تنقطع الكهرباء، لأن مصانع الكبار لن تحصل عليها بأسعار زهيدة. لو قررت الحكومة أن تكون جادة فسوف يتغير وجه مصر، لكن السؤال: هل تريد الحكومة ذلك؟، ولو أرادت هل تستطيع؟، ولو استطاعت فهل من المعقول أن تعاقب أعضاءها المخالفين أيضا؟. التخيلات والأحلام كثيرة والمشكلة أننا لا نملك إلا أن نحلم ونتخيل، فربما يحدث شىء ما.