اليوم.. افتتاح 14 مسجداً جديداً بالمحافظات    شهداء ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    خالد جلال يتحدث عن رؤيته لمباراة الأهلي والزمالك.. ويتوقع تشكيل الفريقين    تعرف على جوائز مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي    وزير خارجية الأردن: إسرائيل أطلقت حملة لاغتيال وكالة «أونروا» سياسيًا    «صباغ» يبحث في نيويورك مع عدد من نظرائه التعاون الثنائي والتصعيد الإسرائيلي بالمنطقة    صندوق النقد الدولي يوافق على تسهيل ائتماني لليبيريا ب 210 ملايين دولار أمريكي    الكشف تشكيل الزمالك ضد الأهلي في السوبر الافريقي    سيد عبدالحفيظ عن مباراة السوبر: نسبة فوز الزمالك لا تتعدى 1%.. والأهلي طول عمره جامد    مصرع وإصابة 3 من عائلة واحدة سقطت بهم سيارة ملاكي في ترعة بالشرقية    "حقوق الإنسان": اقترحنا عدم وجود حبس في جرائم النشر وحرية التعبير    تكريم النجم احمد السقا في مهرجان الإسكندرية المسرحي    لمدة 10 أيام.. طالبة تروي تفاصيل احتجازها بالمدرسة بسبب حضورها حفلة خارجية    فلسطين.. شهيد وإصابات جراء قصف الجيش الاسرائيلي خيام النازحين في مستشفى شهداء الأقصى    وزير الداخلية اللبناني: 70 ألف و100 نازح في مراكز الإيواء الرسمية    وزير التعليم: الموجودون في مصر يدرسون منهجنا ولا مجال للكيانات الأخرى    الهلال الأحمر العراقي: نصب مستشفيات ميدانية على الحدود لعلاج المصابين اللبنانيين    تسكين طلاب جامعة الأقصر بالمدن الجامعية    خالد الجندي: لهذه الأسباب حجب الله أسرار القرآن    نقيب الفلاحين: كيلو الطماطم يكلفنا 5 جنيهات.. وآخر سعر سمعته 200 جنيه    استقرار أسعار جي إيه سي 4 الجديدة ومواصفاتها في السوق المصرية    غلق كلي للطريق الدائري القادم من المنيب اتجاه وصلة المريوطية لمدة 30 يوما.. اليوم    مصدر: الأمن يفحص فيديوهات تحرش أطباء بالمرضى| خاص    محافظ المنيا يوجه بتحسين الخدمات والمرافق في سمالوط تسهيلًا على الطلاب    الكتكوت ب 45 جنيهًا.. ارتفاع جنوني في أسعار الفراخ والبيض ما القصة؟    برج الحوت.. حظك اليوم الجمعة 27 سبتمبر 2024: أنت محظوظ في الحب    حسام حسن: من الصعب توقع مباراة القمة.. وصفقات الأهلي والزمالك قوية    صحة المنوفية: تكثف العمل بجراحات المفاصل الصناعية بمستشفى شبين الكوم    مصطفى بكري: قادة المقاومة يتم اغتيالهم في اجتماعاتهم السرية    إنفراجة في أزمة الأدوية وضخ كميات كبيرة الفترة المقبلة    «مين سأل عني؟».. أرملة عاطف بشاي تكشف اللحظات الأخير من حياته (فيديو)    تعادل مثير بين فرانكفورت وفيكتوريا بلزن بمشاركة عمر مرموش    سر رفض عاطف بشاي ورش الكتابة في الأعمال الفنية.. أرملته تكشف (فيديو)    توتنهام يفوز بثلاثية على كاراباج في الدوري الأوروبي    طقس اليوم.. حار نهاراً على أغلب الأنحاء والعظمى في القاهرة 33 درجة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الجمعة 27 سبتمبر 2024    مواعيد إجراء الكشف الطبي لطلاب وطالبات المدن الجامعية بجامعة جنوب الوادي    كأنهم في سجن: "شوفولهم حلاق يحلقلهم زيرو".. شاهد كيف تعامل محافظ الدقهلية مع طلاب مدرسة    بعد سحب ضابط مطاوي على الأهالي .. داخلية السيسي تضرب الوراق بالقنابل والخرطوش والقناصة!    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الجمعة 27 سبتمبر 2024    مصرع 4 أشخاص من أسرة واحدة في حادث تصادم بطريق الأوتوستراد (صورة)    توضيح من معهد تيودور بلهارس للأبحاث بشأن وحود مصابين بالكوليرا داخله    عالمة فلك تكشف توقعاتها لنتيجة السوبر الإفريقي بين الأهلي والزمالك (فيديو)    الأنبا مرقس يترأس الاحتفال بعيد الصليب والقديس منصور بالقوصية    وزير الصحة اللبناني: أكثر من 40 عاملا في مجال الرعاية الصحية استشهدوا في العدوان الإسرائيلي    القطار الكهربائي السريع في مصر.. كيف سيساهم مشروع سيمنس في تعزيز قطاع النقل والبنية التحتية؟(التفاصيل)    استشهاد النقيب محمود جمال ومصرع عنصر إجرامي في تبادل إطلاق النيران بأسوان    د.حماد عبدالله يكتب: أنا وانت ظلمنا الحب    رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الكون كله احتفل بميلاد نبينا محمد وأشرقت الأرض بقدومه    أياكس يتغلب على بشكتاش برباعية نظيفة في الدوري الأوروبي    أنغام تستعد لحفلها الغنائي ضمن حفلات "ليالي مصر" في المتحف المصري الكبير    آثار الحكيم حققت النجومية بأقل مجهود    بعد مشادة كلامية مع شقيقها.. فتاة تقفز من الطابق الخامس في الهرم    أفضل الطرق لمنع فقدان العضلات مع تقدم العمر.. نصائح للحفاظ على قوتك وصحتك    أحمد الطلحي: الصلاة على النبي تجلب العافية للأبدان (فيديو)    لمحة عن مسلسل «مطعم الحبايب» بطولة أحمد مالك وهدى المفتي (فيديو)    أحمد الطلحي: سيدنا النبي له 10 خصال ليست مثل البشر (فيديو)    أول تعليق من «الأزهر» على تلاوة القرآن الكريم مصحوبًا بالموسيقى: «جريمة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أين يأتى الجمال؟ (رَوْحة صيفية) 1
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 07 - 2010

بينى وبين اللذيذة أنجلينا جولى غرام خاص مشبوب، ليس من طرف واحد كما يتبادر إلى الأذهان، بل هو غرام من طرفين، أسفر عن نفسه عندما ذهبت أنجلينا إلى «ركن الرياح» لتضع مولودتها «شيلو»، مديرة ظهرها الجميل لكبريات مدن العالم التى هى رهن بنانها الساحر، وقد فعلت بالضبط عكس السلوك الذى يتبعه النافذون والنوفو ريش لدينا، أو حكام وبليونيرات زمن الغفلة، الذين يرسلون بزوجاتهم وبناتهم الحوامل، ليلدن فى بلدان أوروبية أو أمريكية بعينها، حتى يحصل المولود على جنسية البلد الذى وُلِد فيه، ويمنح أباه وأمه جنسيته بالتبعية، وإخوته وجدته وجده بالتتابع، ومن ثم يتوافر ملاذ مستقبلى للعائلة، التى تريد إلحاق أولادها وأحفادها بمجتمعات «راقية»، وتلتحق هى بالثروات المنهوبة من الأوطان «المتخلفة»، والمودعة فى حسابات سرية ببنوك أوروبا وأمريكا.
لم تفعل لذيذتى أنجلينا هذه القباحة، بل ذهبت وهى حامل فى شهرها الأخير، بصحبة زوجها، غريمى «براد بت»، إلى عاصمة ناميبيا «وايند هوك» والتى تعنى «ركن الرياح» بلغة الأفريكان، أى الأوروبيين الذين تفرقوا بعد هبوطهم واستوطانهم لسواحل أفريقيا الجنوبية منذ القرن الخامس عشر، ومن وايندهوك اتجهت أنجلينا إلى منتجع جميل صغير فى قرية بمنطقة «أيرونجو» لتضع مولودتها «شيلوه نوفيل» مساء السبت 27 مايو 2006 فى هذا البلد الجنوب أفريقى الساحر، فى تعبير ساطع وقاطع، عن العاطفة التى تربط بيننا، أى الغرام المشترك ببلد خلاب، لعلنى كنت أول كاتب وصحفى عربى يصل إليه ويكتب عنه، متقدما على «النيوزويك» العالمية فى استطلاع مجلة العربى الذى عنونته: «جوهرة أفريقيا المنسية»، والذى سبق بستة أشهر كاملة تحقيق النيوزويك المعنون «مكان نظيف حسن الإضاءة»، وهو عنوان إحدى قصص هيمنجواى القصيرة الشهيرة.
ولا أعرف بالضبط من أين استقت جولى اللذيذة معلوماتها عن ناميبيا، لكن اوهام المُحب لا تستبعد احتمال أن تكون قرأت استطلاعى أنا، وأيا كان مصدر معلومات أنجلينا وبراد بت، فالثابت أن تقديرا بالغا قد استقر لديهما، كما لدىّ، لهذا البلد الذى تُقارِب مساحته مساحة مصر ويعيش فيه مُجرَّد مليونين من البشر، ويتمتع بجمال طبيعى فائق، وتنوع بيئى نادر، وحداثة عميقة الحكمة ودافئة الألوان، ونظافة ليس لها نظير.
لقد ذهبت إلى ناميبيا وهى بالكاد تمسك بطرف تحررها من ربقة الحكم العنصرى الذى رزح على صدرها طويلا، وشهدْتُ الاحتفال بتحرير آخر قطعة من أرضها فى ميناء «بيرليتز» الذى كان نظام جنوب أفريقيا العنصرى قد وضع يده عليه.
وقد سحرتنى العاصمة المسماة بركن الرياح «وايندهوك»، وإن كنت وقت زيارتى لم أشعر فيها بأى عصف للرياح، بل بسكينة مضيئة، وملونة ببهجة عمارتها الخلابة البعيدة كل البعد عن عجرفة المدن الغربية الكبرى، زرت الدكتور بيتر كاتشافيفى مدير جامعتها الأنيقة التى تجرى فيها بحوث بيئية متقدمة ومرتبطة بمصادر البيئة المحلية المتنوعة، من سواحل تطل على المحيط الأطلنطى، وصحارى تسرح فيها الظباء والنعام وقبائل البانتو التى لا تزال تعيش على الفطرة، والغابات التى لا مثيل لنقائها العاطر وتكامل مخلوقاتها، والتوازن المرهف فى تكويناتها النباتية والحيوانية.
همت عشقا بمدينة صغيرة على ساحل الأطلنطى اسمها «سواكابوند»، شىء مذهل الأناقة واللطافة والجمال ومفرط النظافة التى يحرص عليها ساكنوها، وتؤكدها موجات الأطلسى التى تغسل أطرافها بشغف، وتدعمها أمطار دافئة نقية.
شواطئ كانت محورا غراميا بما تزخر به من محميات لطيور الفيلامنجو ومستعمرات تزاوج الفقمات. مدينة صغيرة بأبنية جرمانية الطراز لا تزيد على طابقين، وجنبات زهور فى كل مكان، وبشر متعددو الأعراق يعيشون فى وئام حقيقى صادق، بيض، وسود، وهنود، متعددو الأعراق والأديان، لكنهم متناغمون فى سلام جميل داخل النسيج الناميبى الذى تخلص من الاستعمار العنصرى، ولم يقع فى مصيدة رد الفعل المتعصب أو الانتقامى، فصان جمال ومتانة هذا النسيج، وصان البلد الخلاب، بإرادة إنسانية وحضارية مدهشة، لعل أهم ملامحها قرينة الجمال كانت: النظافة!
النظافة بمعناها الطبيعى والمدنى أمر بديهى فى ناميبيا، أما النظافة التى رأيتها خلف كل تلك النظافات وعبرها، فهى النظافة السياسية، نظافة تفكير وسلوك ثوار جبهة «سوابو»، رفيعو الثقافة والتعليم، الذين حرروا البلد من الاستعمار العنصرى بدعم شعبى فائق التحضر، فلم يتماهوا مع جلادهم السابق بسلوك مماثل ولاحق، بل حافظوا على البنى الثقافية والاقتصادية الزراعية والصناعية والبيئية التى أنجزها المواطنون البيض «الأفريكان»، وتركوا كل شىء جيد على حاله شرط أن يؤدى كل طرف واجبه تجاه الأغلبية السوداء التى طال حرمانها، بالقانون، وبالحق، وبالعدل، وبالمحبة، وكان أهم ما فى هذه التوجهات السياسية النظيفة، هى الشفافية، شفافية مذهلة وتحديدا فيما يخص ممارسات الحكام الجدد، ثوار الأمس، وعلى رأسهم «الدكتور سام نوجوما» القائد الثورى السابق، وأول حاكم لناميبيا الجديدة بعد استقلالها.
حرص شديد على كل هِبة طبيعية يملكها هذا البلد، وبراءة زمة ونظافة يد مذهلين، وعلنيين، وقد تابعت فى الصحف حين كنت هناك، ما يشبه كشف حساب مالى ودورى لكل مسئول، ومعظمها كان قروضا متواضعة لا يتعدى الواحد منها ألفى دولار لوزير أو مسئول حزبى لتعلية حجرة فوق منزل بسيط، أو شراء سيارة صغيرة مستعملة.
أما فى مجال البيئة، فلم يبيعوا أرضا، ولا خربوا محمية، ولم يغلقوا ساحلا بمنتجعات خرقاء برغم أن بلدهم يمكن أن يكون بلدا سياحيا فى طليعة أهم البلدان السياحية فى العالم، وكانوا فى حالة استنفار صادق وجاد لحماية الطبيعة الخلابة للغابات التى تنبسط على سطوح الجبال، وتلك التى تترامى فى الوديان، وكانت هناك معركة مستمرة ضد فساد دميم أراد أثرياء العالم أن يمدوه نحو شواطئ المحميات البحرية، خاصة ملاذات حيوانات الفقمة، التى كان قناصون دوليون يردونها فى الظلام برصاصات من الفضة حتى لا يتشوه فراؤها النادر الذى تفضله حيزبونات فسدة العالم، كما لم يعدم عواجيز الفسدة نصيبا فى هذا الصيد المجرم، إذا كانت تجتث أعضاء ذكورة هذه الفقمات وهى حية! لتُجفَّف ويُصنع منها سفوف يشفطه شفاطو «العالم الثالث»، لعله يعيد للمستفحلين على شعوبهم ومجتمعاتهم فحولة آفلة لا تستعيدها سطوة ولا ثروة ولا حبوب زرقاء. وكان حكم ناميبيا رائع الشفافية يخوض حربا حقيقية ضد عملاء هؤلاء المستفحلين المتسللين إلى ملاذات هذه الكائنات بريئة العشق، تحت جنح الظلام!
لم أر ظلاما فى الحكم الناميبى عندما كنت فى ناميبيا، وبمتابعتى المتاحة أعتقد أن النور والنظافة والشفافية مازالا يعملان هناك، ليس بدليل ما عبّرت عنه إرادة أنجلينا اللذيذة وبراد بت الموهوب فى التشرُّف بوضع ابنتهما هناك واكتساب شرف الانتماء إلى هذا البلد الجميل النظيف، بل لأننى علمت مؤخرا أن كل ذلك يعمل لايزال، ودليل استمراره وفاعلياته هو تداول السلطة، فسام نوجوما أبو التحرر الوطنى وأول رئيس أسود لناميبيا، لم يستمر فى التشبث بالحكم الذى كان يستطيع أن يستمر فيه بسهولة وباختيار شعبى حر، بل اختار أن يجدد الحكم دماءه حتى لا تتخثر فى عروق البلد وتسدها وتميت فى داخلها ما تميت، أفسح الفرصة لتداول سلمى وديمقراطى حقيقى للسلطة، وعاد هو إلى عمله فى الجامعة التى كان أحد أساتذتها. أليست هذه قمة النظافة؟
نظافة تحافظ على النظافة وتصون الجمال، ولكم أحلم بأن تهبط علىّ ثروة مفاجئة فأفاجئ روحى ومن أحب برحلة إلى هذا البلد الجميل، البلد الذى شكّل غرامى المشترك بالخاطر والتخاطر مع اللذيذة أنجلينا جولى، وجولى بالمناسبة هو اسمها الأوسط الذى يعنى «الجميلة»، وهى جميلة بالفعل، ليس جمال الكَسم والرسم وحدهما، بل جمال الروح الذى حوّل بيتها إلى أمم متحدة صغيرة تضم إضافة إلى أبناء بطنها اللطيف ثلاثة أطفال ممن شردتهم حروب العالم البائس، مادوكس من كمبوديا، وباكس تين من فيتنام، وزهراء مارلى من إثيوبيا.
أنجلينا التى صارت سفيرة نوايا حسنة، بجد، للأمم المتحدة، تنفق من جيبها الخاص على زياراتها التفقدية لمخيمات اللاجئين فى لبنان والصومال وكينيا وأفغانستان والعراق حاملة معها شحنات بالأطنان من الأدوية والأطعمة والأغطية والثياب، ومتبرعة بما مجموعه عشرين مليون دولار من مالها الخاص للاجئى العالم ولدعم منظمة أطباء بلا حدود وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة.
وأظن أن اعترافى العلنى بملابسات هذا الغرام، لن تترك فرصة للالتباس لدى «الجماعة»، ليست الجماعة المحظورة طبعا، بل الجماعة المشروعة، التى ستكون، بالطبع، على رأس الزيارة الحلم، لمكان جميل نظيف حسن الإضاءة اسمه «ناميبيا»، جوهرة أفريقيا التى لا أستطيع نسيانها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.